أخذ اسم الشاعرة شيمبورسكا منذ العام 1989 يتردد في قائمة المرشحين لجائزة نوبل في حقل الأدب. تضم القائمة عادة حوالي مئتي مرشح، سرعان ما يأخذون بالتناقص حتى يصلوا في أواخر سبتمبر من كل عام الى عدد أصابع اليد الواحدة. لم يكن أحد من الضالعين في شؤون الثقافة البولندية متوقعا أن تفوز شيمبورسكا بالجائزة، لا لأنها لا تستحقها، خاصة وأن النقد الأدبي البولندي قد توجها "أميرة الشعر البولندي"، بل لوجود تصور عام بأنها ستكون هذا العام من نصيب أحد الناثرين، ناهيك عن منافسة شاعرين بولنديين لها هما تادئوش روجيفيتش وزبيفنيف هربرت.
لكن فوز شيمبورسكا بالجائزة المذكورة لم يلق اعتراضا أبدا، بل تقبلا رسميا عاما من الجانب البولندي، على الأقل. فشيمبورسكا تتمتع باحترام كبير في الوسط الأدبي البولندي، حتى أنها قد اعترفت علنا قائلة: إنها لم تجد فيما كتب عنها سوى الاعجاب بشعرها. انها مدللة النقد البولندي.
لقد توج هذا الاعجاب بمنحها لقب الدكتوراة الفخرية من جامعة بون فان (أيار / مايو 1995) وجائزة نادي القلم البولندي في مجال الشعر ( 30 أيلول /سبتمبر 1996/. وحصلت على جائزتين غربيتين معتبرتين هما: جائزة غوتة (1991) وهيردر (1995). لقد منحت جائزة نوبل للشعر، لشاعرة متميزة في لغة وبنية وأسلوب القصيدة. استطاعت أن تخلق لها أسلوبا شعريا خاصا بها. انها جائزة للنوعية على حساب الكمية، جائز لمئتي قصيدة حقيقية حية كتبتها الشاعرة على مدى خمسين عاما وتوزعت على. تسعة دواوين شعرية لا غير هي:
"لماذا نحيا" (6952)، "أسئلة نسألها" (1954)، "نداء يبتي" (6957)، "الملح " (1962)، "مائة سلوى" (1967)، "كل حال " (1972)، "العدد الكبير" (1976)، "ناس على الجسر" (1986) و"
النهاية والبداية " (1993)، وتسع مختارات شعرية صدر آخرها تحت اشراف الشاعرة ذاتها في تشرين الثاني/ نوفمبر 1996 وتضم (602) قصيدة لا غير.
يضاف الى ذلك مجلدان نثريان يضمان مقالاتها المنشورة بعنوان "مطالعات اختيارية " في الصحافة البولندية. وكتابان في مجال ترجمة الشعرية: الأول مختارات من أشعار (دي موسيه ) (1957) والثاني "أشعار مختارة " من شعر بودلير ( 1970 ). لقد تحققت نبوءة رئيس نادي القلم البولندي الشاعر (آر تور ميندزيزتسكي) الذي بعث رسالة تهنئة من ستشفاه (قبل رحيله مؤخرا) الى الشاعرة قرئت أثناء منحها جائزة نادي القلم الشعرية، بأن هذه الجائزة متواضعة، لأنها تستحق جائزة نوبل !
كانت مدينة (كراكون ) ذات التقاليد الجامعية والأدبية العريقة تستعد في 1999للاحتفال بحضور ثلاثة شعراء من حملة نوبل هم: جيسواف ميووش، وجوزيف برودسكي وشيموس هيني. استبدلت الفكرة بعد موت برودسكي في شهر كانون الثاني 1996 بلقاء يضم الشاعرين الآخرين في الثالث من تشرين الأول لم أكتوبر 1996، بغرض تأبين صديقهما الشباعي الراحل. لم يحضر للقاء المذكور الذي خططت له دار النشر (زناك ) سوى شيموس هيني، لأن ميووش سبق وأن سافر الى بركلي في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد قال هيني في كراكون: أعرف شيمبورسكا منذ سنتين وأتذكرها كمدخنة شرهة. لقد كان قرار الأكاديمية الملكية السويدية رائعا: للشعر وللأكاديمية السويدية ذاتها. وأضاف مازحا: كان على الجميع أن يجتمعوا هنا في كراكون لكي يمنحوا جائزة نوبل لفيسوافا شيمبورسكا. وقال أيضا: أن جائزة نوبل هي بمثابة صاعقة تنطلق من سماء صافية باتجاه شخص مختار. وان توقع أي كان بأن الجائزة هي من نصيبه، هو محض جنون. لقد قالت الشاعرة في حوار أعقب منحها الجائزة بأنها لم تخلق من لا شي ء، مشيرة بذلك الى التراث الشعري البولندي الذي تنتمي اليا. شيمبورسكا هي تاسع امرأة تحصل على هذا الاستحقاق الرفيع في تاريخ جائزة نوبل، وبها يصبح عدد البولنديين الفائزين بجائزة نوبل للأدب أربعة هم على التوالي: هنريك شينكيفيتش (1905)، فواديسواف ريمونت (1924)، جيسواف ميووش ( 1980) وفيسوافا شيمبورسكا (1996).
