هذا الدرويش ، حذاء الكتابة والمحبة اللين كعود حينما تهب فسمات روحه ، والشامخ كجمل حمال يميل بأحماله إن غمزت له شاردة . كيف انكسر كيف انكسر هذا الدرويش وهو فوق جمله ، وكيف خانته الرياح .
هذا الحذاء الذي دق على ركبته خمسين عاما باحزانه ، دق على ركبته من أجل جمال منعته ، فصار أعرج في آخر الرحلة ، فعافته الجميلة ، ورماه جمله ، فانكسر، هو الدرويش ، وهو الحذاء الأعرج ، وهو الجمل وهو الجمال ، وهو الحكاية ، وهو مطرها. الكاتب مطر الحكاية ، وعبدالحكيم كان مطر الدلتا وحكايتها وجمالها ودراويشها . فكيف هل على مطره وأنا هنا بين الجبال . عله جاد علي بالزيارة كي يكون أنيمي.
لا يسيل دمعي أحد أحب الناس – في الكتابة – سوى عبدالحكيم قاسم كأنه أبى الأكثر جمالا والأكثر حنوا والذي يموت قبلي تاركا لي حقدي وتاركا لي جماله . كم عدد جمالك يا عبدالحكيم يا ميت . لا تحصى جمال باسمه وتعبر القنوات بلا محزنة أو شكاية من أحد أو صاحب . تحمل مواويلها عل ظهورها ، ولا تتهيب أحقاد اللصوص ، فقه تركن هوادجها ما بين الزروع وتشرد بحكمة في فها الخير وصد الأذى على المحارم في الهوادج بالمدود ، وقد تموت راضية ، كميتة عبدالحكيم وكتابته أيضا، ولكنها جمال لا تدفن ولا تقبر ، فكل يوم تهب علينا بعطورها كبسمته حينما يأتيك هاشا اليك حتى وهو في غير عرجه ، وهاهو يجود علي بالزيارة حتى وهو ميت.
الماء ، الزرع ، الحكاية ، الماء ، واصل الود. الأرض . البيت الماء وهو في الزير تتسرب من روحه بعض روحه في إناء صفير تحت الزير وحكايات الدراويش على الحصر، والموت ، والصباح ، والود، في انقطاعه ووصاله كان عبدالحكيم عينه على كل تلك الأشياء حتى بعد أن دق على رجله بسندانه خمسين عاما كي يجود صنعة محبة الكائنات لبعضها ما بين زندي النيل الصغيرين في همي الدلتا، حتى صار أعرج عل الأسفلت ولا يكف أبدا عن الغناء حتى قاسمني وحدتي بعد سبر سنين وأنا بين جبلين فنعم وصل الود يا واصله _معي _ في آخر مرة قبلتك ولم أرك بعدها حتى زرتني بعد سبع سنين وأنا بين جبلين وليس معي حتى ابني الذي يشبهني وكأنه في انتظار جمالي كي يأخذها بعد موتي كما أخذت جمالك يا أكثر من أبي حنوا وجمالا وعتابا ، مع أنني لم أبع جمل خالي ، ولكنني كنت خجولا من اللمع ، فعاتبتني على السلام .
كان قد عاتبني "لماذا لم تسلم علي ياواد يا عبدالحكيم يوم حكاية الآفرو آسيوي مز شهرين يا عفريت في الأهرام واحنا نازلين على السلم ؟".
خجلت كما يخجل ابن أخت من خاله بعد أن باع جملا كان قد أهداه له الخال في صباه . فجلت ، فقبلني ، وأوصلني كما حدد بالضبط حتى رصيف مقهى ريش، ثم مشى هو ، ولم أره ثانية حتى جاءني بعد سبع سنين بين جبلين ، يوصل الود، ويسامحني في ذلك الجمل الذي كنت قد بعته – في خجلي – حينما رأيته بين الكبراء على سلم الأهرام ، ولم استطع – قل من خجلي أو تعففي أو حذري .أن أسلم عليه ، فعاتبني ، فصرت كأنني بائع جمله ، أو جمل عودته ، حتى انكسر من على جمله ، فمال الدرويش على الأرض ، وتكسرت قواريره ، فطل العطر كما هو وهل سندانه حافرا في حديد أرض الكتابة مولدا بهيا من المحبة يغيظ به خراب الأرواح . ويكيد كل آن دمعي، فأقول له : أبعد جمالك عن جمالي يا خالي حتى لا تحفله الجمال ، فلا يتركني بوصل وداده ، حتى وهو ميت ، حتى وأنا بين جبلين أرعى جمالي ، يكيدني بصحبته ونخله الجمال ، فيخكط الدمع – مني ومنه – دون أن أراه ، يالحكاية هذا الكاتب ذي الأطمار *معي، حتى وأنا وحيد بين جبلين وليس معي ابني.
عبد الحكيم حيدر (كاتب من مصر)