لست طوباوية لآ ندفع نحو المقدمة
وأبعثر أحلامي الملفوفة بورق الهدايا
وارسم فوق جدار البياض صورا باهتة
للروح المسجونة في الأقفاص
أقفاص الرجع والاسلام
للعين التي لا ترى الا المواد
للأفكار المستهلكة
للحركة الملفوفة على شكل أسطوانة
للكلاب التي تتباهى بأسنانها المعدنية
لست طوباوية لأرتجل الحركة
وأي حركة تلك المؤجلة منذ الأزل ؟
الطبيعة تتحول الى وحش طليق في هذه الليلة
الريح تطبل في الخارج
الريح الغاضبة تحطم جمجمة الطريق
وتضرب بأناملها الطويلة التماثيل المنحوتة
حول الشرفة المكشوفة للشمس والمطلية بالذهب
وتضرب نافورة العين النازلة كالمطر
وتنتشر في المطاعم الفاخرة
تلك التي تقدم الوجبات السريعة والرخيصة
وتستمتع برؤية طفل جائع ينظر من النافذة
هجمات النور المفترسة تنقل محاصيل الرجع
في زورق من خشب بين القرويين،
وتخنق الأعشاب المائية المتشابكة ببساطة متناهية
وتطل من شرفة قطار بخاري
مدينتي البيضاء بطابعها الأوروبي
وشوارعها الهادئة
بمبانيها الضخمة المطلة على البحر
ورائحة البهارات والأكلات الهندية
تطحنها دوامة الريح
وتزحف الى ملاعب كرة القدم
المنتشرة في كل مكان
ثم تدق مسامير الضجر حول الباب
وحول النافذة
أمام لوحة تكعيبية ليبكاسو
اندلعت خمس سنوات دفعة واحدة
فلم أعد أرى شيئا
غرفتي الضيقة تغطيها طبقة رقيقة من
الشمع
الشمع الذي استنسخ آلاف الأجساد
وبحركة عفوية
تحول المكان الى صالة رقص
أو متجر دمى متحركة
في أرقي محل تجاري في باريس
وفاض جسد الوقت
ثم ذاب في مسائي
مسائي المشوش كذهني تماما
مسائي المسور بالعاج
مسائي الكستائى العميق
مسائي المبعثر كاوراق الخريف
وكالزوبعة
التي شردتني ذات يوم
وسط تلك المدينة التي
لم يقابل سكانها غريبا قط
ولم تشاهدوا شلالا أو جبلا
لم يروا قطارا أو باخرة
لكنهم حبسوا نمرة متوحشة
في قفص من زجاج
البحر الميت
لم نبدأ بعد
النوافذ المطرزة بالارق
النوافذ الغامضة ترتدي جسدا يابسا
وتهبط كرؤوس صغرة لتكتشف أسرار
الليل
تلك الأدغال الكثيفة في القلب
تتناسخ على هيئة ذئب جائع
وتسيل فوق المخدة القطنية
هامتك القوسة تركع عند جسد الطيعة
وتلملم خيوط الكون
الغيوم البيضاء تنسج لوحات سريالية
لطفل يلبس قبعة مكسيكية عريضة
امرأة ريفية تعطي وجهها بقطعة قماش
سوداء
ثم تخلط العالم لوحة غربية
لماذا تعقبني زاوية المنى
والشمع الذائب من فردوس الغابة
بماذا قلم أيها الطافح فوق جلد الزرقة
في آخر الليل
وتتفجر كالأنهار من دموع الأشعة
كالرغبة الفاشلة تخطط, لاقتحام قمر
مهجور
وتستولي على يمامات الضجر
كالنمور الافريقية تلهم زرافات المتعة
وتسكن جسدا كهلا أو غرابا
هذا الفناء الضخم
لم يكن الا صراخك البربري
في غياهب الجنون
هذا المساء الحزين لم يكن الا روحك
التي داهمتها خيول الفراغ
أيها الطافح كالهم
ابتكر ميناء جديدا
لتصدير الحزن لمدينة تنطفىء
تحت وطأة الاستعمار المغولي
واطحن ذروة الجنون في دائرة الطعنات
لينزفك الصدى نقطة فاصلة في قلب الهاوية
سعاد الكواري (شاعرة من قطر)