وصل عدد هذه البحوث إلى “تسعة وعشرين “ بحثا تمتد فترات كتابتها من 1986 الى 1994. وهي متفاوتة الحجم حيث يزيد بعضها على مئة صفحة. وبعضها لا يتعدى بضع ورقات.
وهذه البحوث أيضا مختلفة النهج والمجال. فبعضها توخى النهج الكتابي المعتاد أي المقبول (من حيث : أسلوب الكتابة، وتنظيم الأطر وتسلسلها، وترتيب الفقرات، وسلامة التوثيق). وبعضها الآخر شابه شيء من القصور، في هذه الجوانب. وبعضها وفق في جانب، وتعثر في جانب آخر. وهذه طبيعة الصناعة الكتابية لدى الناس. فهي لا تأتي على وتيرة واحدة.
أما مجالات هذا البحوث فمختلفة. ومن الطبيعي أن تختلف ؟ لأنها كتبت لمناسبات مختلفة. وكانت نابعة من اهتمامات وتخصصات مختلفة. ففي هذه البحوث تجد أجواء أعوام الصناعة والزراعة والتراث، كما تجد عبق الأجواء الأكاديمية. ويكاد يتراءى للمرء – من خلال بعضها – حركة الطلاب في أروقة الجامعة مع أساتذتهم.
وفي بعضها الآخر، يجد المرء الأسلوب التقريري الرسمي لنشاط مؤسسة معينة – الأمر الذي يجعلك تذهب الى أن ما تقرأه ليس إلا تقريرا رسميا.
وبعض هذه البحوث أقرب الى المقالة الصحفية منه الى تركيب البحث أو منهجه.
وعلى أي حال، فقد وزعت هذه البحوث – بعد النظر الدقيق فيها – الى المجالات التالية :
– بحوث تتصل بالجانب التاريخي (وأغلبها في تاريخ عمان ).
– بحوث تتصل بالجانب الاقتصادي (لأنها تتحدث عن مجالات الزراعة وصيد الأسماك والنفط والصناعة ).
– بحوث أخرى على صلة بحديث الأدب واللغة.
وهناك بحث يدور حول العمارة الإسلامية القديمة في احدى البلدات العمانية. وبحث آخر يتصل بأحكام الفقه الإسلامي، إضافة الى بحثين في تراجم الاعلام. وثلاثة بحوث أخرق ذات صلة بالتربية ومحو الأمية، وبحث يتحدث عن التراث وبحث يدور في حديثه عن كتاب.
وكما أسلفت القول، فقد طلب الي التحدث عن هذا الأعمال البحثية من منطلق صلتها بالتراث واستنادها عليه. وقد وجدت هذا الطريق قصيرا، وأثرت أن أتعامل مه. هذا البحوث من منطلق تسليط الضوء عليها كلها: لعلي أتلمس أي تجديد فيها، وأشير اليه – من وجهة نظري المتواضعة – وذلك خدمة لصناعة البحث عامة.
وأستعرض أمامكم الآن ملامح موجزة لكل بحث مكتفيا بذكر العنوان فقط دون ذكر اسم الباحث تجنبا للإطالة. وأبدأ ببحوث التاريخ وفي مقدمتها البحث الأول بخودن "الجلندي بن مسعود" وهو بحث قصير مطبوع وعديم الترقيم كتب عام 1990. ومعلومات هذا البحث لا جديد فيها. وأسلوب الكاتب متداخل ويتطلب الترتيب فهو لم يتحدث عن الجلندى إلا في الفصل الثالث. بينما تحدث في الفصلين الأول والثاني عن موضوعات قانعة بذاتها مثل حروب الجمل وصفين والنهروان.
