تمهيد:
احتفل العالم الثقافي وعشاق المسرح والمؤرقون بقضايا الحرية والعدل الاجتماعي و"تغيير" العالم ليصبح عالما أفضل يسوده العقل والحب والاستنارة والسلام والتعاون بين الشعوب، ويختفي منه الاستبداد والظلم والقهر والاستغلال احتفل الجميع في العام الفائت 1998- بالذكرى المئوية لميلاد برتولت برشت (1898 – 1956) الشاعر والقاص والكاتب والمخرج المسرحي والمكافح العظيم في سبيل الاشتراكية ومقاومة الطغيان والبربرية النازية والوقوف بجانب الرجل العادي وفتح عيون وعيه وعقله على تناقضات مجتمعه وواقعه التاريخي ليتمكن من تغييره.. ولقد شاءت الصدفة وحدها أن يكون كاتب هذه السطور أول من قدمه في إحدى مسرحياته التعليمية سنة 1956 الى العربية، وأن يواصل اعتصامه بشعره ومسرحه فيترجم له خمس مسرحيات أخرى وعددا كبيرا من قصائده (قصائد من برشت 1967) ويتأثر به كذلك في بعض ما كتب من مسرحيات، ولهذا يطيب له ان يشارك في الاحتفال بهذه الذكرى المئوية مشاركة متواضعة بتقديم هذه القصائد من بعض مسرحياته، تعبيرا عن اعترافه بفضله وإيمانه بضرورة قراءته من جديد، وإيقاض جذوة الاهتمام به التي اشتعلت في عالمنا العربي في الستينات ثم خبت نارها وغاب نورها وآن الأوان لكي تتوهج مرة أخرى وكذلك تعبيرا عن العرفان بتأثيره المباشر أو غير المباشر على عدد كبير لا يتسع المجال لحصره في هذا الحيز المحدود – من الأدباء وكتاب المسرح والنقاد والباحثين والمترجمين العرب ن إخوتنا وملائنا في مختلف البلاد العربية. إن برشت نموذج رائع للكاتب الذي يهب حياته وجهد عمره في سبيل قضية انسانية محددة ويبقى مع ذلك أديبا وفنانا لا يخل بالشروط الضرورية لكل أدب وفن حقيقي، بعيدا عن الابتذال الدعائي الرخيص أو الابهار الكاذب بالتجارب الخادعة والبهلوانيات الاستعراضية الزائفة. فهل نأمل في أن نرجع اليه ونعيد قراءته والتعلم منه وتوجيه النقد ايضا إليه حتى لا يقال عنا إننا تحمسنا له يوما على عادتنا في الجري وراء البدع البراقة بدلا من الحرص على القيم الكبرى في كل أدب وفن حقيقي!.
أغنية بعل (بتصرف)
الشمس أمرضته
وهذه المطر
والغاز في الجبين
وإكليله سرق
وشعره انتثر
إن أنسى الصبا
وزهرة الشباب
لم ينس ساعة
أحلامه الغذاب
إن ينسى بيته
والموقد حبيب
فروعة السما
تبقى ولا تغيب
يا من طردتم جميعا
من السما والحجيم
يا قاتلين ويا من
شقيتمو بالهموم
ياليتكم ما خرجتم
من ظلمة الأرحام
قد كان فيها هدوء
وراحة وسلام
لما نسته أمه
ودع أرض الأسلاف
ومضى ليعد شراعه
والقارب والمجداف
في بحر النشوة غاب
بحر الخمر المغشوشة
وعلى المركب أصحاب
والكل يعد قروشه ..
