أشياء عابرة
فخ صغير، كعادتك لم تلاحظه،، ووقعت فيه، وبعد أن أحكم حولك، تبينت كيف هو من صنعك انت وليس من صنعها.
توهمت أن حضورها في حياتك طوع رغبتك. سهل. ميسر.
لا يكلفك سوى أن تردد اسمها بشوق بين وقت وآخر، وأن تبدع في تدبير حجة لتأخرك في الاتصال بها أو في عدم مقدرتك على السفر معها الى محافظتها ليلا وهي عائدة الى البيت.
توهمت أنها باقية مادمت قد فاجأتها بمشاعر متدفقة مرة، مرتين، ثلاثا، وأن المفاجأة أسعدتها وستظل تتذكرها حتى ولو نمت بعدما طويلا بدون أن تفكر في أنها جوارك. توهمت ان صمتها أو تعليقاتها السريعة على عدم تركيزك معها مجرد أشياء يمكن أن توضع في الدولاب بعد النظر اليها سريعا.
وحينما قالت «سأبتعد» ظننت أنها حيلة لتعاود الاتصال بها كثيرا في بيتها أو في الأماكن التي لا تتوقع فيها أن تتصل بها وتقول «أحبك».
ومع طول بعدها. أبصرت الفخ، وكثرت في أحلامك عربات البيجو التي تتصادم وتنقلب وتنفجر ورغم ذلك تواصل السفر بركابها الصامتين.
أن تنتظر
دون أن تكون مهيأ لذلك تترك هي وتتوارى وراء ستار سميك. تحدس بوجودها، فتخرج رأسها وتسألك عن أحوالك فتجيب وانت تثق في أنها ستختفي سريعا وسيعود الستار بينكما.
تحاول أن تتذكر بماذا أجبتها، فتعرف ان كل اجاباتك كانت محاولة بائسة لتصطنع الاتزان والقدرة والقوة، ولم تكشف عن حالك وأنت تعيش أمام ستار لا يمنحك إلا تموجات تكاد أن تختفي.
نافذة قريبة
أستطيع أن أصفك، وأن أقلد طريقتك في الكلام، وأضحك ضحكتك. حينما تتهربين من الاجابة على سؤال ما، والتفت التفاتاتك المتسارعة الى كل الأنحاء اثناء تفكيرك في أمر يشغلك.
هكذا ترين أنني صرت قادرا على أن أكون شخصين، وأحيانا أكثر حينما أقلد كلامنا في شجارنا الذي سرعان ما ينقلب الى أن نتبادل آخر نكتة.
لا أخفي عليك، يرهقني – هذه الأيام – هذا الشخص الآخر أو الآخرون بعد غيابك فجأة، وأفكر في وسيلة أغيبهم معك أو أطرح بهم من أقرب نافذة. يرهقونني ويدفعونني الى أن أكون قربك رغم أنفك فلم تزل في حياتهم بقية. أعرف ستغضبين من "رغم أنفك" وسأغضب من توقفك عند كلمة قيلت عفو الخاطر. وسيفرح الشخص الآخر الذي أكونه وأنا أقلد غضبك وسيعانقنا الآخرون الذين أكونهم كلما تراوحنا سريعا بين الغضب والضحك.
صفحات كتاب قديم
أحيانا تشعر بهذا، أن الكلمات المكتوبة تضيق الحياة، وتجعلها جملا يجب أن ننطقها صحيحة قبل أن نشعر بها، دائما الشعور مؤجل مع الكلمات المنتظمة في صفحة من الصفحات.
الآن لا تريد أن تكتب كلمة اليها، ترغب في أن تكلمها في داخلك بدون تفكير في وقت يمر أو في إرهاق يلم بك.
تكلمها وأنت تثق في سماعها لك أو أنها ستسمعك في لحظة ما قبل أن تنام أو عند خروجها من باب بيتها بينما تنظر الى وجوه الناس في الشارع.
تصرف عن خيالك صوت تقليب صفحات كتاب تشرد معه قليلا، وتتوهم أنك تقرأ منه ما تقوله. تحرص على أن يكون كلامك اليها مرسلا، عفويا، يومض، يبرق، تفهمه أنت، وتفهمه هي، ولا يفهمه هذا الكتاب الذي يطارد خيالك ويحاول أن يضم ويلم بكل ما تنطقه.
ويمر وقت، ويطول كلامك ثم يحل صمت لا يسمع فيه سوى صوت تمزيقكما الكتاب وأنتما تتفقان على موعد تكملان فيه الكلام حتى الصباح.