أما البحث الثاني فعنوانه :"إمامة الوارث بن كعب الخروعي"، وهذا البحث لا يتعدى حجمه "عشر" ورقات. وهو أيضا لا جديد فيه. فمعلوماته موجودة في المظان الاصلية وميسرة. وهذا البحث كتب 1991. وأما الكتابة فمرتبة. والنقل عن المصادر والمواجه منظم وسليم. فهو يستخدم ترتيب الترقيم المتصاعد في التوثيق ليخلص في نهاية المطاف الى ذكر مصادر توثيق المعلومات في الصفحة الأخيرة.
والبحث الثالث عنوانه : "من عمان الى زنجبار عبر السواحل والبحار”، وهو مكون من بضع ورقات خالية من التوثيق. والجهد الكتابي متواضع،ومعلوماته لا جديد فيها – من وجهة نظري. ومنهج الكتابة لا جديد فيه. فهو الى المقالة الصحفية أقرب منه الى البحث التاريخي.
والبحث الرابع عنوانه : “عمان الماضي والمستقبل “ (كتب عام 1992) وهو بحث تربو صفحاته على “سبعين" صفحة بخط اليد. منسق وواضح بصورة جيدة. ولكنه يسرد المعلومات بطريقة القدماء (بمعنى أن لمحات التجديد في المعلومات أو أسلوب الطرح غير متوافرة). ومع هذا فالبحث يمثل جهدا واضحا ولدى الكاتب استعداد ليصبح فاعلا في البحث التاريخي وذلك ملموس من حجم العمل وصبر الباحث.
والبحث الخامس عنوانه : “علاقة عمان بشرق افريقيا من القرن الأول الهجري حتى القرن الخامس الهجري” وهو من أبحاث 1994. مطبوع ومرتب ويستخدم التوثيق المباشر في ثناياه. وينفرد هذا البحث بمعلومات جديدة مهمة تمثل لمحات مضيئة ولكنه وقع في محظور يقع فيه – أحيانا – من يتصدى لبحث التاريخ بنيات حسنة.
فالبحث – من جانب – ذكر معلومات مهمة تتعلق بعلاقات عمان بشرق افريقيا قبل الإسلام وبعده. فقد ذكر الهجرة الى افريقيا وأسماء بعض المهاجرين الأوائل والمؤثرات الحضارية من الهجرات العمانية الى شرق افريقيا ودور الدعاة العمانيين لنشر الإسلام في شرق افريقيا والمشكلات التي واجهت انتشار اللغة العربية بين الأفارقة الذين اعتنقوا الإسلام، وغير ذلك من هذه المعلومات التاريخية.
أما المحظور الذي وقع فيه كاتب البحث فهو ذكره بعض المعلومات التي ربما تكون مدسوسة على بعض شخصيات المهاجرين العمانيين من قبل أقلام أجنبية بهدف الإساءة الى التاريخ العربي الإسلامي في افريقيا. ومن ذلك ما ذكره حول :
“استجلاب الجميلات من النساء من خارج افريقيا للزواج حفاظا على نقاوة العرق العربي مقابل مهر من الرقيق الأسود من السكان المحليين." فقد قال الباحث بأن : ابن سليمان ابن عباد قد دفع مئة من ذكور الرقيق الأقوياء ثمنا لزوجته القوقازية “.
إن مثل هذه المعلومات لا تؤخذ إجمالا على هذا النحو؟ لأنها سموم مدسوسة لتشويه دور الحضارة العربية الإسلامية بل وإنسانية الإسلام وأهله، وربما أخذ الكاتب هذه المعلومات من مصادر غير موثوقة.
وفي رأينا أن التصدي لكتابة التاريخ يتطلب وعيا وإدراكا غير عاديين من الكاتب، حتى يميز ما يعرض له من معلومات.
أما البحث السادس : “عمان في عهد الدولة اليعربية“ (كتب عام 1992). فيتكون من "ست وعشرين" ورقة. وهو بحث مطبوع ومرتب يتحدث عن الأئمة اليعاربة الخمسة بشكل متسلسل بأسلوب جيد موثوق. ولكن لا جديد فيه.
