الشيخ عبدالله بن علي الخليي هو من تلك السلالة الشعرية الكبيرة في عمان والوطن العربي، التي حفظت للشعر مجده ورصانته وتاريخه، من أبي مسلم البهلا ني الرواحي، عمانيا وحتى بدوي الجبل والجواهري عربيا، بما يعني ذلك الحفظ من تواتر قيم ابداعية وارث من الرؤى والتصورات أبدعها أسلاف الشعر العظام من مختلف العصور.. الشيخ الخليلي ينتمي الى شجرة الأنساب الشعرية هذه عبر مناخاته العمانية وخصائصها المكانية والروحية، هو ابن العائلة التي تمتد أرومتها عميقا في هذه التربة بشوامخ معرفية لا تبتديء ولا تنتهي بالعلامة الشهير سعيد بن خلفان الخليلي.. رغم وطأة الزمن والمرض ظل الشيخ الشاعر وفيا للمعرفة والكتابة كجزء من نسيجه الكياني والوجودي معتكفا في بيته غائبا عن كل ما يعكر عليه صفاء أعماقه ورؤيته للعالم والحياة في زمن قل، وربما قل حتى الاضمحلال رجال من هذا النوع حيث الأطماع الصغيرة وسطوة القيم الهابطة هما عنوان هذا السلوك المهيمن بتفريعاته وتنظيراته المختلفة. ظل الشيخ الخليلي وفيا لشاعريته الفذة التي بدأت مبكرا منذ طفولته في واحة العلم والمعرفة التي جسدت سمائل مكان احتضانها وعرين مخيلتها المخترفة لفضاءات الشعر المختلفة، هذه المدينة التي لخصت شعريا، نوعا من سيرة ثقافية للمكان العماني.. وفي هذا السياق لا يمكنني أن أنسى رغم غبار السنين،تلك المطارحات الشعرية في حارة ( الحباس) حيث يقطن الشاعر والقاريء المتميز علي بن منصورالشامسي، مع نخبة من شعراء البلاد في مقدمتهم الشيخ الخليلي أو في بيت الشيخ نفسه. بحضور أخيه الشيخ سعود بن علي الخليلي أحيانا حيث يبدأ الانشاد الشعري الذي يقوم به علي بن منصور بنبرته السمائلية الخاصة التي تتوسل لديه عناصر لحنية ترتفع الى مقام الانشاد المموسق الذي ينهمر مطرا وعذوبة في كك الأ رجاء السماثلية البان خة.. وأحيانا يقوم الشيخ الخليلي بإلقاء القصائد بأسلوب مختلف حيث يجري التركيز على منابع الكلمات وتشرب المعاني كأنما يقذف بها في كتابة ثانية هي بمثابة قراءات ابداعية للقصيدة.
لا أنسى ذلك وغيره الذي يندرج في التكوين الأول للذائقة والوعي الشعريين والذي أدين له بالكثير.. وكانت تلك القراءات المتنوعة يعنبها جدل ونقاشات حول المقروء والمستجد في الكتابة الشعرية مما يوحي بعناصر مناخ معرف متكامل في ذلك الزمان.
لم يكن الشيخ الشاعر، رغم وفائه لتقنياته وقيمه الشعرية والفكرية المتوارثة، متعصبا ومتزمتا ضد آراء الآخرين وممارستهم في الكتابة بل ظل كمن ينطلق من أسس صلبة ومتينة يحاور ويجادل بروح خلاقة منفتحا على التجارب والمستجدات في أرض الشعر والا فكار في هذا العالم الذي يمور بالتيارات والمتغيرات آخذا ما يناسب سياق قناعاته وخصائص فكره التي بناها عبر السنين طارحا ما يناقض ذلك، لم يكن الشيخ الشاعر متعصبا ومنغلقا مثلما يفعل عجزة الفكر وعميان التاريخ الذين لا يؤمنون إلا بسحق الرأي الآخر وتحويل الحوار البناء الى ساحة بطش وعنف لا طائل من ورائها، الا مزيدا من التقهقر والاندحار.لقد كتب الشيخ مسرحا شعريا وكان رائدا في ذلك على الصعيد العماني وكتب نثرا شعريا وفي كل ما كتب نلمس بوضوح سمات الشاعر الكبير..
وظل وفيا لشجرة أنسابه الروحية والشعرية كما كان وفيا للايجابي في عصره.
هذه ليست إلا إشارة وفاء للشيخ الشاعر وما يستحقه مشروع كتابة أوسع وأعمق تقوم بها جهات مختلفة في السلطنة والوطن العربي.