يضحك أو يلعن جاره
يبكي بالدمع المر
يبحث ليلا ونهارا
عن بلد آخر حر
عن بلد آخر أفضل
يحيا فيه الانسان
لا يشكو لا يتذلل
لا ظلم ولا حرمان
مطارد قديم
يرقص في الجحيم
تجلد في النعيم
يسكره شلال
فجره الجمال
بالنور والظلال
يحلم في الخفاء
بروضة خضراء
وفوقه السماء
شابحة زرقاء
ولا يرى سواها
[عن مسرحية بعل "بال" 1918]
موال ميكي مسر
وسمك القرش له أسنان
بارزة تبدو في وجهه
ولدى "مكهيث" سكين
لكن لا تلمحها عين
آه! والقرش زعانفه
تحمر إذا سال الدم
ولميكي مسر قفاز
أبيض ما لوثه الاثم
في التيمز وفي الماء الأخضر
يتساقط يوميا قتلى
لا هو طاعون أو كوليرا
لكن مكهيث يتمشى
يوما – واليوم هو الأحد –
والجو هنا صفو رائع
نكتشف على الشط قتيلا
ونلاحظ رجلا في الشارع
نسأل فيقال لنا همسا
الرجل يسمى ميكي مسز
وثري يدعى شمول مايراه
وكذلك بعض ذوي الثروة
ذهبوا لا حس ولا خبر
سرقهم اللص ميكي مسر
لكن من يثبت تهمته؟
وجدوا المسكينة "جيني فاولر"
طعنت في الصدر بسكين
ورأوا ميكي مسر في المينا
يتمشى لا يعرف شيئا
لا يعرف شيئا بالمرة
والسائق ألفونس جلايت
هل يظهر يوما في النور؟
لو عرف الناس جميعهم
ميكي مسر لا يعرف شيئا
قد شب حريق في "سوهو"
والنار تلظت والتهمت
سبعة أطفال وعجوزا
ورأوه في الزحمة يمشي
لكن من يجرؤ يسأله
هل يسأل شخص لا يدري؟
تلك الأرملة المسكينة
سموها الأرملة القاصر
فتحت عينيها في يوم
فإذا هي بالعار طعينة
يا ميكي: كم يبلغ سعرك
والأجر عن الفعل الفاجر
[عن أوبرا القروش الثلاثة 1928]
أغنية الرجال عن المدن المزدحة بملايين الناس
في المدن اللعينة
يعذب الانسان
بالحقد والضغينة
والموت والهوان
نعيش لم نزل
فيها كما الديدان
وتحتها المجاري
وفوقها الدخان
نحيا ولم نزل
في وحلها نسير
في نيرها ندور
نسعى بلا أمل
ونعرف المصير
سوف ننتهي
وينتهي الزمن
بهذه المدن
للموت والعفن.
[عن أوبرا صعود وسقوط مدينة مهاجوني
1928/1929]
كما يوسد الانسان نفسه ينام
باول: كما يوسد الانسان نفسه ينام
ولن يغطيك سواك
لن يقيك لفح البرد والظلام
كلما داس أحد
فأنا ذاك الهمام
وإذا ديس أحد
فهو أنت .. في الرغام
الجميع: كما يوسد الانسان نفسه ينام
ولن يغطيك سواك، لن يقيك
لفح البرد والظلام
وإذا داس أحد
فأنا ذاك الهمام
وإذا ديس أحد
فهو أنت .. في الرغام
الجوقة (من بعيد ): تماسكوا!
حذار أن تخافوا
لا تجبنوا !
لا تقلقوا من نذر الدمار
هل ينفع البكاء من ينازل
الاعصار؟
الجوقة: (بعد مرور عام على انحراف
الاعصار عن مدينة مهاجوني ثم
ازدهار أحوالها)
تذكروا..
تذكروا..
في البدء يأتي الأكل والطعام
فانتبهوا للكلمة!
وثانيا العشق والغرام
تتلوها الملاكمة!
والشرب – طبق العقد – والمنادمة
وقبل كل شيء والمهم يا رجال
تذكروا، تأكدوا على الدوام
هنا يباح كل شيء للجميع
كل شيء .. كل شيء ها هنا
حلال!
[المنظر الحادي عشر من أوبرا مهاجوني]
الحبيبان
جيني: انظر الى زوج اليمام (*) رف في
الأعالي
باول: والسحب تحدو الموكب الصغير
كالظلال
جيني: وهو يطير هائما
باول: من عالم لعالم جديد
جيني: يلتصق الجناح بالجناح
في الهبوط والصعود
جيني وباول معا: مجاورين للسحاب
لحظة ومبعدين يقسمان صفحة
السماء بين بين
جيني: ويمضيان مسرعين
عشاقين ذاهلين
باول: عن الوجود أسلما الزمام
للمغامرة
جيني: لم يشعرا إلا بخفق الريح
في الاجنحة المهاجرة
تهدهد التوأم في المهد وتحنو في
السفر
باول: ولو رمته الريح في اللجة
أو في هوة العدم
ماذا يهم والأليف صنوه
في فرحة وفي الألم؟
جيني: وهي يصيبه أذى
ما دام يرعى عهده ويفتدي
باول: وهكذا يحلقان فوق كل معتد
وينجوان من رصاص الغدر أو
زخ المطر
جيني: يرفرفان تحت قرص الشمس أو
قرص القمر
مستسلمين زاهدين في الحياة
والبشر
باول: أين تقصدان يا ترى؟
جيني: لا لمكان.
