حسين السوداني
باحث تونسي
تهدف هذه الورقة إلى تتبع المسار التطوري للاهتمام البحثي والجمعياتي بلغة الإشارات في البيئة العربية. وللبحث في هذه الموضوع يترابط تاريخ اللغة بتاريخ مستعمليها. وفي غياب ترابط تسلسلي سببي جليّ في تاريخ هذه اللغة يجد الباحث نفسه مضطرا للحفر في الروابط الممكنة بين الأحداث المتباعدة زمنيا، ومما يجعل هذا التتبع عسيرا غيابُ التوثيق للغة الإشارات العربية لا سيما إذا اعتبرنا عدم توفّر أطر تنسيقية بين الجهود العربية المهتمة بالصم.
واستدعى الخوضُ في هذا الموضوع الدخولَ إليه بتوطئة ذات خلفية أنثروبولوجية وسَمناها بعنوان “لغة الإشارات من المجالس إلى البلاطات”، وفي عنصر ثان درسنا الصلة المتينة بين لغة الإشارات والنضال الجمعياتي في البيئة العربية، وهي المرحلة التي مهدت لانتقال الاهتمام بلغة الإشارات من الأطر الجمعياتية إلى مدارج الجامعة، وقد خصصنا الحالة التونسية بالنظر في هذا القسم نظرا لتوفر حاضنة بحثية تعليمية جامعية رسمية تهتم بلغة الإشارات في تونس تدريسا وبحثا. وتوّجنا هذه الأقسام الثلاثة بما نراه من الأسس النظرية الوصفية والمعيارية لتدريس لغة الإشارات. وعلى سبيل الحوصلة والوصل بين المتباعدات ذيّلنا الورقة بمسرد تاريخي حوصلنا فيه الأحداث التاريخية الكبرى ذات العلاقة بالصم وبلغتهم في البيئة العربية.
ظلّ الاهتمام العربي بلغة الإشارات مرتبطا ارتباطا وثيقا بمعطيين أساسيين؛ أولهما اعتبار الصَّمم إعاقة، وذلك على نحو يجعل الاهتمام بالتواصل الإشاريّ ذا صبغة اجتماعية تعاونية تحركها روح المساعدة وواجب نصرة الضعيف، والمعطى الثاني أنّ الإطار الجمعياتي هو الحاضنة التي تؤطّر الأنشطة المتعلقة بالصمّ، ولكن العمل الجمعياتي منه الحكوميّ الذي ترعاه الدولة وتحدد إطاره العام وسياسته، ومنه غير الحكوميّ الذي يتمتع بدرجة من الاستقلالية، والجامع بين الوجهين أنّ أكثر الجمعيات يؤسسها وينشط فيها ناطقون أساسا، ولذلك تعدّ مخرجاتها محلّ نظر من الناحية العلمية التقنية، وتظلّ أنشطتها محلّ ريبة ونفور في عالم الصمّ.
1-لغة الإشارات من
المجالس إلى البلاطات
ارتبط وجود الصم في البيئة العربية بالمجالس التي يحرص العرب فيها على عدم إفشاء أسرار ما يدور في مجالسهم من أحاديث، وهو أمر له أثر في حيثيات شرب القهوة اليوم في مجالس العرب، فقد كان العرب يحرصون على أن يكون الساقي أصمّ أبكم غير قادر على تبيّن ما يدور في المجالس، وكانت للساقي حركات معلومة في المجالس، وهي المرتبطة بسقاية القهوة، فعند إتمام شرب القهوة يُحرَّك فنجان القهوة بين الأنامل بطريقة معلومة يفهم منها الساقي اكتفاء شارب القهوة منها.
وقد كان التقليد نفسه متَّبعا في البلاط العثماني حيث كان القصر يستعين بالصم في السياقات التي يُخشى فيها من إفشاء الأسرار، وربما كان الأتراك آخذين هذا التقليد عن الفرس لأنّ الكلمة التي كانت تطلق على الأصم وقتئذ هي الكلمة الفارسية “بي زبان”، وتقابلها في التركية الكلمة “ديلسز”، ويذكر المؤرخون أن السلطان محمد الفاتح (1432 – 1481) هو من بادر بتشغيل الصم في القصر العثماني في قسمه الداخلي الذي يضم مدرسة ومكاتب عمل، ويُطلق عليه اسم “أندرون”، وبلغ عدد الصم فيه في نهاية القرن السابع عشر حوالي عشرة، لكن لم يكونوا يتوقون إلى مراتب عالية داخل القصر. وربما استُعين بالصم في وظائف خارج القصر مثل الحجابة. وإذ كان الهدوء من أبّهة حياة القصر ومقتضيات الوقار أمام السلطان فإنّ لغة الإشارات كانت أداة تواصل مناسبة لمراسم الحياة في القصر، فغدا إتقانها ضربا من الكفاءة التي تليق بالحياة السلطانية، وقد يكون السلطان عثمان الثاني (1618-1622) أول سلطان أتقن لغة الإشارات، فبلغ عدد الصم الموظَّفين في القصر في عهده المئة، واستقرت لغة الإشارات ضربا من التواصل المشفَّر بين السلطان والصمّ(1).
