تأملها…
ناضجة، كاملة، تكاد تقطر لذة، كلما داعبتها شهوة العيون.. حمراء، لا داكن لونها ولا باهت ألقها، ممتلئة كحدقة الواثق، تسر الناظرين!! راقبها، وهو يهذي هامسا: (لعنة الثمرة الكمال… ولا معراج لها صعودا، لا متسع لأرجوحتها يسارا أو ذات يمين، فما من سيبل لاختراق النظام.. وكلما اهتزت أوشكت على الانحدار، كأنما هي تبحث عن مستقر إليه المآل!!). كمن لا يريد جوابا، تساءل:(ألا يسقط إلا من اكتمل؟!) شهواته تبق ايماء عينيه.. وكان يرقبها بنظرة (خالع ) حاك لأفكاره أجنحة من خيال وبقي يتابع تحليقها مهووسا أنى ارتحل ذهنه، مدركا أنها ثمرة في طريقها الى السقوط!! رصدها، والحيرة تقتات منه (ترى بأي عين أراها؟! هل بعين القلب أم بعين العقل؟! أأكتبها قصيدة شعر أم قانون فيزياء؟!) (فتنة هو الجسد!)، قال هذا وهو عاقد العزم على ان يتمدد أرضا، قريبا منها، واضعا كل تفاصيلها أمام كل حضوره حيث لا مسافة بين اكتمالها وحيرة نظره إلا قامة الجذع الذي تعلق عليه بهاءها تعلق شهيد على نقاء صليب!! مرت نسمة ريح… داعبتها.. تحركت قيد نبضة، فهفا قلبه نحوها متوجسا: (هل تعشقه، أم أن هواها من نصيب غيره؟!) تقاذفته الهواجس كما تتقاذف الريح اكتمال الثمرة… لعن اليوم الذي مارس فيه الحياة عبر بوابة الفيزياء… متشككا صار من كل الأنظمة، ومن منطقه وعلمه: (كيف قضى العمر كله بين مراقبة الكائنات وهي تتحرك، أو متابعة الجمادات وهي في طور السكون؟! وتلك الرموز والأرقام التي ينقشها في دفاتره، كالحجب والتمائم، ماذا أضافت له غير الهلوسات والهذيانات؟! ثم، هل كل هذي الظواهر التي حرث، بتتبعها، ربيع عمره، تساوي لحظة تأمله لفتنة الثمرة الآن؟!) اشتدت حركة الريح…. تداعت في ذاكرته صورة ذات الثمرة البكر في بداية الخلق حيث لحظات التأسيس الأولى للفيزياء، وللثمر، وللشجر، وللبشر: كان هذا بعد اكتمال السماء والأرض بنفخة في صلب التراب… التراب حبل بذرة… البذرة أوجدت شجرة… في الشجرة سكنت ثمرة، تحبا فيها الجمال شهوة أغوت آدم، فكان سقوطها الأول من رحم الغصن إلى دفء فمه، ثم خروجه وإياها من لذة قبة السماء إلى حياة حقول الأرض!! كان موقنا أن طريق السماء إلى الأرض، كما طريق القمة إلى القاع، لابد لها من المرور عبر ثمرة تكسر قداسة تقاليد الفيزياء!! خفق قلبه عند جملته الأخيرة فانفصلت الثمرة عن الشجرة… انزلقت من مكانها كأنها تريد القدوم إليه، كأنها تستعجل الحلول أمامه بكامل تاريخ فتنتها منذ السقوط الأول، حتى هذي النبضة الأخيرة… مشرقا لها صرخ: (إنها الثمرة التي أريد!!) تابع سقوطها وهو يهذي: (أقسم إنها هي… لقد وجدتها… وجدتها!!) تلقفها مثل عشيقة، وحملها كبعض منه… أخذ يركض حاملا إياها، صارخا: (وجدتها.. وجدتها…!!) أيقن أن الثمرة اكتملت، فسقطت تحت تأثير جاذبية عشقه لها.. حضنها بلهفة.. داراها بين يديه، ملساه، مستديرة، تتلألأ كأنها مشكاة نور. أغرته بحضورها، فهم بها… تساءل: (ماذا بعد أن أتت إليه كالبشارة من السماء؟! هل يبقيها كاملة كما عشقها، فتذبل من جور الزمان، أم يقضمها بشهوة، فتتحقق بذلك لعنة الكمال؟!) أوشك قلبه على الانشطار من شدة دفء التصاقها بيديه.. قربها من فمه، فتراءى له آدم الأول، ماضغا التفاحة الأولى بعد أن تهدمت كل قلاع صبره أمام إغوائها له!! قربها أكثر من شفتيه، ثم احتضنها بأسنانه قاضما إياها بلذة عمر من الانتظار!! نظرها بعد أن إجتزأها… حدق بها… صارت مبتورة، وما عادت أمام ناظريه كاملة الحضور كما في البدء… اختلت صورتها في ذهنه، واهتزت رؤيته لها، فاستعاد مهابة لحظة السقوط متسائلا: (لماذا سقطت بعد أن اكتملت؟! وهل جاذبية حضوري أم جاذبية الأرض ما أسقطها؟!) قضمها مرة أخيرة مستحضرا فتنة التفاحة الأولى لجده الأول، ثم أخذ يرسم قلبا وأرضا فيما تبقى من رموز قانون الجاذبية الذي اكتشفه!!
مفلح العدوان(قاص من الأردن)