على مدى خمسين عاما كانت قصيدة شيمبورسكا وما تزال تحفر سماتها وصوتها الخاص في الشعر البولندي المعاصر. انه حفر ونقش يشبه ما وصلنا من نقش في الكهوف والمعابد من حيث سأثر. بدون ضوضاء، وادعاءات فارغة وتزلف. الكتابة لدى ميمبورسكا عمل شاق دؤوب دقيق ومعاناة حقيقية، يقابلها متعة كتابة التي سمتها الشاعرة في واحدة من بين أجمل قصائدها _ فرح الكتابة ". فمقابل المخاض ثمة وليد منتظر. كان الفرزدق فضل قلع ضرس له على كتابة بيت من الشعر. في بداية السبعينات حدد الناقد البولندي الراحل (يري كفيا تكوفسكي) موقع، يمبورسكا الشعري على النحو التالي:"رغم قلة عدد قصائد شاعرة (بحدود مئة قصيدة آنذاك ) الا أنها واحدة من بين أهم ظواهر في الشعر البولندي المعاصر. بساطة وتوصيل غير عاديين. هر عميق فكريا… شعر دقيق بصور غير عادية، مصحوب بابتكار في صياغاته. الكلمة فيه وسيلة وليست غاية… كل قصيدة من عصائدها تعتمد على شعرية متفردة… ببساطة انه شعر خاص تماما " (عن مقدمته لمختارات الشاعرة، وارسو 1970).
حققت شيمبورسكا في شعرها بدون تكلف ولكن من خلال ية شعرية تكاد تكون صارمة "الوحدة في التنوع " مصورة الحالة ناجمة عن تناقض الأضداد في مجرى الواقع والكون عموما. حينما هي تستلهم بعض الأفكار الفلسفية من (لايبنتز) (مونتان ) و (توماس مان ) وقبلهم (هيراقليط ) وغيرهم انما تريد ر تسوغ فلسفتها الشعرية الخاصة. كان هيراقليط يعتقد بأن كل شيء يجري، ولا شيء ثابتا حتى أن دخول الشخص ذاته الى النهر ته يختلف في كل مرة. قصائد شيمبورسكا هي من هذا النوع، هي ادت لكل قصيدة أن تختلف عن الأخرى. وهذا الأمر حفز بعض نقاد الى الاعتقاد الذي صار شائعا بأن "ابداع شيمبورسكا لا تضع بسهولة الى ضغط التحليلات النقدية. ولذا فمن الأجدى أن يقرأ لا أن يحلل " (البروفيسورة مارتا فيك ).
اعتبارا من الديران الثاني "اسئلة نسألها " ( 1954) والدواوين لاحقة وآخرها "النهاية والبداية " (1993) والشاعرة تطرح مثلتها بصورة لا تخلو من السخرية والتوق الى اثارة فضول ناريه ودهشته. انها شاعرة أسئلة خطيرة توجه قبل كل شي ء للذات من ثم للآخر. أسئلة فلسفية وحياتية تطرح في خضم حالات يسودها التناقض والعبثية أحيانا. أسئلة تمتزج بظلال من السخرية لتهكم ومرارة البحث لا عن مخرج، وانما عن فهم لسنة العيش ونظام الطبيعة، أسئلة لا تهتم بما هو ثابت وجاهز، فهذا أمر لا تكثرث به الشاعرة وانما بهذه السيرورة الكونية المتدفقة، اللاهثة
احيانا وراء حتفها. حاولت شيمبورسكا، على ما يبدو، أن تفلسف ماؤلاتها وشكوكها كشاعرة لا غير متشوقة لمعرفة تفاصيل الاشياء والوجود بفرض تسميتها من جديد، باحثة عن مكانها نعري، ضمن نطاق الشعر البولندي والأوروبي عموما.