ولخصوصية نظام التواصل الإشاري استقرت في البلاط التركي مجموعة من الإشارات موردها الصمّ، وأصبحت إشارات أيقونية، فكان يشار إلى السلطان بفتح أصابع اليد اليمنى وتقريبها من الرأس على نحو يحاكي الريشة التي تكون على عمامة السلطان. ويشار إلى الصدر الأعظم بضم قبضة اليد اليمنى ورفع إصبع الإبهام إلى الأعلى. ويشار إلى شيخ الإسلام بالإمساك بكمّ اليد اليمنى وجرّه إلى الأسفل في إشارة إلى الأكمام الواسعة التي تميز لباس شيخ الإسلام، ثم يقوم المؤشّر بحركات دائرية فوق رأسه لمحاكاة طريقة لف العمامة.
وتدريجيا انتشرت إشارات تتعلق بوظائف الدولة، فأشير إلى ناظر الحربية بوضع الذراع اليمنى على الكتف اليسرى بسرعة على منوال حركة “كتفًا سلاح”. وأشير إلى ناظر البحرية برفع اليد اليمنى بحيث تكون راحة اليد إلى الأعلى مع النفخ فيها مثل المركب الشراعي. وأشير إلى ناظر الداخلية بتمرير اليد اليمنى على البطن في إشارة إلى الأعضاء الداخلية بالجسد. ورُمز إلى ناظر الخارجية بوضع سبابة اليد اليمنى على سبابة اليد اليسرى في شكل الصليب لأن عمل ناظر الخارجية يكون مع الأجانب والدول الأوروبية، وأشير إلى وزير العدل برفع اليد قليلا كما لو أنها تُمسك بميزان، وأشير إلى قائد الشرطة بوضع معصمي اليد فوق بعضهما بصورة متقاطعة.
وقد كان للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني أثر واضح في العناية بتعليم الصم، فبعد مرافقة لأبيه في رحلة إلى أوروبا في الفترة من 21 يونيو/حزيران إلى 7 أغسطس/آب عام 1867 سعى إلى تحديث التعليم ومؤسسات الدولة، فكان من ذلك إنشاء مدارس متخصصة كمدارس الصم والبكم والمكفوفين(2).
ولعل أول مدرسة عربية تأسست للصمّ تلك التي أسستها سيدة دنماركية تدعى (تسوتسو) في مدينة الإسكندرية في العام 1933، ثم تلتها مدرسة أخرى للصم في الكويت في العام 1959 فمدرسة أخرى في الأردن للصم أسسها في العام 1964 القس الأنغليكاني الأب أندويخ(3).