الشيخ الشاعرعبدالله بن علي الخليلي
:* تميزت سمائل بمكانتها العلمية والأدبية. ما هو دور المدارس والملتقيات الأدبية التي تأسست في تنشأة جيل من المهتمين بالأدب والشعر وفقهاء اللغة؟
* لا شك أن المدارس في سمائل كان لها الدور الكبير في تنشئة أجيال الأدب والشعر وعلوم اللغة. فكان على رأس تلك المدارس جامع سمائل الذي دأب على انجاب أفذاذ من عباقرة الأدب وجها بذة اللغة على مر العصور. وفي سمائل أساتذة في اللغة والأدب والفقه في مختلف أحيائها يعلمون الأبناء بدون مقابل أجر. وعلماء سمائل يعندون حلقات العلم في مساجدهم ومنازلهم يحضر تلك الحلقات عدد كبير من الطلبة. وفي سمائل محافل أدبية جعلت الشعر السمائلي متميزا برصانته ورقة أسلوبه ومحسناته البديهية، فعندما تولد قصيدة لشاعر سمائلي لا ينشرها ما لم تنفذ الى مسامع كل علم من اعلام تلك المحافل، بحيث يدلي كل واحد بملاحظاته على تلك القصيدة اذا كانت ثمة ملاحظات.
* ما تأثير المكان والبيئة السمائلية في نشأة الشيخ عبدالله بن علي الخليلي، وتأثره بمذاهب الأدب والشعر والفقه؟
· الطبيعة الخلابة في سمائل عامل مؤثر في نشأة الخليلي فهناك الزهور الزاهية الألوان ذات الشذى المنعش الذي تجره النسمات السمائلية عبر أذيالها متنقلة به من ربوة الى ربوة ومن روضة الى روضة، حيث النخيل السامق الطول، المتماثل الأعطاف والدوح المخضل الأوراق الوارف الظلال،الذي استوطنته الأطيار الفريدة التي ما فتنت تردد ألحانها الشجية على عزف خرير الجداول المتدفقة من وادي سمائل الدائم الجريان الذي تعكس مياهه الفضية ليلا السماء والبدر، فتشعر عندما تقف باحدي ضفتيه كأنك بين سماء ين وبدرين،أليس لهذا تأثير في نشأة الخليلي وأحاسيسه ووجدانه؟ وأحاسيس غيره معن تربعوا في رياض الفيحاء؟
روي أن أديبا عاش في ربوع سمائل فترة ثم شاءت الأقدار أن يفارقها، ذكر هذا الأديب بأن شعره يختلف تماما عندما كان مقيما بسمائل.
أما تأثره بمذاهب الأدب والشعر والفقه فقد تأثر بشتى مذاهب الأدب وبالشعر خاصة. كما تأثر بالفقه حيث نشأ في كنف عمه الامام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي ناهلا من فيض علومه القرآنية والفقهية وعلم الحديث وعلوم الاسلام عامة علاوة على منهجه الاخلاقي والاجتماعي وسيرته الفذة رضوان الله عليه ويتجلى تأثر شاعرنا بتلك التربية في معظم أشعاره وكتاباته التي تنزع بطبيعتها الى الروح الاسلامية الحقة كقصائده في السلوك والتصوف والفلسفة ناهيك عن الأسئلة والأجوبة الفقهية مع بعض معاصريه من العلماء والأدباء. أما تأثره بالأدب والشعر ومذاهبه فلا شك أنه قرأ وحفظ الكثير من الشعر الجاهلي والاسلامي وبالتالي فقد تأثر بما قرأ تأثرا واضحا تجلى في جزالة ألفاظه ورصانة بنائه وغزارة معانيه ولعل كثرة تشبيهاته وبلاغة بدائهه تدل على قوة لغته ومطاوعتها له. والخليلي لم يتأثر بشاعر بعينه كما لم يقلد شاعرا في أسلوبه بل جاء شعره متميزا بأسلوبه الخاص وانطباعاته المتفردة ومسالكه المتجددة التي تشهد له بالبراعة في الابداع شأنه في ذلك شأن فحول الشعراء فلقد تأثر وأثر وجدد وتجدد. طرق الخليلي شتى مسالك الشعر وبعض النثر كالمقامات والقصص القصيرة، ونلاحظ أن شعر الخليلي وكتاباته عموما تخلو من الهجاء والهزل والابتذال وتسمو الى أعلى مراتب الأدب والتأدب متمسكة بالفضائل متحلية بالأنفة والكبرياء.
* حلقات الأدب السمائلية التي يعندها الشيخ عبدالله هل هي امتداد لحلقات الشعر القديمة في سمائل وحفين الشيخ الى مجالس الأدب القديمة؟
* مجالس الأدب السمائلية وحلقاته جديرة بحنين الخليلي اليها، فهو متعلق بها، وما ندواته الأدبية الا امتداد لها، فقد ولد في مهدها الفسيح وترعرع في أحضانها الدافئة، مرتشفا فيها أرى العلم والأدب، فتلك الحلقات لها فوائد كبيرة في صناعة الشعر الجيد والأدب الرائق، بقدر ما لها من فوائد في مذاكرة العلم، فالمذاكرة مفيدة لترسيخ العلم في الذاكرة.
من نال العلم وذاكره حسنت دنياه واخرته
فأدم للعلم مذاكرة فحياة اعم مأاكرته
(ملاحظة سننشر في الأعداد القادمة قصائد للشيخ الشاعر)