بعد حصول بولندة على الاستقلال في العام 1918 أخذت الحياة نافية و الفنية والأدبية بالتطور والنماء بصورة أكثر طبيعية حيوية من ذي قبل. فتشكلت التجمعات الفنية والأدبية ومنها معوية. في فترة ما بين الحربين العالميتين تشكلت الحركة "الطليعية البولندية التي انصب همها على تغيير وتشوير الأساليب الفنية على معيد الشعر، والرسم، والمسرح والموسيقي. لقد تشكلت بفضلها رؤيا جديدة لدى الفنان البولندي. حينما انطلقت شرارة الحرب العالمية الثانية في 1939 كان عمر شيمبورسكا آنذاك لا يتجاوز السادسة عشرة. وهذا يعني أنها قد عانت ويلات الحرب ووطأة الاحتلال الهتلري لبولندة، وحالة تحريم ممارسة البولندي لأي نشاط علمي، ثقافي وخصوصا الفني والأدبي بصورة علنية. ولا نبالغ اذا ما قلنا إن ما كتب في سنوات الحرب والاحتلال هو نتاج السجون ومعسكرات الاعتقال والعمل السري ونتاج أولئك الذين هربوا الى الخارج. ما نريد أن نشير اليه هو أن نهاية الحرب وظهور النظام الاشتراكي كقوة دولية عل أنقاض الاحتلال الهتلري كان بالنسبة للكثيرين بمثابة لوح الخلاص. كان نهاية سعيدة (في حينها) لكابوس. وليس غريبا إذن أن تحمل القصيدة الأولى المنشورة في 1945لشيمبورسكا عنوان،"أبحث عن الكلمة ". اندفعت الشاعرة أسوة بالعديد من شعراء وكتاب بولندة الى كتابة شعر يمكن وصفه بأنه شعر لعامة الشعب، يمجد في أحد جوانبه النظام الاشتراكي والانسان الجديد القابع في ظله. شيمبورسكا بطبيعها تميل – كما سيتضح فيما بعد _الى الاعتقاد بأن الشعر هو فن "الأقلية " لا "الأكثرية ". وما شيوع شعر "الأقلية " الحقيقي سوى تطبيق فني استثنائي لفكرة أدكم من فئة قليلة قد غلبت فئة كبيرة… "! هناك أخبار تقول أن قصيدة شيمبورسكا الأولى هي عبارة عن مونتاج لمجموعة قصائد للشاعرة قامت هيئة التحرير بصياغتها في واحدة ! الأمر المثير حقا هو أن الشاعرة قد تنصلت نهائيا فيما بعد من ديوانيها الأولين مستبعدة قصائدها من مختاراتها الشعرية اللاحقة، ولم تسمح بإعادة طبعهما. وهذا يعود على الأرجح الى أسباب عديدة أهمها في تصورنا هو أنها كانت تقسم الزمن، يتبع ذلك الأفكار الى نوعين هما: الزمن المظلم (أمس ) والحافل بالأمل "اليوم "(قارن، أنا لغزينسكا، فيسوافا شيمبورسكا، وارسو 1996).
شيمبورسكا تنتمي بجذورها الى حركة الطليعة وفي موقفها من الأشياء والعالم، الى التراث الكلاسيكي القائل بحركية الكون وانسيابية الأشياء وعدم ثباتها والى مبدأ تناقضها.
بعد موت ستالين في العام 1953، وأحداث بولندة في 1996، 1968، 1970، 1976و 1980 المناهضة لتحجيم دور الفرد في التعبير عن مصيره وعما يعانيه من قبل سلطة الكل المطلقة، ولدرء تداعي الوضع الاقتصادي للمجتمع وقبل كل شي ء للتخلص من سطوة ونفوذ "عدو الأمس – صديق. اليوم " المتمثل بالنسبة للشعب البولندي في "المحتل الروسي والسوفييتي" فيما بعد كانت سنة 1989حاسمة في تاريخ بولندة الحديث، لأن السلطة قد انتقلت بأيدي المعارضة المتمثلة بحركة التضامن التي فقدتها بعد سنوات في الانتخابات العامة. هذه الأحداث زرعت داخل نفسية غالبية كتاب بولندة "عقدة الانتماء" الى النظام السابق، وخصوصا لدى الشعراء والكتاب الذين خدموا النظام الشيوعي. الستاليني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. هذه العقدة، اضافة الى أسباب آيديولوجية، وأخرى ذات علاقة بموضة العداء للماضي، دفعت شيمبورسكا وأمثالها للارتماء في أحضان الطرف الآخر – المعارضة. فديوانها الأول "لماذا نحيا" (1952) والثاني "أسئلة نسألها" (1954) قد مثلا تماما، ذلك الماضي الذر حاولت الشاعرة التخلص منه بشتى السبل. اعترفت الشاعرة بذلك قائلة: "كان الشعر يلائم أفضل من النثر بكثير في طرح الشعارات والدعاية، واثارة الخماس لا التامل… كنت حينئذ واثقة تماما من صحة ما أكتبه ولكن هذا التأكيد لا يرفع عني الذنب الذي اقترفته بحق القراء الذين ربما قد أثرت بهم…" (نصوص ثانية، ع 4، بولندة 1996). في ديوانها الثالث " نداء يبتي" (1957 ) لم تتخلص الشاعرة نهائيا من حماسة الشعر الثوري والاشتراكي التي سادت مباشرة في شعر ما بعد الحرب، ولكنها تخلصت من "البنية الرتيبة " بحيث بدأت تظهر ملامح قلب الأدوار والاستفادة من المتناقضات في بنية القصيدة. أخذت الشاعرة تساوق ما بين الهزل والجد وترسم عالمها الشعري ضمن حركية دائمة: النهر متدفق والمجرى واحد.
