1 – لا أشبهك أيتها الريح
بعد قليل
ستغامر الذاكرة في انحدار الحياة
الوجوه الفارغة ستعرف أن تحتفظ
بالملح المتكسر
والأيدي سوف تغادر خفية
وحده ذلك البرد الجامد
سيقف منتظرا
أهو الخوف
حارس هذه السنين الداكنة
أهو اليقين
هذا الذي لا يحرس شيئا
أيتها المدينة
بعينين صامتتين
وقلب داكن
ثمة امرأة تراقب الطريق
وكمثل ليل ناس نجومه
ثمة رجل يتساقط
مودعا حضوره نحو البعيد
ثمة خطوات
تتساقط أيضا
2 – أثيــــر
فجأة الأرض ترتب نفسها… الموتى المتعالون يلملمون أرديتهم..
والماء المتواري يسيل بضجيج بين الحجارة المتهتكة… فجأة.. تعبق تلك الرائحة والمسافة مهما ابتعدت… صفر… يصبح الحنين قصائد متلاحقة والشغف يسيل مع القمر أو يشع كما الصباح… الشغف عنوان لكل دقيقتين أو لكل ثانية انتظار…
الأرض ترتب نفسها غير عابئة… الماء المتواري يسيل بين الحجارة المتهتكة باستهزاء… وحدهم الموتى يلملمون أرديتهم… مشفقين.
والكلام صرخة تطلع من السحيق… الكلام ارتعاشة في الجلد… وجل في الأصابع… الكلام خدر لذيذ يسيج القلب… الكلام أيضا محطة لكل خفقة ترقب…
ها هي الأرض ترتب نفسها بلا أسئلة… الماء المتواري ينساب بين الحجارة متمهلا … الموتى المتعالون ما زالوا يلملمون أرديتهم مشفقين…
وحده الغياب يفضح حقيقته الساطعة… الغياب يطلع من النافذة الضيقة… يدخل الجدران… الغياب أشكال على الجدران… الغياب بجلال قسوته يفيض على الجدران… يدخل السرير… ثم يفيض على السرير…
بلا مبالاة : تحاول الأرض ترتيب نفسها… الماء المتواري ينساب بين الحجارة الهازئة غير عابئ… والموتى يلملمون آخر أرديتهم مشفقين…
بينما الغبش يمد خيوطه في الجهات المتعددة… الغبش بيديه الطينيتين يلون الوجوه… الوجوه التي لا نعرفها… الوجوه التي نعرفها… الوجوه التي نعرفها جيدا … الوجوه التي اخترعناها… الغبش أيضا يلون أرواحنا المجهولة متشفيا …
هل أنهت الأرض ترتيب نفسها… الماء المتواري أما زال ينساب بين الحجارة الهازئة… هذاء الرداء الأخير هل نسيه الموتى المتعالون…?
أم هو العبث من يشهر حضوره الآن… العبث بسخريته القاتلة العبث… ها هي الأرض تنساب بين الحجارة المتهتكة…
3 – أصدقاء
الأصدقاء الممهورون بالوحشة
الأصدقاء المعلقون بين خيوط عناكب الذاكرة
الأصدقاء الأليفون
الطيبون
العاشقون
الأصدقاء المرميون على قارعة الروح
الأصدقاء الموشومون بغيابهم الأبدي
الأصدقاء…
فقط
4 – انعكاس
تلك الموجة العالية
تلك الموجة المتكسرة
باندفاعها الحائر نحو جهة مضطربة
خيل إلي
انها روح مشتتة
تقاوم الاطمئنان الأخير
تلك الموجة
المستوحشة
الجدران المتكسرة
ظلالنا المتروكة على الجدران المتكسرة
ظلالنا
القاتمة
أما من يد تفلت سوى
هذه الريح…?!
أما من فم يحضن هذا
الصراخ الناشز…?!
أيها الكلام
يا جدرا أمام تدفق الوجوه
أيها الكلام
المتهدم
العبث… والماء المتواري يعيد ترتيب نفسه… العبث… يوقف الموتى المشفقين… نلملم نحن آخر أرديتهم… ثم نغادر ذاهلين.