باول: ترى وعمن تبعدان؟
جيني: عن الجميع
باول: وتسألون كم مضى عليهما
منذ تعارفت روحاهما وأتلفا؟
جيني: منذ قليل
باول: وتسألونني عن ساعة الفراق
هل دنت
جيني: بعد قليل
جيني وباول معا: وهكذا الحب العظيم
سند للعاشقين
الطيبين واليمام ..
جوقة الرجال: تذكروا .. تذكروا
في البدء يأتي الأكل والطعام
فانتبهوا للكلمة!
وثانيا: العشق والغرام
تتلوهما الملاكمة!
والشرب – طبق العقد – والمنادمة
وقبل كل شيء والمهم يا رجال
تذكروا .. تأكدوا على الدوام
هنا يباح كل شيء للجميع
كل شيء
كل شيء ها هنا حلال!
[المنظر الرابع عشر من أوبرا مهاجوني]
أغنية عن ميت
يمكننا أن نحضر خلا
كي نمسح وجهه
أو نحضر أيضا كماشة
كي ننزع منه لسانه
لن يمكننا أن نصنع للميت شئيا
يمكننا أن نتحدث معه
أو نزعق فيه
يمكن أن نتركه فوق فراشه
أو نأخذه معنا للبيت
لن يمكننا أن نصدر للميت أمرا
يمكن أن نضع المال بكفه
أو نحفر حفرة
نحشره فيها ونهيل ترابا
أو بالجاروف نحطم رأسه
لن نقدر أن نصنع للميت شيئا
أو نقف بصف الموتى
يمكننا الحديث عن عصوره العظيمة
يمكننا نسيانه وعصره العظيم
لن نقدر أن نصنع للميت شيئا
أو نصبح في عون الموتى
لن يمكننا مع ذلك أبدا
أن ننقذ أنفسنا
أو ننقذكم
أو ننقذ أحدا
[المنظر العشرون من أوبرا مهاجوني]
أغنية للمهد
أيا بوبايا
ماذا في القش يخشخش؟
أبناء أبنائي فرحون
وأنا أبنائي فرحون
أبناء الجار عرايا
وثيابك أنت حرير
من معطف ملك من نور
أبناء الجار بلا لقمة
وأمامك يا ولدي "التورتة"
إن لم تك في فمك طرية
فتكلم، أسمعني كلمة !
أيا بوبايا
ماذا في القش يخشخش؟
ابن يرقد في "بولندا"
والآخر .. من يدري أين ؟
[من مسرحية الأم 1939]
من خواطر "شن تي"
عندما آوى إليها الفقراء
هم فقراء بلا مأوى
وبلا أصحاب
يحتاجون لأحد يقف بجانبهم
كيف أقول لهم لا ؟!
هم أشرار
ليس لهم أصحاب
لا يعطون لأحد صفحة أرز
هم أنفسهم محتاجون إليها.
من يلقى الذنب عليهم
ويوجه لهم اللوم؟
إن سارع قارب إنقاذ
جرفوه معهم للقاع
كقطيع يغرق في الماء
ويشد المنقذ والراعي
في غضب كي يغرق معهم
يهوى في اللجة واليم
[عن مسرحية الانسان والطيب من ستشوان 1938-1940]
وأمامك يا ولدي "التورتة"
إن لم تك في فمك طرية
فتكلم، أسمعني كلمة !
أيا بوبايا
ماذا في القش يخشخش؟
ابن يرقد في "بولندا"
والآخر .. من يدري أين ؟
[من مسرحية الأم 1939]
من خواطر "شن تي"
عندما آوى إليها الفقراء
هم فقراء بلا مأوى
وبلا أصحاب
يحتاجون لأحد يقف بجانبهم
كيف أقول لهم لا ؟!
