الكلمة المنغمة عماد الاغنية ايا كانت ، فالكلمة وحدها لا تشكر اثرا في الاداء من غير نغم صوتي يوقعها على وفق حالة صانعها ، وموقفه العاطفي ، ومضمون ما يريد البور به فكريا. إن انسجام التوقيعة مع بناء النص يعلن مباشرة عن انتماء الأغنية الى حقلها العاطفي ، سواء أعان فرحا ام ترحا ، لان النفس الانسانية السوية تعد الانسجام في كل شي ء قاعدة في الحياة لا يكدرها غير الاستثناء ، من هنا فان ترانيم الاغاني التي تؤدي في حالات الفرح : كالزواج ، ووصف الحبيبة ، والاطفال ، وما شابه ذلك تكون ترانيم ذات ايقاعات اقرب ما تكون الى الاثارة او الترقيص ، او التطويب منها الى الجدية ، والاداء الثقيل الرصين الذي تتصف به ايقاعات الحزن ، وأغاني العمل ، والمناسبات الدينية.
ان مجالات الاغنية الشعبية مجالات عديدة ، غير أن أهم تلك المجالات ما يأتي :
ا_أغاني العمل.
2_ أغاني الأطفال.
3_أغاني المرأة.
4 – أغاني الحب والزواج.
5-أغاني الحرب ، اوا لقتال.
6-أغاني المناسبات الدينية.. وغيرها. ويمكننا ان ندرج لكل مجال من تلك المجالات تشكيلات معينة ، ففي أغاني العمل تشكيلات عديدة ، منها:
أ _ أغاني الزراعة.
ب _ أغاني الطحين.
ج_ أغاني الرحي (سحق الحبوب ).
د-أغاني النخالة.
هـ_أغاني النجارة والحرف اليدوية الاخري.
و -أغاني الصيادين ، والملاحين.
ز – أغاني الرعاة.
وغيرها من اغاني الاعمال.
وفي أغاني الأطفال يمكن الاشارة الى التشكيلات الآتية :
أ _ اغاني المهد ، والتر قيص.
ب _ أغاني الطفولة.
ج_ أغاني التعلم.
د -أغاني الألعاب.
اما تشكيلات اغاني الحب والزواج فمنها :
أ _أغاني الاعراس والزواج.
ب -أغاني الحب.
ج_ أغاني المناجاة.
د -أغاني وصف الجمال.
هـ _ أغاني المكاشفة.. وغيرها.
ولما كانت مجالات الاغنية الشعبية لا تخلو من تعدد، آثرنا الوقوف على المجال الموسوم بـ "اغاني المرأة في الريف " متخذين من النصوص التي جمعها الاستاذان عبدالفتاح عبد الولي ومنير سعيد بجاش المنشورة في العدد الثالث من مجلة "اصوات " مفتاحا لتأصيل القول في أهم ظواهرها المضمونية ، والفنية على وفق الكشف
الآتي :
أولا -الغربة :
تشكل الغربة المكانية عاملا من عوامل الاحباط في تحقيق الهدف الانساني للجنسين في حق تقرير الاختيار ، وتكوين الأسرة ، ناهيك عن الغربة الروحية التي قد يعانيها انسان ما فيقرر معالجتها بالرحيل ، والبحث عن عوالم أخرى قد يحقق فيها ذاته ، ويثبت فيها وجوده ، ويتغلب فيها على دواعي احباطه ، فيضيف الى غربته الروحية غربة مكانية.