2-لغة الإشارات والنضال
الجمعياتي في البيئة العربية
يظلّ غيابُ الصم أو تغييبهم عن الفعاليات المتعلقة بهم أساسَ أكثر ما يبدو من نفورهم عما يَعُدّه غيرهم مكاسب حقوقية لهم، فلم يتعامل كثير من الصمّ مع هذه الفعاليات إلا من حيث هي مساع من الناطقين لتحصيل مكاسب على حساب الصمّ؛ ومن الطريف أنّ يتزامن في العام 1989 قرار ثلاث دول عربية هي مصر والأردن وتونس بمرافقة الأخبار المقروءة بترجمة إشارية، ففي تونس مثلا جعل التلفزيون التونسي بداية ترجمة إشارية موازية لنشرة الأخبار كان يقدمها في البداية الأستاذ منصف عز الدين بتأطير من علي الواتي (1938- 2004)(4) الذي كان له أثر كبير في تأطير لغة الإشارات التونسية وما يتعلق بجمعيات الصم من أنشطة، وساعده تنقله بين تونس وفرنسا في تبادل الخبرات مع فرنسيين على صلة بلغة الإشارات لا سيما وهو أصم لأبوين ناطقين، وله أخت وأخ أصمان، على أنّ سُنّة النشرات الإشارية تعدّ حدثا إعلاميا بارزا في تاريخ الصمّ وله أثر مهم في لفت النظر إلى الخصوصيات التواصلية لهذه الشريحة الاجتماعية، والأكيد أن تاريخ الأول من شهر أغسطس 2002(5) يعدّ حدثا مرجعيا لما كانت إذاعة قناة الجزيرة القطرية لأولى نشراتها الإخبارية مصحوبة بترجمة إشارية، وهي القناة واسعة الانتشار والمتابعة، فقد اقترحت الجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة على قناة الجزيرة استحداث خدمة الأخبار بلغة الإشارة، فثمّنت إدارة القناة المقترح، وكان التحاق سمير سمرين بالقناة في 2002 خطوة مهمة في بداية تجربة الترجمة الإشارية في الجزيرة، ثم تعزز فريق الترجمة بكل من ناجي زكارنة ومحمد البنعلي.
ولا يختلف تاريخ لغة الإشارات في السياق العربي عنه في السياق الغربي من حيث ارتباط تاريخ هذه اللغة بالتاريخ النضاليّ لمستعمليها من جهة، ومن حيث تأخر الوعي العلمي باللغة عن البعد الاجتماعي فيها من جهة أخرى، غير أن التأخر في السياق العربي أوضح، ويبدو أن أقدم الجمعيات الراعية للصم كانت في تونس ومصر؛ ففي تونس تأسست في 10 يونيو 1970 الجمعية التونسية لمساعدة الصم (Association Tunisienne d’aide aux Sourds) وتدعى اختصارا (ATAS)، ولها فروع في كل المحافظات التونسية، ويعدّ هذا الاهتمام مبكّرا قياسا ببقية الدول العربية، وتعزز دور هذه الجمعية بتأسيس جمعية رديفة أخرى في العام 1979، هي جمعية رعاية فاقدي السمع (Association de Soutien aux Déficients Auditifs ) وتدعى اختصارا (ASDA).
وفي العام (1972) صدر القاموس الإشاري المصري الذي أعدته الجمعية الأهلية المصرية لرعاية الصم، وهي جمعية حكومية تعمل تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية، وفي المؤتمر العربي الثالث المنعقد في 1978 كانت مطالبة الصم بتشريكهم في المؤتمرات الرسمية، وهي المطالبة التي كان لها صدى في الندوة التي انعقدت في سورية في 1983 حين وقع تشريك بعض الصمّ، فكان حضورهم مميزا. فلذلك كانت أواسط الثمانينيات من القرن العشرين فترة انطلاق الاهتمام العربي بلغة الإشارات وشرعت بعض المدارس في استخدامها، وكان للصم إسهام مهم في تعزيز هذا النجاح لاسيما بعد انتشار أندية جمعيات عربية للصم، فكان العمل الجمعياتي حاضنة للتعريف بقضايا الصمّ وخصوصية نظامهم التواصليّ. ولما انعقد المؤتمر السادس للهيئات العاملة في رعاية الصم في دولة الإمارات العربية المتحدة بمدينة الشارقة سنة 1991 اعتُمدت لغة الإشارة رسميا وبدأت الدول العربية تتجه نحو استعمال لغة الإشارة في تدريس الصم، وتضافر ذلك مع ما أصبحت تتجه إليه بعض المدارس العربية والدول المتقدمة من اعتماد منهج “التواصل الكليّ” (Total Communication)، وهو المنهج الذي صاغه روي هولكومب (Roy Holcomb) داعيا فيه إلى بناء تواصل تتضافر فيه كل مداخل الإبلاغ الممكنة مثل لغة الإشارة والكلام وقراءة الشفاه والمعينات السمعية وغيرها، ولذلك الاتصال يعمد المعلمون وفق هذا المنهج إلى تأشير الكلمات المقابلة لما يقولونه في نفس الوقت(6).