في ديوانها الرابع "الملح " (1962) أخذت الشاعرة تميل الى الاقتصاد في الصورة والعبارة والى ضغط الفكرة المحددة ببنية محددة شعريا. والشيمة الرئيسية التي حد.ت معالم الديران هي: الطبيعة ازاء الثقافة والبيولوجيا ازاء الفن، موظفة السخرية الى أبعد حد في بنية القصيدة وفكرتها أيضا. كل قصيدة تحاول أن تكون كشفا شعريا لحالة تسعي الشاعرة لأن تصير نسيجا وحدها. قانت الشاعرة في 1975: "أود أن تكون كل قصيدة من قصائدي أخور". من الصعب تصنيف تنعرها الى مراحل شعرية واخضاعه الى مساطر المدارس والاتجاهات الأدبية والشعرية التي سنها مؤرخو الادب والنقاد قبل غيرهم، لقد تجاوزت شيمبورسكا فكرة "الأجيال " الشعرية المتعارف عليها.، لأنها تطمح الى كتابة شعر حقيقي. في ديوانها "مئة سلوى" (1967) ثمة تركيز عل فكرة الحداثة والتاريخ والحب والموت، وتعاقب الأزمان مع إثارة قضية الأخلاق والتفاهم بين الناس من جديد. استطاعت الشاعرة أن تكشف عن المتناقضات في الطبيعة وحياة بني البشر وتوظفها الى أقصر حد بإدخال عنصري السخرية والمفاجأة وطزاجة طرح الاسئلة. فالشعر بأعتقادها لا يتوسل بالمشاعر القطيعية، ´أن على الشعر الذي مبرر وجوده هو العيش مباشرة وبلا وسيط مع القاريء أن يظل وفيا لذاته. وتقول الشاعرة أيضا "أنا لا أمارس فلسفة كبيرة، وانما شعرا متواضعا فقط ". لكن يبدو أن رجال العلم والفكر قد تركوا أثرا في نفسها أكثر من الشعراء أنفسهم، في قد حركوا فيها عنصر الدهشة والتأمل، وأعطرها موضوعات ومسائل أكثر اثارة للفكر و"عوة لطر- الأسئلة. أنظر على سبيل المثال لا الحصر، قصائد مثل " "هيكل السحلية "، "العدد الكبير"، أدفي " نهر هيراقليط "، "توماس مان "، "أطلنتس " أو "حديث مه الحجر". اضافة الى قصائد أخرق تنهل من علم الآثار، وعلم الطبيعة والنبات والبيولوجيا. كل هذه القصائد مجتمعة تشكل محاولات لسبر وحذر كنه الوجود. لأن من حق الشعر أن يطرح بحرية كاملة، تساؤلات وليس من واجبه أن يقدم اجابات وكما قال مؤرخ الأدب والناقد (يوري لوتمان ) "فالثقافة هي عبارة عن ذاكرة انتقائية ".
شيمبورسكا منذ قصيدتها "قردا بروغل " (عنوان لوحة لأشهر فنان هولندي من القرن السادس عشر) التي وردت في ديوانها الثالث "نداء يبتي" (6957) حتى ديوانها الأخير "النهاية والبداية " (6993) ثم عبر قصائدها الأجدد مثل "صمت النبات " و"الفيوم " حاولت أن تترك مسافة بينها وبين ما تكتبه، بينها وبين الأحداث. أما الشكل في شعرها فله وظيفتان هما: الشكل كحالة خلق والشكل كستار. وما تناقض القوانين والمباديء سوى عبارة عن مواجهة ما بين طرفين هما "الحياة " من جهة و" عالم الخيال والخلق _عالم الأدب " من الجهة الأخرى.
لقد تجاوز شعر شيمبورسكا معوقات لفة التقعير والافتعال والعزلة، بالغا عالما شعريا يختلط فيه الفكر بالعاطفة بحيث يصعب الفصل بينهما. رغم البساطة الظاهرة في شعرها الا أنه من الصعب نقله الى لفة أخرى، لأن الشاعرة وهي تستخدم مثلا صيغة المبني للمجهول انما تريد أن يبقى هكذا ويشمل أيضا الحاضر !! ففي قصياتها على سبيل المثال لا الحصر "قط في شقة فارغة " تقول: يموت _هذا ما لا يعمل بالقط / إذ ما بوسع القط أن يفعل / في شقة فارغة.. الى أن تقول: ثمة من كان هنا وكان / وبعدها اختفى / و،اصرار غير موجود/. نلمس استغلال لعبة الزمن حتى بصعناه. النحوي لكي يعطي انطباعا مغايرا لم يعتد القاريء عمليا عليه. ينظر النقد الأدبي الى شيمبورسكا على أنها شاعرة مفكرة تعبر عن الناس بأسلوب يتسم بالسخرية في معاينة وتأمل الوضع البشري. انها شاعرة المتناقضات: على صعيد الحالة الانسانية والبنية الشعرية على السواء. الأفكار لديها تتناطح تتصارع وتتشابك، فلا تلتقي ولا تفترق. انها تبتعد عن الوعظية والحذلقة الشعرية. قصائدها صافية، ذكية مفاجئة، متماسكة فنيا وفكريا ويصعب حذف أو تجاهل أي كلمة أو سطر من قصائدها. على القاريء أن ينتبه الى مشاعر السخرية واستخدام المفارقات في شعر الشاعرة، لأنها قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة أو عسيرة على الاستيعاب، أو أن الفكر قد غلب على المشاعر. تمتاز أشعارها عموما بمنحى فكري وأخلاقي