ثم يأتي البحث السابع : "لمحات من تاريخ عمان حتى طرد البرتغاليين “. وهذا البحث من أعمال 1989. وهو مطول إذ يصل عدد صفحاته الى “ثلاث وستين“ ورقة مع صفحات المراجع. ومعلوماته جيدة التوثيق. فمن حيث الفكرة العامة يتوافق هذا لبحث مع غيره من البحوث التي تتحدث عن دور اليعاربة. ولكنه ينفرد في نظري بمناح بحثية مهمة في الأسلوب وفي المعلومات. فهو من ناحية يذكر الأسباب التي ساعدت العمانيين للقيام بحرب جهادية لطرد البرتغاليين من عمان والخليج العربي. ويورد معلومات جديدة في السياق جديرة بالاعتبار حول الأسباب التي ذكرها تحت عنوان الاساطيل الإسلامية تساند أهل عمان. يقول : “استطاعت الحملات الإسلامية بقيادة العثمانيين إثارة البلبلة في صفوف البرتغاليين وإثارة الروح الجهادية في صفوف العمانيين ضد الاحتلال الصليبي البرتغالي “.
وهذا في نظري طرح جديد واتجاه سليم لمعالجة حوادث التاريخ. إذ أن حوادث التاريخ لها ما قبلها وما بعدها. فربط الموقف بموضوعية يمثل مصداقية للقصة التاريخية التي تسرد.
إن هذا البحث يربط الحوادث ببعضها (من الخليج الى عمان ثم اليمن وشرق افريقيا) وعندي أن معده يتمتع بحس ووعي كاملين لمفهوم التاريخ.
أما البحث الثامن : “الوجود العماني في شر ق افريقيا وأثره في نشر الإسلام" (كتب عام 1992)، فيتكون من "ست وثلاثين“ ورقة بخط اليد. وهو أيضا من البحوث المشرقة في هذه المجموعة. جيد الاسلوب ومرتب التوثيق. وقد أبرز الهجرات العمانية الأولى المؤثرة بصورة موضوعية (كهجرة آل الجلندى وإمارتهم في لامو، وهجرة الحرث وسلطتنهم في مقديشو، وهجرة النباهنة وسلطتنهم في بات ).
إن هذا البحث يسلط الضوء على العديد من النقاط المهمة التي تتعلق بهجرة أهل عمان وصلاتهم بافريقيا في عصور مبكرة (قبل الاسلام وبعده). فهو بحث مرتب وحسن التوثيق وجيد اللغة. سليم المنطق والموضوعية في آراءه المختلفة.
أما البحث التاسع : الفترة الزمنية ( 1624م – 1711م ) من تاريخ دولة اليعار بة “ (كتب عام 1992)، فهو بحث متوسط الحجم (في حدود "ثلاثين" صفحة ) وفكرته تقوم على الحديث عن اليعار بة كدولة. وقد أكد أن السمة الإيجابية الأولى لهذه الدولة هي توحيد عمان بعد تفكك، وعقد مقارنة حية في هذا تتمثل بتوحيد عمان على يد اليعاربة وتوحيدها ثانية – من وجهة نظره – في عصرنا على يد جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حيث يقول : “وحد اليعاربة عمان وحرروها من التدخل الأجنبي كذلك حرر السلطان قابوس عمان ووحدها وبنى دولة عصرية حديثة “ وقد اتبع الباحث أسلوبا جديدا في عملية التوثيق حيث حصر مواجه مراجع كل فصل في نهايته.
والبحث العاشر : “النازحون من اليمن الى عين سعنة"، واليمن هنا قرية في ازكي. وهذا البحث كتب عام 1990. وهو يتحدث عن التاريخ الفني للعمارة العمانية، ولا يزيد على “عشرين“ ورقة. ومادة الكتابة فيه على شكل أعمدة طولية كنظام الكتابة في الجرائد.