وليس فراق الاحبة ، او الرحيل عن الأوطان مقتصرا على هذا العامل ، انما قد يكون السبب الاقتصادي عاملا قويا في التغريب ، لذلك تحس المرأة بهذا الضغط النفسي فتشكو منه ، وتراه ألما ممضا تتحمله صابرة لانها لا تمتلك غير الصبر
سلاحا :
* حبيبي
يا هيل مخلوط مع الرز
أنت لك الغربة
أما أني شصبر
وعلى الرغم من أن الحبيبة تتسلح بالصبر فانها لا تنسى التمني ، اذ تتشبث به ، متخذة من قلبها دليلا لحصوله ، فالقلب الذي هوى الحبيب ، وشغف به كفيل ثانية الى منازله الأول
* حبيبي
قلبي هواك ، وحبك
ما الله بطير أخضر
قوام
.. يودك
وحين يطول الانتظار ، ويصبح عذابا ، فانها لا تقوى على كتمان عذابها ، لذا تبعثا مضمخا بعطر الكاذي ، محمولا على ورق وسالتها ، ختما معمدا باللوعة :
* كتبت لك مكتوب
مغري بكاذي
نقشت بالعنوان
خاتم عذابي
واذا لم تجد في الصبر ، او التمني ارتياحا ، او منهجا مقبولا في الانتظار ، فانها إذ ذاك تجزع ، فيرتفع صوتها معلنا قرب وقوع الفجيعة ، لذا فعلى الحبيب الغائب الرجوع قبل وقوعها ، وإلا فلات ساعة منام :
* يا راديو لفدن
يا عالي الصوت
قل للحبيب يرجع
قبل ما يجي
.. موت
ثانيا -تحمل العذاب هياما :
تعلن اغاني المرأة صراحة عن معاناة البطلة ، وعذابها وهي تخوض معارك الوجد مع الداخل والخارج ، فالضغط النفسي الذي يشكله الوعي واللاوعي يضعها أمام امتحان عسير في الكشف عما في الداخل ، والاعلان عنه تحقيقا للذات في اثبات وجودها الحيوي ، وهي بهذا الكشف لا تختلف عن الرجل في المعاناة :
* خرجت نص الليل
والرعد يقرح
كل من عشق
مكتوب عليه
يسرح
فضلا عن أن هذا الكشف يسبب تصادما مع (الخارج ) في كونه خروجا عن الاعراف ، لكن البطلة مع ذلك تصور حالات التداعي التي تقود الى تذكر الحبيب ، وشكواه :
* شن المطر
بالله اسمعوا سكيبه
يا سعد من يسمع
شكا حبيبه
وهي حين تعلن عن ظمأ الوجد تطالب بالمساواة ، لان عذاب العطش حالة يتساوى فيها ، الجميع ، فلماذا يستمر لظا قلوب بعينها بينما ترتوي أخرى من معين صحبتها منهية الاكتواء ؟ :
* يا ظمئي والحب
بالقلب منقوش
كل من شرب وانا
أهيم.. مربوش
إن المرأة حين تفني الحبيب ، وترفع صوتها مجاهرة بالشوق تدرك ان المحبة لم تبق خوفا في الأعماق ، لأن القلب ودع الخوف الى غير رجعة. وهل تخاف الاعماق اذا كان نبضها قد غادرها ؟ :
*قلبي يحبك
يا حبيب بلا خوف
محبتك شلت
حمامة الجوف
واذا كانت بعض أغاني المرأة في الريف تعلن انزياح الاعماق نحو من تحب ، فان بعضها الآخر يعلن انزياح الاعماق باتجاه النهاية ، لان الوله لم يبق شيئا ، سليما ، ولعل القرود قد أتت عل كل شي ء ، فما كان من البطة الا اعلان قرارها الشجاع : *فكيت لك صدري
تشرف.. تعين
ان أعجبك
والا الحذر
.. تبين
وهي تضحية أخرى لا يمتلكها الرجل.
ثالثا.الاعتراف والكاشفة :
ليس سهلا على المرأة المتحضرة او المثقفة ان تعلن ، او تكشف لمن أحبت عن وجدها ، فكيف اذا كانت ريفية ؟ ان الامر لا يخلو من خطورة او خروج عل أعراف متوارثة حيوية. لكن هذا الخروج لا ينبغى له ان يكون عرفا في الاغاني. لذلك تبيع التقاليد، والاعراف في الأغاني ، وغيرها من الفنون ما لا تبيحا في الواقع من آستفدام الممنوع، والسماح باذاعته.
