بينما سيّد يمسح الدم عن الباب
(١)
الغياب الآن كفٌّ ملساء
من دون خطوط
قل لصاحبك:
– الليلة الماضية نزعتُ صورتها عن الحائط
ثم فكَّرتُ كثيراً برسغٍ مقطوع
– لا تصف قلبك للذئاب
قال صاحبي، ولم أفهم
من منّا يا سّيد
يقابل الموت ببيجامة خضراء
(٢)
وأنا أفكَّر كثيراً – دائماً ما أفكر كثيراً
لم أنتبه إلا وأحمد يطرق الباب
برسغين مقطوعين
لم يقل شيئاً – حين استدار بنصف ابتسامة
لم أفكِّر بشيء – وأنا أمسحُ الدم عن الباب
شتاء للريح، وآخر للاعتذار
لصبيةٍ لم أقنعها بعد
أن نلتقي
أرمُّ عظامي،
أصبحُ على خدَّين حمراوين
وأنا أفكِّر كثيراً
بأنفك المرفوع طرفه إلى الأعلى
والأشياء التي يجب ألا أقولها،
والمدة التي ستحتاجني كي أنساك..
إننا في الحقيقة لسنا أنفسنا؛
إننا ما نود أن نكون.
لصبية تعرف القليل
عن كل شيء
وتعتقد أن الرب يرتدي دشداشة بيضاء
(في الحقيقة أنا الذي أعتقد)
لصبيةٍ تذكرُ من الابتسام طرف الشفتين
وتخبرني أن أوقظها في الخامسة صباحاً
ثم أحب اسلتقاءكِ
على لوز آذار
….
أحياناً أفكر
بأننا سنصبح أصدقاء مقربين
أخبرك عن أشياء تافهة
وتخبرينني عن أشياء تافهة
ولا نعلم كيف أصبحنا أصدقاء
وأحياناً أفكر بأننا سيحب أحدنا الآخر:
نستمعُ إلى أغانٍ أجنبية
ونضع قوانينَ للقُبَل والنوم
ثم ننتهي
ولا نعرف كيف مضيتُ
ومضيتِ:
راحتي مرفأ أصابعك.
ثم أرى كل شيء يشبه وجهك الصبياني
كل شيء
كل شيء
النرجس اليومي
مرة أخرى:
لا شيء يحدث هنا.
فلو أن الرفاق تمهّلوا قليلاً
وما ذهبوا (هيدرسفيلد) و(دبي)
لو أن طريق (عمّان – دمشق) أبعد من حارتنا
لو أنهم يا صديقتي سكنوا صنوبر هذي الأرض، قليلاً، وسكنوا هذا الحزن
وشربتهم أرصفة المقاهي المكدسات
بالجميلات الذاهبات إلى جهنم
لو أنني شرحت لهم أنني لست بهذه القوة
لو أن الشِّعرَ يقطر في ذهني ويصفو
ككهرباء غيمتين
ومتنا مرتين قبل أن نصعد سدة ذلك الجبل
المتلاطم بين سماءين
وأمطرت علينا
ونحن نعد الخيارات الهانئة في السيارة
نسكن أغنية
وتجرحنا أغنية
وتنسانا أغنية
وما تلهّى عنا الوقت في:
ورقٍ، وهاتف وكمبيوتر..
لو لم تنس صحف المساء، المطوية بفوضوية في المعاطف، أخبار (الموصل)
وشاركتُ أكراداً طيبين في اختيار (بعقوبة) للنزهة
والنسوة تحلّقن حولنا بالسجائر المهربة
والأطفال العابثين بالسراويل المتسخة
ومضيت أنهرُ ذلك الفرات الذي سبقني بغتةً إلى البحر
لو أن العباءات السود فقط ما تركت نرجسها وسكنت أغانٍ حزينة في (مجمّع رغدان)
[يا ظيم حالي
يا ظليم.. ]
إلى آخر الأغنية..
لو أن الجنازات الجميلة تمهلت قليلاً لنسأل: إلى أين تمضين بحبر هذا الطريق
ألسراديب أبرح من بلادٍ مسكينة نعلق عليها شتائمنا كالغسيل على الشرفات
أم كانت هناك، حقاً، جنة فنخطئ في وصف الحياة كما أخطأت مومياء فرعونية الطريق
لو أن الرفاق تمهلوا يا صديقتي في رحيلهم
لكنتُ أقدر على اجترار هذا الوجه غير الحليق
كَلَوْن الوطن
كنا جميعا:
أرجون وخمسة محمدات وسهم ومعاوية
ومحمد حمادة الذي أصبح مغنياً
ومحمد نمر الذي
أصبح سائق تاكسي،
صالح الذي أصبح أستاذاً،
أستاذ الجغرافيا الذي
أسميناه شكسبير
وآخر لا أذكر اسمه
لم يصبح شيئاً.
أذكر التلال التي كانت تطل
على شباك الصف
وتغري بالسفر
تلك العقارب التي فقأنا أعينها
دون ندم،
كسرنا نافذة الحارس،
راقبتُ كيف قُتِل حسام أمام عيني
بزجاجة بيبسي
و أنا أمضغ ساندويشاً.
كانت أمي تجلس في الشرفة
تنتظرني حين آتي من الشارع الموارب
عبر نافذة الجيران،
وتعلمُ متى ينتهي الدرس،
موعد الامتحان،
الشارع متى انعطف
ليخبئني.
تعلمُ من خطواتي
أنني يوماً ما لن أعود.
في حرب الخليج
قالوا أمريكا ستلعن سنسفيلنا
ألزقنا النوافذ
بينما شرح لنا شكسبير من أين سيأتون
كنا نحب Macdonald
والبيبسي
وMariah Carey
وTom Hanks
قلنا هذه كذبة،
قال النيرد بعد أن عدل نظاراته
لن يجرأوا على إشعال فيتنام أخرى.
ننام في تمام الثامنة
وبينما نتقلّب في الأسرّة
نسمع غالب الحديدي(٭) من بعيد
وعفاف قضماني(٭) التي تشبه أمي
يطمئنونا بأن شيئاً لن يحدث
وأنه بحنكةٍ سوّى الموقف
وعدّل التاريخ.
جاءت دورة انتخابية
قالوا: عندما ينمو
لك شاربٌ تنتَخِب
وتناقلنا بيننا
كيف أبو سامر
قذف الوطن الجميل
– عبر التلفاز الكبير-
بكندرة؛
لم يلمنا أحد
فقد كنا صغاراً.
.. والآن كبرت
أصبَحَت فيروز أمي
وChris Rea أبي
لم يأخذ مني محمد نمر إيجاره
عندما أوصلني
وأشاهد محمد حمادة على Melody
وأعجب كيف
لا يداعب النهود
مهما تكوّمت حواليه
كما كان يحلم.
كبرتُ وصرت آكل تبغاً،
أتجشأ تبغاً،
أمرضُ تبغاً،
لم أدع شاربي ينمو،
لم أنتخب، لم أسافر
ولم أصبح شيئاً.
ــ
٭ مذيعا نشرة الأخبار الرئيسية آنذاك.
أحمـــد الزعــتري شاعر من الأردن