يتسم بالتركيز ويرتكز على باعثين هما: الحالة الوجودية للانسان المعاصر، وموقف الفرد من التاريخ. ويبدو الانسان في أشعارها خاضعا لمشيئة قوانين بيولوجية ثابتة، ولضرورات تاريخية، ولذا فهو كائن أعزل، غير واضح ودقيق في آماله وطموحاته وتقديراته. ولهذا فهو يعرف ويعيش مرارة الانسلاب، وعدم الامتلاء محاطا بمشاعرا لتهديد وانعدام امكانية التفاهم التام. تقن ل في قصيدة "الرقم الكبير": لا أموت كاملا _ أسي مبكر/ هل أعيش بكاملي وهل هذا يكفي/ لم يكفني من قبل فكيف يكفيني الآن /. رغم هذه الحيرة الا أن شيمبورسكا أقرب الى الحياة ومباهجها منها الى ماسيها وظلاميتها. لذا فهي تنتمي بكاملها الى عالم الفن، الى عالم الكلمة الشعرية، ونمم استفادتها اللامحدودة من عالم الفكر. ولدت شيمبورسكا قرب مدينة (بوزنان ) الواقعة غرب بولندة، ثم انتقلت في الثامنة من عمرها للعيش نهائيا في مدينة (كراكون ) جنوب بولندة. في الفترة ما بين (1945_ 6948). درست أول الأمر في قسم اللغة والأدب البولندي ومن ثم تحولت الى فرع السوسيولوجيا الذي لم تكمله. عملت في الفترة (1953_ 1981/ في هيئة تحرير "الحياة الأدبية " (اسبوعية أدبية هامة كانت تصدر في كراكون ). نشرت فيها بانتظام مقالاتها الموجزة بعنوان "مطالعات اختيارية "، التي جمعتها فيما بعد ونشرتها في جزءين. عدا ذلك فشيمبورسكا انسانة متواضعة لا تحب الأضواء وتعيش وسط نخبة ضيقة من الزملاء الأصدقاء من الوسطين الشعري والفني وهي وحيدة، انها شاعرة مقلة في انتاجها الشعري. لقد جاء وصف الأكاديمية الملكية السويدية شعرها فيز محله حينما أعلنت أن شعر شيمبورسكا "يتسم بسخرية دقيقة تكشف عن القوانين البيولوجية والفعا ليات التاريخية في مقاطع الواقع البشري". تقول شيمبورسكا في "العدد الكبير": أختار رافضة، لأنه لا طريق أخر لي / سوى أن الذي أرفضه أكثر عددا لم أكثر كثافة، وإلحاحا مما مضى/ على حساب خسارات لا توصف _القصيدة والتحسر/.
هذه القصائد ثلة من مختارات انتقيناها وترجمناها مباشرة من اللغة البولندية الى العربية ستصدر قريبا.
أبتكر العالم
أبتكر العالم،الطبعة الثانية
طبعة ثانية منقحة
للبلهاء الضحك
للكئيبين البكاء،
للصلعاء المشط،
للكلاب الحذاء.
هو ذا فصل:
لغة الحيوان والنبات،
حيث لكل صنف
عندك قاموس مناسب
حتى عبارة صباح الخير البسيطة
المتبادلة مع السمكة
أنت،السمكة والجميع
في الحياة تعززكم.
هذا، المحسوس قديما،
فجأة في يقظة الكلمات
ارتجال الغابة !
هذه ملحمة البوم !
هذه خواطر القنفذ،
تؤلف حينما
نكون واثقين،
أنه لا شيء سوى نومه !
الوقت (الفصل الثاني )
له الحق بالتدخل
في كل شيء،سيئا كان أو خيرا،
لكن – هذا الذي يفتت الجبال،
تحرك المحيطات والذي
هو حاضر عد دورة النجوم،
لن تكون له أية سلطة
على عاشقين،لأنهما عاريان تماما،
لأنهما متعانقان تماما، بروح
وجلة مثل عصفور على الكتف،
الشيخوخة مجرد منقبة اخلاقية
مقارنة بحياة القاتل.
اه اذن فالكل هم شباب !
المعاناة (الفصل الثالث )
الجسد لا تهينه
الموت،
حينما تنام، يجيء.
وستحلم
بأنه لا ضرورة لكي تتنفس
وأن الصمت بلا تنفس
موسيقى مقبولة،
وأنك صغير كشرارة
وتنطفيء في المدرج الموسيقى،
الموت فقط هكذا، كثير من الألم
كان عندك وأنت تمسك الوردة باليد
وكنت تحس يذعر أكبر
وأنت ترى، بأن البتلة قد سقطت على الأرض،
العالم هكذا فقط، نقط هكذا
تعيش، وتموت نقط الى هذا الحد.
وكل شيء آخر- هو مثل (باخ )
يعزف لحظة
على منشار،
البعض يحب الشعر
البعض –
يعني ليس اجميع.
حتى ليس أغلب الجميع لكن القلة.
دون أن نعد المدارس، حيث الالزام،
والشعراء أنفسهم،
ربما سيكون هؤلاء الاشخاص اثنين في الألف،
هم يحبون –
لكن الحساء مع المعكرون محبوب أيضا
محبوبة المجاملات واللون الازرق
محبوب اللفاف القديم
محبوب البقاء عند ما هو ذاتي
محبوبة مداعبة الكلب،
يحبون الشعر_
لكن ما هذا الشعر.
قد أجيب على هذا السؤال
بأكثر من جواب قلق.
أما أنا فلا أعرف لا أعرف وأتمسك بذلك
كذراع للخلاص،
في نهر هيراقليط
في نهر هيراقليط
السمكة تصيد السمك،
السمكة تقطع السمكة بسمكة حادة
السمكة تبني السمكة، السمكة تسكن في السمكة
السمكة تهرب من السمكة المحاصرة.