ومع ان الاعتراف ، او المكاشفة مباحة ني الفن الشعبي الا انها عل مستويات ، فقد تكون المكاشفة باعلان الموافقة عل المحبة مشروطة بتهيئة جهاز العرس مثلا ، كما في الأغنية الآتية :
* إن كنت تحب
عربن على قعاده
الحب عليك
ومني السعادة
وقد تكون المكاشفة اعلانا بفيض لا مجال لكبته بعد الآن ، اذا ما طفحت الكأس ولم يعد في طرقه احتمال البلوى :
* وقف قليل
يا ملح محلك
قد كنت أحب نصك
واليوم كلك
او قد يكون الاعتراف تصميما عل نوال المحبوب وإن ادى ذلك الى الهلاك في القيود والسلاسل :
* والله لاشلك
واتصيدك صيد
وأمد رجلي
للسرة
وللقيد
رابعاـ العتاب :
بعض أغاني المرأة تحمل عتابا لاذعا للمحبوب ، لا سيما اذا كان ة نكث بعهده ، او نقضه :
* طرحت لي عهدك
على الرحاحة
العهد بقى
أما المحبة
طاحة
في حين نجد في أخرى عتابا يحمل معنى من معاني التأنيب ، وهذا التأنيب جزء من اثارة المخاطب الذي يتقي عبير الزهور بواجمات الرفض القاتلة ، وهو لون من ألوان المكاشفة المغلقة بالعتاب :
* ترمي رصاص !!
واني ارجمك بفلي
لو علموك
رمي المحبة
قل لي
خامسا : الميل الى العد :
يلمح المتلقي ميلا الى ذكر الاعداد في بعض تلك الاغاني ، لكن هذا الميل يزداد مع ذكر العدد سبعة ، ولعل ذلك يعود الى تراكمات هذا العدد في وعي الريفي ، او لاوعيه الجمعي ، حتى صار ملمحا جماليا :
* سبعة طيور
طاروا السما
بلا ريش
وريشهم
وسط القلوب
.. مفاريش
ربما يكون الرقم سبعة تورية في التعبير عن حبيب واحد يصكك طيورا ستة ، فشكل معها مجموعا من زاوية عين الحبيبة. وربما يكون حقيقة في كونه واحدا من سبعة أقران متالفين ، وربما كان غير ذلك ، المهم أن الميل الى ذكر هذا العدد ميل يتكرر ، كما في الصوت الآتي :
* سبعة نجوم
غديتهم ، بالفرد
هاتوا لي المحبوب
قد هزني
.. البرد
ولعل المعنى لا يحتاج الى تعليق.
سادسا : الايقاع :
اعتمدت معظم هذه الأغاني على وزن الرجز ، مع ملاحظة استخدام ممدودات التفعيلة (ستفعلن ) واجزائها. ولما كانت اللهجة الشعبية تميل الى التسكين في الاداء ، فان بعض تلك الاغاني يحتاج الى معالجة خاصة في التقطيع تطبيقا ، في حين لا يحتاج بعضها الآخر الى ذلك كما في الصوت الآتي :
الأخضري
/ْ/ْ//ْ
ستفعلن
والابيضي
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
بخلوة
//ْ/ْ
فعولن
واحد طمح
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
واحد شريـ
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
توشووه
//ْ/ْ
فعولن
«وهو من مشطور الرجز المقطوع على حد تعبير العروضيين ».
او كما في تقطيع الأغنية الآتية :
شن المطر
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
بالله اسمعوا
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
سكيبه
//ْ/ْ
فعولن
يا سعد من
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
يسمع شكا
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
حبيبه
//ْ/ْ
فعولن
وهي كذلك على مشطور الرجز المقطوع. او كما في الصوت الآتي :
لما بزغت
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
تشوشوا
//ْ//ْ
مفاعلن
وظنوا
//ْ/ْ
فعولن
حتى قلو
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
ب العاشقـ
/ْ/ْ//ْ
مستفعلن
ـن حنوا
//ْ/ْ
فعولن
وغني عن البيان أن الرجز ظل ميدانا سهلا للشعر الشعبي كما كان الشعر الفصيح ، وقد سمي قديما بمطية الشعراء لكثرة ما ركبوه نظما.
عبدالرضا علي(كاتب يمني)