تزامن مؤتمر الشارقة (1991) مع مساعي عدة دول عربية في مطلع تسعينيات القرن العشرين إلى إصدار قواميس إشارية، فكان إصدار القاموس الإشاري الأردني في العام 1990، وفي نفس العام انعقدت في الأردن أول دورة تدريبية برعاية وزارة الصحة نظمها المركز الوطني للسمعيات واستمرت الدورة لمدة عام(7). ثم اتجهت دول عربية عديدة إلى إصدار قواميس محلية لتوثيق أنظمة التواصل الإشاري عند كل منها، فكانت من ذلك محاولات كل من مصر والأردن وفلسطين وليبيا والعراق والإمارات والكويت والسعودية والمغرب والسودان وموريتانيا وقطر وسلطنة عُمان وسوريا ولبنان وتونس(8).
وتقديرنا أنّ إنتاج هذه القواميس بني على غياب وعي علميّ لسانيّ بالظاهرة اللغوية بشكل عام ولغة الإشارات بوجه خاص، فالناظر في هذه الفترة لا يجد بحوثا لسانية تتعلق بهذه اللغة وتؤطّر الأنشطة والمخرجات العلمية والتعليمية والبيداغوجية المتعلقة بها، ولو توفّر ذلك لأُنجزت مخرجات أخرى تتعلق بغير المستوى المعجمي كالمستويين الصرفي والتركيبي. والأكيد أن هذه البحوث لو توفّرت لكانت بدورها أرضية لبناء علوم لغوية إشارية على منوال علوم اللغة المنطوقة، فعالم لغة الإشارات لا يزال يفتقر اليوم إلى علوم تتعلق ببلاغة اللغة الإشارية وآدابها وفنونها، وهي مستويات من العلم لا يفتقر إليها الصمّ وحدهم، بل يفتقر إليها كل الباحثين في اللسانيات والسيميائيات، وحين تتوفر ستكون ذخيرة ثمينة للباحثين في التواصل الإنساني بشكل عام.
ومن الملاحظ أنّ الفعاليات المتعلقة بلغة الإشارات العربية تؤطرها فكرة مركزية هي تأسيس لغة إشارات عربية موحدة على غرار اللغة العربية الفصحى بالنسبة إلى الناطقين، وهو تصوّر ينسجم من حيث الإطار العام وفكرة القومية العربية، ومن أوجه التوحيد ما كان في سورية في شهر أغسطس من العام 1984 حين تم إقرار مشروع أبجدية الأصابع الذي قدمته لجنة الخبراء للندوة العلمية التي انعقدت في دمشق على أن تتولى كل من الدول العربية تقويم هذه الأبجدية خلال فترة زمنية لا تقل عن سنتين. وقد تم اعتماد أبجدية الأصابع الإشارية العربية بعد إضافة الإشارة الخاصة بلام التعريف وطباعتها وتوزيعها بشكلها النهائي على الدول العربية في العام 1986، وهي الأبجدية المعتمدة والمستخدمة حتى الآن(9).
وداخل الإطار التوحيدي العربي أنجزت ثلاثة مشاريع كبرى متعاقبة في الزمن مترابطة في الغايات؛ فالمشروع الأول كان بمبادرة من مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب لما اتخذ قرارا لتوثيق اللغة الإشارية العربية والخروج بقاموس عربي موحد، وبالفعل دشن الصم العرب القاموس الإشاري العربي الأول برعاية جامعة الدول العربية ومشاركة فاعلة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والاتحاد العربي للهيئات العاملة برعاية الأشخاص الصم، وكان ذلك في مملكة البحرين في العام 1999، وصدر الجزء الأول منه في العام 2000 بعنوان “القاموس الإشاري العربي للصم”.
والمشروع الثاني تجند له سمير سمرين المترجم بقناة الجزيرة بمعية سمير الرامزي بداية من العام 1997 إذ شرعا في تجميع المادة العلمية لإعداد “الأطلس الإشاري لأسماء دول ومدن العالم” وتم إنجازه عام 2004 برعاية الجمعية القطرية لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث حظي هذا العمل بإجماع عربي وعالمي وساهم في تعريف الأشخاص الصم على مستوى العالم بأسماء دول ومناطق الآخرين كما يسميها كل في بلده (10).
وقد كان هذان المشروعان أرضية لمشروع ثالث يُعدّه سمير سمرين مكملا لهما، وهو المشروع الذي عُقدت له ورشة عمل خلال الفترة الممتدة من 19 حتى 29 ديسمبر من العام 2005 في دولة قطر، وكانت الغاية من ورشة العمل توحيد اللغة الإشارية، وذلك بالتنسيق مع جامعة الدول العربية ممثلة بالأمانة العامة لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب والاتحاد العربي للهيئات العاملة برعاية الأشخاص الصم والمنظمة العربية للثقافة والعلوم، وشارك في هذه الورشة ثماني عشرة دولة عربية ساهمت في إنجاز أكثر من ألف وستمائة مصطلح إشاري، وتم تدشين القاموس الإشاري العربي الموحد للأشخاص الصم في جزئه الثاني في يوم الاثنين 12 فبراير 2007.
