دوران
مازلت أتذكر ذلك الدوران الذي انتابني قديما. لقد غافلته وتوقفت عند حدود التلفت فقط ولكن ببط ء وإذا ما نظرت الى الأعلى أو الى الأسفل وقعت مغشيا علي. لذا فقد توقفت أيضا عن مط رقبتي لأي جهة.
لكني تعبت من تقمص الأشياء وبدأ الدوران يعاودني شيئا فشيئا وأكاد استجيب له ، كنت فيما سبق أدور حول الأشياء وأصنع لها في خيالي ما أريد سواء كنت نائما أو قائما سائرا أو جالسا متكلما أو صامتا.
أرى الأشياء واحددها أدور حولها أولا وأدخل فيما أريد في حدود دوراني.
الآن وبعد هذا العمر الطويل صرت أدور حول نفسي فقط ولكن دون نتيجة اذا تكلمت رددت ما قلته دون كلل واذا ما قرأت أو كتبت أعدت ما فعلته مشات المرات دون أن أدري. في لحظات مختلسة بين دوران وآخر أستعيد أنفاسي وأعرف أني أكرر نفسي ولكني وقبل أن أجد الحل لانقذ نفسي من هذا الدوران الى الأبد، أبدأ بالدوران حول نفسي مرة أخرى.
قد تعتقدون أن ما أعانيه في هذه الحالة شيء سييء. لكن بالعكس من ذلك فإن دوراني حول الأشياء ثم حول نفسي حاليا يجعلني في تجدد دائم في كل دقيقة وسأشرح لكم ما أراه بالضبط.
عندما تبدأ الحالة فبدايتها لا تكون أبدا واحدة أو متساوية فمرة مثلا أكون واقفا أكلم نفسي أو ممددا على فراشي أو منتظرا للأكل أو جالسا أكتب أو أقرأ أو أتكلم مع الآخرين. لكن المهم هو الكيفية عفوا فقد أثقلت عليكم بالشرح في أي حالة من هذه الحالات لابد لي أن أمسك بداية بزمام حلقي وأغمض عيني ولابد من الشعور بالغثيان في كل الحالات :
1 – أراني في مغارة كبيرة لا أدري من أين يأتيها الضوء لكن كلما اقتربت وسرت نحو الامام تزداد الطريق طولا وعلى طول هذه الطريق تبدو الطيور وهي تتطاير من كل الاتجاهات وأظل أسير وأسير ولا تنتهي الطريق ولا تتوقف الطيور عن الطيران.
2- أراني في جوه السماء -لا أدري ان كنت ماشيا أو طائرا- المهم أني ما بين السماء والارض. ولا أراها مضاءة بل كأنه ليل بلا نجوم ما عدا ضوء قليل في العين لا أبحث عن شي ء وكأني شي ء من لا شي ء.
3- أرتاح كثيرا عندما يأتي هذا المشهد الذي أنا فيه في قرية فانية كل سكانها عراة لا يأكلون ولا يشربون ولا يفعلون أي شي 0مما نفعله ما عدا انهم يظلون سابحين في أنهار مياهها ضاحكة.
مازلت أتذكر ذلك الدوران الذي انتابني قديما. لقد غافلته وتوقفت عند حدود (هذه لحظة مختلسة أعتذر لكم عن تكرار نفسي فقد داهمني الدوران ).
البحر الزجاجي
على شاطيء البحر جلس يتنسم هواءه ويبثه آلامه وأحلامه ، وبينما كان بعض الماء يصل الى رجليه يغسلهما ويداعبهما ذهابا وايابا جاءته فكرة لمد هذا البحر وجزره :
– لماذا لا أبني بحرا زجاجيا مكونا من أربعة حيطان ، عندما يأتي المد نفتح الحائط الأمامي المواجه للبحر فيدخل الماء بما فيه من اسمان وعندما ينتهي المد نفلق هذا الحائط وهكذا دواليك حتى يمتليء بحري الزجاجي وبدلا من أن ندخل البحر الى الأعماق لنرى ما فيه يكفي أن نقف وقفة عادية أو نجلس أو نستلقي على ظهورنا فنرى البحر من الأعلى الى الأعماق دون مشقة أو تعب :
– اه.. نعم.
وقف بسرعة فرحا لهذه الفكرة وأخذ يروح ويجيء، حاكا رأسه مرة ومرة يضع أصبعه على فمه ثم تمدد على الرمل رافعا رجلا فوق رجل انه حلم جميل.. بل فكرة يحب تحقيقها ولكن.. كيف ؟ هكذا قال.
كان الليل قد بدأ باسدال ستاره وزادت الأمواج تلاطما واشتدت حركة المد والجزر حيث كان الماء يصل الى صدره دون أن يحدث فيه أية رعشة لأنه كان غارقا في تفكيره سارح الذهن في كيفية صنع البحر الزجاجي.
زاد المد تقدما حتى غطى رأسه وزاد الجزر. فى لكنه عندما كان يحس بالانسحاب رويدا يقول بذهن حالم :
– هكذا سيغطي بحري رامي وسأسبح فيه كثيرا وسأصنع نافذة في الأسفل _ كان الجزر يسحبه الى البحر _ وعندما أحس أني لا أستطيع الاستمرار في السباحة أفتح النافذة وأخرج. عندما فتح عينيه لم يستطع أن يميز أين هو فقد كان الليل وكان البحر بتموجاته.
أفراح الصديق (قاصة من اليمن)