ويقوم الباحث بعقد مقارنة في حديثه بين قرية اليمن وقرية نزار (وأظنها أيضا في ازكي) ليعطي وصفا جميلا ومؤثرا للعمارة الإسلامية في عمان من مواقع القريتين. وربما يهدف الكاتب الى لفت الانتباه للاهتمام بعمران هاتين القريتين والحفاظ على جمال عمرانهما.
ومثل هذا البحث جدير بالتطوير ليصبح وثيقة تاريخية لهاتين القريتين ويمكن له أن يحتذى فيكون مثالا لأبحاث أخرى على نمطه (وتوجد تفاصيل أخرى مهمة في هذا البحث لا يسمح المقام لإيرادها).
أما البحث الحادي عشر: “اهتمام العمانيين بالخط العربي" فيمكن إدراجه تحت مفهوم "تاريخ الخط العربي في عمان“ وهو بحث مطول يزيد على الخمسين صفحة، مطبوع ومرتب، وقد مهد الباحث له بخلفية تاريخية جيدة عن صناعة الخط العربي وفكرة الكتابة لدى العرب وانتقالها من طور الى آخر من الجاهلية الى الاسلام، وذلك من خلال استناده على دراسات يعتد بها في هذا المجال. ثم أورد الكثير من المعلومات القيمة عن فن صناعة الخط في بعض مناطق عمان، واستشهد بأسماء العديد من أصحاب الخطوط الجميلة. وعموما فان البحث موفق في مجاله، لأنه ركز كثيرا على الخط العربي في بعض مناطق عمان.
أما البحث الثاني عشر : “المظهرالتربوي في الحضارة الاسلامية “ فهو بحث متواضع الحجم لا يزيد عل “أربع عشرة" ورقة بخط اليد. فكرته الأساسية هي: أن التعليم في الإسلام قد تمثلت فيه معظم الأفكار والنظم الحديثة في التعليم الحديث، وأن الكثير من المفاهيم الموجودة حاليا في التعليم الحديث والمعاصر، هي امتداد لما كان في مؤسسات التعليم في الحضارة الإسلامية. من ذلك مثلا: مجانية التعليم، وشروط من يمتهن التعليم، ودور مصادر المعلومات. ثم يذكر عددا من المؤسسات الفاعلة والمتدرجة لموضع التعليم (كالكتاتيب وقصور المقتدرين، وصولا الى فكرة إنشاء المدارس المستقلة على يد الوزير السلجوقي نظام الملك في بغداد وسوريا ومصر). وقد أكد الكاتب في النهاية أن الحضارة الاسلامية هي حضارة علم وأدب وثقافة.
ورغم أهمية هذه المعلومات إلا أنها ليست جديدة. فهي متوافرة في المصادر والمراجع. وكان بإمكان الكاتب أن يأتي بالجديد وذلك بالكتابة عن التعليم الاسلامي في عمان (لو حتى اكتفى بمنطقة واحدة كمثال ونموذج ان لم يستطع الحديث عن كل المناطق ) وقد يعتمد في هذه الدراسة الميدانية. ومع هذا فالبحث قيم في مساره ولا تقلل من قيمته هذه الملحوظات الطفيفة.
أما البحث الثالث عشر فعنوانه غير واضح (أو أن صفحة العنوان غير موجودة ) وهو عن الغزالي. وهذا واضح من موضوعات البحث، فهي بعد المقدمة، التعريف بالغزالي ومؤلفاته والبيئة والظروف التي عاشها وآراؤه في مختلف أمور الحياة.. الخ.والبحث صغير مقارنة بالموضوع الذي يتحدث فيه. وهو بخط اليد ولا أجد جديدا فيه. ولم يورد الباحث أي مقارنة بين بعض آراء الغزالي التربوية أو الفلسفية وغيره من رجالات عصره (أي الذين وافقوه في الرأي أو خالفوه ).