في نهر هيراقليط
السمكة تحب السمكة،
عيناك _ يقول _ تلمعان مثل السمك في السماء،
أريد أن أبحر معك الى بحر مشترك،
يا حسناء القطيع (**)
في نهر هيراقليط
السمكة اختلفت سمكة الاسماك،
السمكة تركع أمام السمكة، السمكة تغني
للسمكة،
ترجو السمكة بسباحة أخف
في نهر هيراقليط
أنا السمكة الواحدة. آنا السمكة المستقلة،
(ولو من السمكة الشجرة ومن السمكة الحجر)
أكتب في اللحظات الخاصة أسماكا صغيرة
بحرشفة فضية للحظة هكذا 0
بحيث يمكن للعتمة في ارتباك أن تومض.
النيزك سقط.
هذا ليس نيزكا.
البركان انفجر.
هذا ليس بركانا.
ثمة من نادى شيئا.
لا شيء لا أحد.
نوق هذه لا أكثر ولا أقل أطلنتس
قردابروغل(***)
هكذا يبدو حلمي الكبير في الثانوية:
يجلس عند لنافذة قردان مربوطان بقيد،
خلف النافذة ترفرف السماء
يستحم البحر
أنجح في تاريخ الناس.
اتمتم واخوض.
القرد يحدق بي يصغي بسخرية،
الثاني كانه ينعس –
وحينما بعد السؤال يطبق الصمت
يحبيبني
برنين خفيض للقيد.
فرح الكتابة
الى أين يعدو الأيل المكتوب عبر الغابة المكتوبة ؟
أمن الماء المكتوب ينهل،
حيث الخطم كنسخة الكربون ينعكس؟
لماذا يرفع الرأس 0أيسمع شيئا؟
متكئأ على أربعة قوائم من الحقيقة مستعارة
يسحج من تحت أصابعي الأذن 0
السكون _ هذه العبارة أيضا تحف فوق الورقة
وتلم
الغصون بكلمة " الغابة ".
فوق الورقة البيضاء تكمن للانقضاض
الأحرف التي يمكنها أن تنتظم خطأ،
الجمل المحاصرة،
التي لا مفر أمامها.
ثمة في قطرة الحبر خزين هائل
لصيادين بغمزة عين،
جاهرين للانزلاق أسفل عبر القلم المنحدر 0
يحيطون بالايل، يصوبون النار،
ينسون بأن الحياة ليست هنا.
قوانين أخرى، سواد على بياض 0تسود هنا.
طرفة عين ستستمر طويلا هكذا0كما أريده
تسمح أن تنقسم الى أبديات صغيرة
مليئة برصاصات موقوفة في الطيران.
ابدا، إن أمرت، هنا لن يحدث شيء.
بدون ارادتي لاتسقط حتى ورقة
انصل ينشني تحت نقطة الحافر.
وجد إذن هكذا عالم،
أتحكم بمصير. مستقلا؟
زمن اربطه بقيود العلامات ؟
وجود بأمرتي متواصل ؟
فرح الكتابة.
إمكانية ترسيخ.
انتقام يد فانية.
مئة سلوى
كان يرغب.بالسعادة،
كان يرغب بالحقيقة،
كان يرغب بالخلود،
أنظروه !
لم يكد يميز الحلم من اليقظة
لم يكد يتوهم بأنه هو،
لإ يكد ينحت اليد أصلا من الزعنفة،
وحجر القداح والصاروخ،
هو سهل على الاغراق في معلقة المحيط،
حتى أنه مضحك قليلا، كيما يضحك الفراغ،
يرى فقط بعينيه.
يسمع فقط بأذنيه،
الرقم القياسي لكلامه هو صيغة الشرط،
يلوم العقل بالعقل،
باحتصار. تقريبا. لا أحد
لكنما الحرية في رأسه المعرفة الكلية والوجود
خارج اللحم غير العاقل
انظروه.
اذ ربما هو موجود 0
حقا حدث
تحت نجمة من نجوم الريف
بشكل ما هو حي وبالأحرى حيوي.
قياسا الى مسخ البلور الخسيس _
هش للغاية.
قياسا الى الطفولة ضمن ضرورات القطيع _
ليس سيئا هو مفرد 00
انظروا!
فقط هكذا0هكذا ولو للحظة
على الأقل عبر اغماضة مجرة صغيرة !
فليتضح في النهاية،
من سيكون، طالما هو كائن
فهو_ متحمس.
متحمس، ينبغي الاعتراف 0جدا.
بهذه الحلقة في الأنف، بهذا الرداء الفضفاض، بهذ0البلوزة.
مئة سلوى مع ذلك.
بائس.
انسان حقيقي.
النهاية والبداية
بعد كل حرب
ثمة من عليه أن ينظف،
مثل هذا النظام
لا يتم وحده.
ثمة من يجب أن يدفع الحطام
الى حوافي الطرقات
لكي تمر
العربات الملأى بالجثث.
ثمة من يجب أن يغوص في الوحل والرما د،
في عتلات الأسرة،
في شظايا الزجاج.
والحزق المدماة.
ثمة من يجب 1ن يجر العارضة
لإسناد الحائط 0
من يضع الزجاج في لنافذة
ويركب الباب على المفاصل.
هذا ليس تصواريا
ويحتاج الى سنوات.