علامات استفهام
تلك التشبيهات محيرة أمامك بعد ما كتبتها بدون تردد محاولا العثور على تشبيه يقبض على طبيعة حالتك في هذه الأيام لكنك لم تجد سوى تشبيهات باهتة ولا يملك أي منها.
شطبت عليها كلها، وكتبت اسمها، عمرها، عملها، سكنها، سجلت في الورقة البيضاء كل ما تعرفه عنها دون أن تدع لأ ي مجاز أن يقتحم أو يشارك في الكتابة، ثم وضعت علامة استفهام أمام أية معلومة لا تثق فيها مثل: فصيلة الدم. ألوانها المحببة ومن تحب ؟ وقرأت الورقة الممتلئة وأنت تشعر كأنك تسجل بيانات مولودك قبل أن يولد بكثير.
أشياء كثيرة
سنحاول ترتيب مكاننا معا، وكأننا شخصان استلما شقتهما الجديدة وعليهما أن يختارا الأماكن المناسبة لقطع الأثاث.
لابد أن نحذر التسرع، فهذه المرة – وربما تكون الأخيرة – يجب عدم ترك نفاد صبرنا هو الدافع – مثلا – الى وضع المائدة الصغيرة تحت النافذة المطلة على خلفية العمارة، ونظل بعدها، كما ظللنا من قبل – نشعر بأن هناك شيئا لا يريحنا كلما جلسنا في الصالة.
ليس صعبا أن ننظر الى المكان نظرة مستأجرين جديدين. وان أعاقتنا الذكريات التي تطل علينا من كل جزء فيه، فلنكتف بأن ننسبها لمن سكنا هذا المكان قبلنا، ونؤكد اختلافنا عنهما، ونتعجب من إهمالهما تغيير جرس الباب، على الرغم من أن صوته يثير الاعصاب، ويكسب الضيف القادم صفة المزعج حتى وان كنا في انتظاره.
ما رأيك ؟ أليس من الأفضل أن نستبدل بتلك الستائر أخرى أقل سمكا وتتماوج ما إن يلامسها هواء خفيف.
لن أمانع من إخراج الكليم من تحت السرير، ونفرش به أرضية غرفة المكتب بدلا من هذه السجادة ذات اللون الأخضر الذي استحال الى لون آخر كامد ومترب.
لن يهمنا ألوان الكليم الغريبة والمتداخلة، يكفي أنها تذكرنا بقصاصات الأقمشة التي ظللنا نجمعها ونصلها ببعضها بعضا ونكورها في كرات، وذهبنا الى الجالس خلف النول الضخم، وبعد أسبوع استلمنا الكليم.
أشياء كثيرة تنتظر حضورنا وتهيىء نفسها لحياة سنبدأها، بل وفي أحيان أراها وكأنها تلف وتدور في كل الغرف بحركات عصبية وقد غلبها الشوق الى رؤيتنا معا من جديد.
أسماء
– يجب الا نتحسر على وجود الفرق الدائم بين ما فتمناه وما نجده، بين حبنا لأحد وما يحدث في العلاقة معه، يبدو أن الفرق بين الأمرين طبيعة حياة.
وافقني على هذا، وأكده بأساليب مختلفة. لفنا صمت، شعرت معه بأن كلا منا يفكر فيما قلناه على حدة، قلت:
– في أخر لقاء لي معها، أسهبت في ذكر الفرق بين ما كانت تظنه وما فعلته أنا، وظلت تردد الفروق الكثيرة حتى ظننت أن هناك فرقا بين أسمي الحقيقي والاسم الذي تعرفه عني.
التفت لي بعد أن ظل ينظر الى نقطة بعيدة، وقال:
– في حلم رأيت أناسا كنت واثقا أنهم لا يعرفون بعضهم بعضا، كانوا مجتمعين معا ويتبادلون أطراف حديث لم أعرف ما هو، لكنني كنت مهموما وكأنني أفهم كل ما يقال. سألوني عن رأيي، فرحت أردد اسم كل واحد منهم، وما إن أنطقه حتى يختفي صاحبه. ولم تبق معي سوى مقاعد متناثرة، من بعيد سمعتهم ينادون علي، وفي كل مرة ينطقون باسمي أجد شبيها لي يجلس على مقعد حتى ازدحم المكان بي فخشيت أن أجيبهم حتى لا أختفي.
هممت بمحاولة تفسير حلمه، لكنه دفع حساب المقهى وتركنا مقعدينا، وسرنا معا وقبل أن يودعني قال:
– لماذا حتى في الحلم نكون حيث لا نريد؟.
منتصر القفاش (كاتب من مصر)