أما البحث الرابع عشر : "من اعلام صحار" فيتكون من “مئة “ صفحة بخط اليد. وهو منفرد من وجهة نظري إذ أبرز دور صحار الثقافي والعلمي، وقدم لنا العديد من شخصيات هذه المدينة العمانية ذات المكانة التاريخية. فهو يتحدث عن "ثماني وعشرين شخصية“ من شخصيات الاعلام. كل له فنه ومجاله وليسوا من مدرسة واحدة. وهناك شخصيات يزيد عددها على عشرين شخصية من الذين ولدوا في صحار. وهناك خمس شخصيات أخرى من خارج المدينة بل إن بعضهم ليسوا من عمان أصلا ولكنهم رحلوا من بلدانهم الى صحار وطارت شهرتهم العلمية والثقافية منها الى آفاق بعيدة.
وهناك نقطة أخرى مهمة أبرزها هذا البحث : هي العلاقة بين مدينة صحار وجزيرة قشم الفارسية، ودور الأخيرة من الناحية العلمية والثقافية حيث تواصل العلماء منها ومن صحار بل وهاجر الكثيرون من قشم الى صحار ولعبوا دورا علميا وثقافيا مهما. ولا شك أن الحديث عن الصلات العلمية والثقافية بين مدينة صحار وغيرها يعتبر من الملامح الإيجابية في هذا البحث.
ويظهر كذلك من ثنايا هذا البحث أن الكاتب يتمتع بأفق واسع وفكر عميق فقد استوعب الحديث عن اعلام من عدة مذاهب فقهية وبمستوى واحد من الموضوعية والاعتبار. وهذا نفس نحتاج اليه من أبنائنا الدارسين الذين يتصدون لمسؤولية الكتابة حتى نحافظ على وشائجنا الوطنية والثقافية والاجتماعية.
أما البحث الخامس عشر : “القرائن وأثرها في إثبات موجبات الحدود”، فهو من الأبحاث المطولة. يقارب الـ "مئة “ صفحة ويخط اليد. ويدور موضوعه حول حد السرقة في الفقه الاسلامي وأسلوب البحث يقوم على المقارنة في قضية إثبات الدعوة والاختلاف أو الاتفاق بين الفقهاء (في هذا الموضوع ). والبحث مرتب ومنظم من الأبحاث المتفردة في موضوعه ويمثل نموذجا جيدا للدراسة المقارنة.
أما البحث السادس عشر: "عيون الأخبار”، فهو دراسة لكتاب "عيون الأخبار لابن قتيبة “: موضوعه، ومنهجه، وقيمته الأدبية. والبحث لطالب جامعي وبإشراف أستاذ جامعي. وكما اتضح من الموضوعات المدونة على صفحة الغلاف فيمكن القول : ان هدف الباحث هو التعريف بمحتوى هذا الكتاب ووضعه في ميزان القياس مع غيره من أمهات الكتب التي عاصرته ككتب الجاحظ وابن عبد ربه وغيرهما. وقد أشار الكاتب الى هذا. والبحث مكتوب بمنهج أكاديمي سليم.
وقيمته بالنسبة للقاريء تقديم ما يتطلبه من معلومات حول هذا الكتاب بيسر وسهولة.
أما البحث السابع عشر : “حتى لا تنام اللغة في أحضان المعاجم “، فلا يزيد على عدد من الورقات دون ترقيم، وهي مكتوبة بخط اليد، وفكرته تدور حول ضرورة تسهيل استخدام معاجم اللغة العربية، حيث استعرض في هذه الورقات عددا من المعاجم وأساليبها (من ضمنها معجم العين للخليل ). فالفكرة لديه تتمثل بالمطالبة بتطوير منهج المعاجم اللغوية بخلاف ما وضعه القدماء. إذ الصعوبة في معاجم القدماء من وجهة نظر الباحث تكمن في “طريقة ترتيب الأصول الاشتقاقية ضمن إطار المعجم وهذا يؤدي الى عدم الحصول على المعنى المراد للكلمة تحت جذورها إلا بعد عناء“ والبحث يتطلب جهدا أكبر وتفصيلا في موضوعه وتنظيما أفضل.