الكاميرات كلها ذهبت
الى حرب أخرى.
يجب اعادة الجسور
والمحطات من جديد
سصير مزقا
أذرع الوصل.
ثمة من لا يزال يستذكر ما كان
وبيده المكنسة
ثمة من يصغي
موافقا برأسه غير المقطوع
لكن قريبا منهم
يشرع بالتحرك أولئك
الذين سيضجرهم مثل ذلك.
ثمة من احيانا
يستخرج من تحت الأجمات
البراهين التي علاها الصدأ
وينقلها الى محرقة النفايات
أولئك الذين رأوا
أسباب ما حدث،
عليهم أن يتركوا المكان
يعرفون قليلا
لمن يعرفون أقل من القليل
وفي النهاية لما يساوي لا شيء
في العشب الذي علا
الاسباب والنتائج
ثمة من عليه أن يستلقي
بسنبلة بين الاسنان
ويتطلع الى الغيوم
محطة القطار
كان عدم وصولي الى مدية نون.
قد تم بالموعد المحدد.
لقد أعلمت برسالة
لم تبعث
لحقت بأن لا تجيء
في الوقت المناسب.
دخل القطار الرصيف الثالث.
نزل ناس كثيرون.
تحرك القطار ناحية الخروج
لم أكن موجودة.
بضع نساء عوضن
بسرعة
في تلك الزحمة.
اقتر ب من واحدة
شخص لا أعرفه
لكنها قد عر فته
فودا.
تبادل كلاهما قبلة غير قبلتنا
وفي ذلك الحين
ضاعت الحقيبة لا حقيبتبى
لا حقيبتي
محطة القطار في مدينة نون
قد نجحت في الامتحان
الوجود الموضوعي
كل شيء كان في مكانه
التفاصيل قد تحركت
في طرقها المعهودة.
حتى أن اللقاء المعهود
قد تم
خارج مدى
حضورنا
في جنة الاحتمالات
المفقودة.
في مكان آخر
في مكان آخر.
كيف ترن هذه الكلمات.
أوبرا هزلية
أولا سيزول حبنا0
بعدها مئة عام ومنتان،
بعدها سنكون مرة أخرى معا:
البهلولة والبهلول
محبوبا الجمهور،
يمثلاننا في المسرح.
مهزلة صغيرة ببعض المقاطع الشعرية
قليلا من الرقص 0كثيرا من الضحك،
صورة أخلاقية دقيقة
وتضيق.
ستكون مضحكا للغاية،
فوق هذه الخشبية بهذا الحسد،
بهذه الريطة.
رأسي متكص،
قليي وتاجي،
القلبي الغبي المشقق
والتاج المتدآعي
سنلتقي،
سنفترق، ضحك في الصالة،
سبعة أنهرسبع قمم
فيما بينهما ابتكراها،
كما لو كان ينقصنا
الهزائم والمعاناة الحقة
– ننقض على بعضنا بالكلمات.
بعدها ننحني
وسيكون هذا نهاية المهزلة.
سيمضي المتفرجون للنوم
ضاحكين حد البكاء.
هم سيعيشون هانئين،
هم سيروضون الحب،
سيأكل من أيد يهم النمر.
ونحن غير محددين دائما
ونحن بالقبعات وأجراسها
بوحشية لرنينها
مصغيان.
توقع
آنا حبة مسكنة،
أعمل في البيت،
لي تأثير في الدائرة،
أقعد للامتحانات 0
أقف وقت المحاكمة،
أجمع بتؤدة الأباريق المهشمة _
ذقني فقط،
ذوبني تحت لسانك،
ابلعني فقط،
واشرب بعد ذلك الماء.
أنا أدري ما أعمل بالمصيبة 0
كيف أحتمل خبرا سيئا،
أخفف الظلم،
أكتشف غياب الاله
أختار قبعة العزاء لوجهي 0
فماذا تتظر ؟
ثق بالرحة الكيمياوية.
من قال
أنت مازلت شابا (ة )،
لابد أن تعيش (شي) بطريقة ما،
من قال،
إن على الحياة أن تعاش بجرأة ؟
أعطني سقوطك._
سأكسوه بالنوم لك،
ستكون (ين) متنا(ة ) لي
على أرجل السقوط الآربعة.
يعني نفسك 0
لن تجد مشتريا آخر
ليس هناك شيطان أخر.
قط في شقة فارغة
آن يموت – هذا ما لا يعمل بالقط.
إذ ما بوسع القط أن يفعل
في شقة فارغة.
أن يتسلق الجدران.
أن يتمسح بالأثاث
ظاهريا لا شيء هنا غير0
ولكنه قد تغير.
ظاهريا لم يحرك
ولكنه قل حرك.
وفي المساءات لم يعد المصباح ينير.
تسمح الخطي على السلالم
ولكنها ليست الخطي.
اليد التي تضح السمكة على الطبق،
أيضا ليست تلك التي وضعت.
ثمة شيء ها لا يبدأ
في وقته المعتاد.
ثمة شيء هنا لا يحدث
كما يبغي.
ثمة من كان هناك وكان 0
وبعدها فجأة اختفى
وباصرار غير موجود.
فحصت كل الخزانات
مرورا بالرفوف
انحشر تحت السجادة وتؤكد.