هم أشرار
ليس لهم أصحاب
لا يعطون لأحد صفحة أرز
هم أنفسهم محتاجون إليها.
من يلقى الذنب عليهم
ويوجه لهم اللوم؟
إن سارع قارب إنقاذ
جرفوه معهم للقاع
كقطيع يغرق في الماء
ويشد المنقذ والراعي
في غضب كي يغرق معهم
يهوى في اللجة واليم
[عن مسرحية الانسان والطيب من ستشوان 1938-1940]
هذا خير
ألا نترك أحدا يهلك نفسه
وكذلك ألا نهلك أنفسنا
أن نسعد كل الناس
ونسعد أنفسنا
هذا خير،
هو كل الخير!
[عن مسرحية الانسان الطيب من ستشوان]
حكاية غنائية عن حارس الغابة
والدوقة
في بلد السويد
كانت تعيش دوقة
جميلة جدا
شاحبة جدا
يا أيها الحارس!
يا أيها الحارس!
رباط جوربي انخلغ
رباطه انخلع ..
رباطه انخلغ ..
يا أيها الحارس
اركع على الأرض
اركع على الأرض
واربطه لي حالا!
**
سيدتي الدوقة!
سيدتي الدوقة!
لا تنظري الي
فإني أخدمكم
للقمة العيش.
نهداك أبيضان
كطلعة الفجر
لكنها البلطة
يهوي به الجلاد
يوما على رأسي
باردة كالثلج
بادرة كالثلج
الحب ما أحلاه
وما أمر الموت!
**
هرب الحارس
في نفس الليلة
ركب جواده
وجرى للبحر
يا أيها الملاح!
يا أيها الملاح!
خذني بقاربك
خذني بقاربك
لآخر البحر ..
لآخر البحر ..
**
كانت هناك ثعلبة
تحب ديكا رائعا
يا حبي الذهبي
ترى تحبني
كمثل حبي لك؟
كان المساء رائعا
وابلج الفجر
وانبلج الفجر
وكان كل ريشه
معلقا على الشجر
معلقا على الشجر
**
الحب ما أحلاه
وما أمر الموت !د
[عن مسرحية السيد بونتيلا وتابعه ماتي 1940]
من أغاني جروشا أثناء التجوال
(1)
أربعة جنرالات
زحفوا للميدان
الأول يدخل حربا
الثاني لم يحرز نصرا
والثالث وجد الطقس رديئا
والرابع خذلته جنوده
أربعة جنرالات
لم يبلغ أحد هدفه
سوشو روباكيدس
زحف الميدان
وخاض الحرب المرة
وانتصر بسرعة
أبلى الجند بلاء حسنا
سوسو روباكيدس
هو قائدنا.
(2)
ولدي ..
الهوة أعمق مما يمكن أن تتصور
والدرب عسير متعثر
لكنا لا نختار الدرب بأنفسنا
لا يا ولدي
يجب عليك
أن تسلك دربك
وأنا اخترت الدرب
يجب عليك
أن تأكل خبزك
والخبز حفظت لأجلك.
يجب علينا
أن نقتسم اللقمة
إن كانت أربع كسرات
فثلاث منها لك
هل تكفي أن تشبع بطنك
لن أعرف أبدا يا ولدي.
(3)
أمك (…)
واللص أبوك
مع ذلك فسيركع لك
أشرف شرفاء الدنيا.
ابن النمر سيطعم
بيديه صغار الخيل
وابن الحية يجلب
مع اللبن لأمه.
[عن مسرحية دائرة الطباشير القوقازية 1943-1945]
في الأزمنة السوداء
في الأزمنة السوداء
أيغني الناس
عن الأزمنة السوداء ..
[وضعت كشعار لاحدى قصائد الحرب الذي يمثل القسم الأول من مجموعة أشعار سفند برج التي نظمها برشت في منفاه بالدنمارك بين سنتي 1933 و 1938.]
ــــــــــ
* في الأصل زوج الكركي، واستبدلت بها في العربية زوج
اختارها من بعض مسرحياته: عبدالغفار مكاوي (كاتب واكاديمي من مصر)