أما البحث الثامن عشر: “الصورة الفنية في مقامات بديع الزمان الهمذاني”، فيقع في “عشرين" ورقة تقريبا ويخط متوسط العناية والترتيب. وكما هو معلوم فإن الدراسات عن مقامات الهمذاني كثيرة لكون المقامات أدبا سياسيا ظهر في فترة ركود وضنك اجتماعي وضيق سياسي في إحدى فترات العصر العباسي. وكان لدى الباحث فرصة طيبة لدراسة تأثير هذه المقامات على بعض أدباء عمان في العصر الحديث، حتى يأتي بالجديد فنحن نعلم بأن هناك من سار في هذا الاتجاه من الأدباء العمانيين (أي صناعة المقامات).
أما البحث التاسع عشر : "خاطرالليل“، فأول ما يتبادر الى ذهن القاري؟ بأنه يقوم على الابداع الذاتي. ولكن البحث يدور حول فكرة الليل واشياء أخرى لدى أمريء القيس والنابغة الذبياني. قدم له الكاتب بمقطوعات نثرية أقرب الى الشعر (عن هموم الليل وأحزانه ) لدى بعض الشعراء ثم تحدث عن امريء القيس والنابغة. وقد استند في حديثه على نقول مطولة نسبيا من ابن سلام والدكتور شوقي ضيف. والبحث مطبوع ومرتب وحسن التوثيق إلا أن موضوعه لا جديد فيه. فالليل موجود عند جميع شعوب الأرض. وكل يخاطبه وفقا لما يشعر به نحوه. فهناك من يضيق بالليل ويتضجر منه كقول القائل :
الليل إلا حيث كنت طويل والصبر إلا مغذ بغت جميل
وهناك من يتحسر على ذهاب ليالي الأنس فيقول :
ذكرت ولست في الذكرى بناسي ليال بتهن مبيت حدسي
وعموما، فإن البحث ذو طبيعة أدبية إن كانت الفكرة معادة ومكررة.
والبحث العشرون “حرف الأجداد ودور الأحفاد” (كتب عام 1992). وهو بحث مطبوع ويقوم على فكرة الاستبانة في موضوعه ومكثف ومكتوب بأسلوب جيد.
ولعل ما يلفت نظر القاريء فيه بعض أحكامه كقوله :"إن العرب قبل الإسلام يحترمون الرعي والتجارة وبعضهم يحتقر الزراعة “ ولا ندري كيف توصل الباحث الى هذه القناعة حول احتقار العرب للزراعة، وهم الذين شيدوا السدود وفجروا الأفلاج وأقاموا الحواضر على ضفاف الأنهار!!
وربما كانت مشكلة هذا الكاتب أنه عكس حديثه على مجتمع الصحراء أو البادية وكأنما هؤلاء هم العرب فقط. ولم يتذكر عرب التمدن والتحضر والاستقرار في كل من اليمن وبلاد ما بين النهرين والشام ووادي النيل.
وهذا الرأي غالبا ما يشاع في دراسات بعض الأجانب، لهدف من الأهداف. ويبدو أن الكاتب لم يتذكر زراعة اليمن القديم وواحات الحجاز ووديان عمان التي فجر فيها سكانها العرب الأفلاج ومنطقة البحرين القديمة (بما فيها منطقة هجر وما حولها).
أما البحث الواحد والعشرون : "تطور القطاع الزراعي. فى سلطنة عمان “، (كتب عام 1991) فهو بحث صغير نسبيا قياسا الى موضوعه. ولكنه جيد في منحاه. مرتب ومنسق. وقد ركز على علاقة المواطن العماني بالزراعة منذ القدم، ثم تحدث عن دور الموقع والمساحة والتقسيم الجغرافي لعمان، وتقلب المناخ والأمطار، والأنماط الزراعية المترتبة على هذا كله.