5 – منارة
الصامتة جدا
كمثل كرسي في مقهى مهجور
كنت أقف قبالتها
نتشارك الصمت نفسه
أنا بمعطفي الأسود الهالك
وهي بثوبها الأصفر الأزلي
كنت أقف قبالتها
ظهري للمدينة
ووجهي للبحر
وجهها للمدينة
وظهرها للبحر
كنت أقف قبالتها
لاشيء مما يحدث خلفي يعنيني
لا شيء مما يحدث خلفها يشغلها
كنت أقف قبالتها
أحسدها على ثباتها الدائم
تحسدني على حركتي الممكنة
كنت أقف قبالتها
أفكر بالرجل الوحيد الذي يرافقني
الرجل الذي تعرفت إليه للتو
وتفكر بالملايين الذين عرفتهم طويلا
ولم يرافقها أحد
كنت أقف قبالتها
قدماي لا تكادان تلامسان الأرض
ورأسي
أخفض من شجرة تتهاوى
قدماها مغروزتان في زمن عميق
ورأسها أعلى من إله متكبر
كنت أقف قبالتها
أشفق على وحدتها الناصعة
وتشفق هي
على وحشتي الملتبسة
كنت أقف قبالتها تماما
قبل أن أصبح رقما عابرا في لوح حسابها العتيق
تلك المفردة الشاهقة
تلك المنارة العتيقة
6 – رجــــل
المدينة التي أعرفها جيدا
الشاطئ الذي طالما تو ه خطواتي
المقهى… حيث أستطيع أن أحصي الطاولات
والفناجين والمنافض
الأرصفة
تلك الشاهدة على لحظات غبطتي
غرف الفنادق
وحشتي الطويلة
تلك التي تعرفها جدران الغرف جيدا
أرقام الهواتف التي أحفظها غيبا
أصحابها
خيبتي الدائمة
الأصدقاء
النميمة اليومية
الحنين
الموت الذي يتسلق عظامي
بعد كل رغبة
تفاصيل
تفاصيل
تفاصيل
الذي باشرني صوته فجأة
كمثل مطر مستل من الصحراء
الرجل الذي عرفته بالأمس فقط
الذي
وزع الدهشة
عاصفة
حول
يقيني
7 – صوت
لم يقل شيئا
…
…
…
أنا
اخترت
أن
أسمعه
8 – أطياف
(إلى سيف الرحبي)
الأطياف العالقة بأرواحنا
غير عابئة
الموت المستريح على أسرتنا
سنوات الهروب
والصراخ
والألم
السلالات التي تعبر الذاكرة بقسوة
هل تكفيها مقبرة واحدة
كي ننام مطمئنين…!
9 – غربـــة
(إلى اسكندر حبش)
ليست اليدان فقط
لحظات النشوة الهاربة
الخريف الذي ينتظر
مثلنا
السنوات التي تغادرنا
ما من أب يوقف كل هذا الموت
ما من
كتابة
أيضا
…
…
10 – خيبة
(إلى أحمد جان عثمان)
هل اخترنا أمكنة لا تشبهنا
هل انحزنا إلى ظلال لا طائل منها
كان علينا التواطؤ مع الفراغ
حيث لغز السقوط
يدمي عاليا
جدا
11 – حجـــر
(إلى قاسم حداد)
منذ ظلام أخير
منذ لغة لا توقف ظلاما أخيرا
منذ ما لا يسمى
ولا يشفى
منذ تشبث بنات نعش
بجثة السماء
منذ شك أخير
متحالف مع ارتياب قديم
منذ آخر حجر
كي يسند
تلك الذاكرة
….
21 – وحشـــة
(إلى رولا حسن)
كعصفور متشبث بحنجرته
تمسكنا الذاكرة دون أن ننتبه
بينما الوحشة
تعل قنا طويلا
على شرفاتها
كمثل نعناع
يرفض أن يفقد
لونه
أيها الطريق
ألا يكفي العابرون
كي يدلوا عليك
أيتها الأضواء
ألا يكفي صخبك كي يدل
على المدينة
أيتها الوحشة
ألا تكفي امرأة كي تدل
على سطوتك
لا أشبهك أيتها الصحراء
هي الريح في قلبي
لا أشبهك أيها البحر
هو الرمل يشاطئ عيني
هناك في اللامكان
حيث الريح تحالف الصمت
حيث العالم يبحث عن ظله
هناك
حيث يرتعش الزمن
غريب ؛أنت«..?
….
….
تعال نتقاسم القفار
أن نعبر الأسماء
أن نتبادل السنين
أن نستأنف هذه الأحجية
حيث ما من تتمة
ولا تمهل
غريب أنت…?
….
تعال نتشارك العزلة
والأرض الذابلة