حتى كسر الممنوع
وبعثر الورق.
ماذا يمكن أن يفعل أكثر من هذا.
أن ينام وينتظر.
فليحاول هو أن يعود،
فليحاول أن يظهر.
هو سيعرف،
أن هذا لا يجوز مع القط.
سيذهب باتجاهه
كما لم يرد ذلك أبدا،
ببطء،
على أطراف ممتعضة جد ا.
لا قفزات لا زقو أول الأمر.
حديث مع الحجر
أدق على باب الحجر.
_ هذي أنا، دخلني،
أريد أن ألج في داخلك،
أتطلع من كل الجهات،
وامتلي ء كالشهيق بك.
– امش – يقول الحجر-
أنا محكم الغلق.
حتى وإن كت محطما
سأكون مغلقا تماما.
حتى وإن كنت ملقى على الرمل.
لا أدخل أحدا.
أدق على باب الحجر.
– هذي أنا دخنلي.
جت لمجرد الفضول.
حيث الحياة هي الفرصة الوحيدة.
أنوي المرور بقصرك،
بعدها أزور الورقة وقطرة الماء.
وقتي ضيق ضيق
وكوني فانية لابد أن يثيرك.
– أنا من حجر- يقول الحجر-
ولا بدلي، بالضرورة، التحلي بالجد 0
إنصرفي من هنا.
ليس لي عضلات الضحك.
أدق على باب الحجر
– هذي أنا، دخلنى
سمعت، أن فنيك صالات كبيرة فارغة 0
غير مرثية، جميلة بلا جدوى 0
صماء، ولإ وقع فيها لخطو0
أعترف 0أنك لا تعرف عن ذلك الكثير.
– صالات كبيرة وفارغة – يقول الحجر-
ولكن ليس فيها من مكان.
جميلة، ربما 0ولكها خارج ذوق
حواسك الفقيرة.
يمكنك التعرف على، لكن لن تكشفينى أبدا.
أواجهك بكامل السطح 0
غير أنني أستلقي بكامل داخلي دبرة
أدق على باب الحجر.
– هذي أنا، دخلنى.
لا أبحث فيك عن مأوى أبدي.
لست غير سعيدة.
كما ولست شريدة.
فعالمي يستحق العودة.
وكشآهد على أنني كت خاضرة حقا0
أدخل وأخرج بيدين فارغتين.
لن أقدم غير الكلمات 0
التي لا احد يثق فيها.
– لن تدخلي – يقول الحجر-
ينقصك حس المشاركة.
لا حس يعوضك عن حس الفعل.
حتى البصر الثاقب اللامحدود
لانفع له بدون حس المشاركة.
لن تدخلي 0أنت تمكين نية ذلك الوعي تقريبا
تقريبا علاقته، والمخيلة.
أدق على باب الحجر.
– هذي أنا، دخلني
لا يمكنني الانتظار ألفي قرن
كي أدخل تحت سقفك.
– اذا ا تصدقيني – يقول الحجر.
اذهبي للورقة، متقوك نفس ما قلت.
لقطرة الماء، ستقول ما قالت الورقة.
وأخيرا اسألي شعرة رأسك.
الضحك يوسعني، الضحك، الضحك الهائل،
الذي لا أعرف به أن أضحك.
أدق على باب الحجر.
– هذي أنا، دخلني.
– لا باب – يقول الحجر.
رسائل الموتي
نقرأ رسائل الموتى كآلهة عاجزين،
لكن مع ذلك آلهة لأننا نعرف التواريخ اللاحقة.
نعرف اي النقود لم تسلم
وكن برعة تزوجت الارامل.
مساكين الموتى، عمي الموتى،
مضللون، لا معصومين، محتاطون بلا روية.
نرى التقاهيع والاشارات المعمولة خلف ظهورهم.
نتصيد بالأذن حفيف الوصايا التالفة
تجلسون أمامنا مضحكين كأنما أمام ارغفة مع الزبدة،
أو ينغمسون في مطاردة القبعات الطائرة من الرؤوس.
ذوقهم الرديء، نابليون، البخار والكهربة،
معالجتهم القاتلة للأمراض القابلة للشفاء،
سفر الرؤيا الساذج طبقا للقديس يوحنا،
الجنة الزائفة على الأرض طبقا الى يوحنا يعقوب…
نراقب بصمت بيادقهم على رقعة الشطرنج.
الى حد أنها محركة ثلاثة مربعات أبعد.
كل شيء تبأرا به، حدث شكل آخر،
أو مغايرا قليلا،يعني أيضا تماما شكل آخر.
متعمبون بثقة يتفرسون بأعيننا،
لأنه تبين لهم من الفاتورة، أنهم يرون فيها الكمال.
الهوامش
* المقصود هنا بالقطيع هو قطيع السمك.
**هيراقليط ( 0 54_ 480 ق.م ) فيلسوف يوناني يعتبر أب الديالكتيك وأن الكون قائم على المتناقضات وأن صفة الواقع هو التغير "كل شيء يجري".
*** بروغل:Beueghel (1528 _ 1569) أشهر رسام هولندي في القرن السادس عشر، وهنا اشارة الى أحدى لوحاته.
هاتف الجنابي(شاعر واستاذ جامعي من العراق ويقيم في بولندا)