كما قسم هذا البحث السلطنة الى خمسة أقاليم زراعية. وتحدث عن السياسة الزراعية الحالية والإجراءات المتبعة في هذا المجال. وهو موفق في موضوعه ويمكن تطويره بالتوسع والتعمق مستقبلا.
أما البحث الثاني والعشرون : "زراعتنا في طريق النماء”، فتحدث صاحبه في الموضوعات التالية : الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، والعمل والانتاج، وجهود الدولة لتطوير الزراعة ووسائل النهوض بها.
وربما كانت أمام كاتب هذا البحث فرصة طيبة للتحدث عن خلفية التاريخ الزراعي في عمان، بصورة أعمق ؟ لأنه تحدث عن أهمية الماء في القرن الكريم، ولكنه غلب حديثه على الأوضاع الراهنة للزراعة، وعموما فإن البحث جيد لولا اعتماده على مصادر محدودة للمعلومات.
أما البحث الثالث والعشرون : “تطور ونما، حرفة صيد الأسماك“، فقد أعد عام 1989 وهو مطبوع وموثق. وقد تحدث صاحبه فيه عن مهنة الصيد قديما وامتدادها وتطويرها وأهميتها في العصر الحديث وارتباط هذه المهنة بالمواطن العماني، ودور الدولة في دعم الصياد وتشجيعه.
أما البحث الرابع والعشرون : “ضرورة قيام صناعة سمكية في سلطنة عمان"، فهو ينتمي الى عام 1991. وهو يدعو لقيام صناعة سمكية ويسرد مبرراتها بصورة منطقية مقبولة. وهو يبدأ بذكر المتطلبات الضرورية من المواد الخام، ونوعها وجودتها وإيجاد رأس المال واليد العاملة ثم كيفية التسويق.. الخ.
ثم يعدد أنواع الصناعات السمكية لتأكيد إمكانية التصنيع وينتهي بمجموعة من المقترحات المفيدة. وهذا البحث أيضا جيد وموفق كسابقة حول الموضوع ذاته.
أما البحث الخامس والعشرون : “الصناعات والحرف العمانية القديمة “ (كتب عام 1991)، فهو يبدأ بالصناعات الخشبية (بما فيها صناعة المراكب، الصناديق الخشبية، أو ما يعرف محليا بالمندرس، ثم حرفة التجارة، وينتقل الى صناعة الفخار والتي يقول عنها “بأنها من الحرف التقليدية التي اهتم بها العمانيون منذ القدم “ ثم الصناعات المعدنية والفضيات. وغيرها. وصناعة الأسلحة القديمة ثم الملابس، وصولا الى بعض الصناعات الحديثة وقيام صناعة موجهة وموسعة.
والخلاصة أن هذا البحث قد وفق في الحديث عن الفنون الصناعية بصورة متدرجة وكان منطقيا منهجيا في عرضه للمادة.
أما البحث السادس والعشرون : “تطور قطاعي البترول والغاز الطبيعي"، فقد أعد عام 1991. وهو مطبوع ومرتب ومنسق بصورة حسنة. وقد أورد معلومات مفيدة عن الموضوعات التالية : بداية التنقيب عن البترول في السلطنة، والشركات الداخلة في هذا المضمار، وعزز هذا بجدول عن تطور الإنتاج بالسنوات من عام 75 الى 1985 مبينا كمية احتياط البترول. وهكذا يسير البحث بصورة علمية رقمية الى الخاتمة. ومع أن هذا البحث قليل في عدد أوراقه الا أنه تقرير مهم في معلوماته.
أما البحث السابع والعشرون : "خيار التصنيع ودور شركات التصنيع الوطنية في تحقيقه" فقد كتب عام 1992، وهو يمثل جهدا طيبا فقد تحدث صاحبه في القسم الأول عن الانطلاق الصناعي – حسب تعبيره – وفي الثاني عن أهداف خيار التصنيع. وفي القسم الثالث : عن التصنيع ذاته باعتباره منطلقا وطنيا.
ثم أورد مجموعة من المقترحات أتبعها بعدد من جداول المعلومات. وهو من الناحية الفنية لا غبار عليه.
والبحث الثامن والعشرون : “محو الأمية حضارة وتقدم “، يتحدث عن أهداف محو الأمية في السلطنة واستراتيجيات العمل في الأمية، ثم العلاقة بين محو الأمية والتنمية بصورة عامة. والبحث بخط اليد وفيه جهد ومعاناة كتابية ومجموعة من المقترحات والتوجيهات. والذي لفت نظري فيه هو: نقده للمعلم العماني لعزوفه عن المشاركة في نشاط محو الأمية ودور الجمعيات النسائية في حركة محو الأمية.
وهذا البحث اجمالا مهم في موضوعه ونرجو أن يتوسع صاحبه فيه مستفيدا من الدراسات العربية الغزيرة في مجال محو الأمية.
والبحث التاسع والعشرون :”تربية النشء أمانة ومسؤولية “: (من عام 1992) مجاله علم نفس الطفولة. وهو مطبوع ومرتب ترتيبا حسنا، ولغته سلسة وأسلوب التوثيق فيه سليم. وقد اعتمد مجموعة من دراسات ومراجع علم النفس وعلم نفس الطفولة.
وصاحبه يتحدث فيه عن أهمية مرحلة الطفولة والجو الاجتماعي للطفل ودور هذا الجو في نمو شخصية الطفل – وأساليب التنشئة الأسرية وأثرها على الطفل. ويخلص الباحث بعد ذلك الى حقوق الطفل في الاسلام ورعايته. ويتبع ذلك بآراء ومقترحات وحلول.
ولعل هذا البحث من أهم الأبحاث المعروضة نظرا لخطورة موضوعه ولاتصاله بفترة هامة من فترات حياة الإنسان.
وختاما فإنني أرغب في الإشارة الى أربع نقاط تتصل بهذه البحوث جميعها:
وأولها : وجود اتجاه طيب عند الشباب العماني نحو البحث العلمي. وهو اتجاه إيجابي يسير في الطريق السليم. ولعل وجود الدولة العصرية، وما تحفل به من مؤسسات علمية متعددة – يكون من العوامل التي تدعم مثل هذا الاتجاه عند الشاب.
وثانيها : دوران جزء لا بأس به من هذه البحوث حول عمان ماضيا وحاضرا، وهذا اتجاه محمود نشجع عليه. وهو يدل على تعلق الشباب العماني بوطنه الفتي الذي أرساه وبنى قواعده مولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله.
وثالثها : اتجاه الأخوة الباحثين – عموما. الى توثيق المعلومات وذكر المصادر التي استقوا منها مادتهم. وهو اتجاه ايجابي أيضا في هذه البحوث، اتجاه يدل على الأمانة العلمية والموضوعية والبعد عن الهوى والتحيز.
وأطالب الباحثين – وخاصة من اتجه الى التاريخ منهم – (في هذا السياق نفسه) : بضرورة عدم التسليم ببعض الروايات التاريخية الضعيفة، وضرورة إعمال العقل فيها، مع اتباع المنهج النقدي التحليلي، وذلك خوفا من اللغط الذي يمكن أن يتردد هنا وهناك عند نفر يترصد بنا وبتراثنا وتاريخنا.
ورابعها : ضرورة المضي في دعم الصلة بين الشباب العماني وبين البحث العلمي جملة وتفصيلا.
وختاما فإنني أشكر لكم أنكم حضرتم وأنكم استمعتم. والشكر موصول للمنتدى الأدبي لأنه دعاني للنظر في هذه البحوث. والشكر كذلك موصول لجملة الباحثين العمانيين الذين هيأوا لنا جميعا فرصة اللقاء والحوار والمشاركة.
علي بن محسن آل حفيظ (كاتب عماني)