وفي تقديم سمير سمرين لهذه المشاريع ما يدلّ على أنّ الأمر لم يكن محل إجماع جميع الصمّ العرب، يقول سمير سمرين: رغم الاعتراضات على مشروع توحيد اللغة الإشارية إلا أنه خلق الحافز والتحدي عند الأشخاص الصم العرب لتطوير لغتهم الإشارية المحلية، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن لغة الإشارة العربية الموحدة ساعدت الأشخاص الصم العرب في كسر حاجز العزلة من خلال استخدامها في معظم المحطات الفضائية العربية، بالتالي أصبح للشخص الأصم العربي لغة إشارة عربية موحدة ولغة محلية. ويقول مؤيدو اللغة الإشارية الموحدة أنها جاءت لتستخدم في الملتقيات العربية الخاصة بالأشخاص الصم أسوة بلغة الإشارة الدولية التي تستخدم في ملتقيات الاتحاد العالمي للصم، ولم تأت لتلغي الإشارة المحلية، بل على العكس فإن الإشارات المحلية هي التي ستثري الإشارة العربية وتكون الرافد والأساس لتطويرها”(11).
ومن المشاريع المهمة ما أُنجز بإشراف وزارة الأوقاف القطرية بهدف توثيق المصطلحات الدينية بلغة الإشارة وتوحيدها، وقد فرغت اللجنة العلمية من إتمام ذلك في 2012 حين دشن المركز القطري الثقافي الاجتماعي للصم القاموس الإشاري الإسلامي في حفل رسمي حضره وزير الثقافة، ويتضمن هذا القاموس ألف علامة إشارية مع ترجمتيها العربية والإنجليزية.
3-لغة الإشارات من الأطر الجمعياتية إلى مدارج الجامعة: الحالة التونسية
تعدّ الحالة التونسية المتعلقة بالصم على درجة من الخصوصية؛ فقد تأسست منذ مطلع السبعينيات جمعيات للصم وتطوّر الاهتمام حتى غدت لغة الإشارات اختصاصا يدرَّس في الجامعة في مستويَي الإجازة والماجستير، فتوفرت حاضنة رسمية تعليمية وبحثية لهذا النظام التواصليّ، وخلال عقدين من عمر هذا الاختصاص وفّرت الجامعة مترجمين للغة الإشارة وباحثين منهم من سافر لإعداد أطروحة الدكتوراه في جامعات أوربية.
ويعدّ الجانب الإحصائي لعدد الصم في ذاته مؤشّرا على واقعهم في تونس، فالأرقام التي تقدَّم كلها تقديرات تعرض أرقاما متباعدة، من ذلك أن التقديرات الإحصائية التونسية لا تحصي الصمّ في ذاتهم وإنما تحصيهم ضمن خانة ذوي الإعاقة، وهو أمر يدل على خلفية تصوّرية للصم لا باعتبارهم مختلفين كما هو في المقاربات النفسية والاجتماعية والبيداغوجية، وإنما من حيث هم معاقون، فقد أشارت نتائج الإحصاء الوطني للعام 2014 إلى أن 2,3% من الشعب التونسي (نحو 252 ألف شخص) يعانون من إعاقة، و37% منهم هم أطفال يواجه 16% منهم إعاقات سمعية(12).
وفي مقال آخر نُسب إلى الإحصاءات الرسمية أنها تشير إلى أنّ عدد فاقدي حاسة السمع يتجاوز 200 ألف تونسي، بنسبة 13 في المائة من أصحاب الإعاقات، كما أنهم يمثلون نسبة تقارب 1.7 في المائة من مجموع السكان(13). وتقدر الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارات والأكاديمية الرياضية للصم بتونس بأنّ عدد الصم يقارب 150 ألفا. وحسب موقع (Directinfo) تقدر نسبة حاملي الإعاقة السمعية بالنسبة 28,3%: من عموم 208 آلاف معاقا(14).
وقد سبقت منا الإشارة إلى تأسيس الجمعية التونسية لمساعدة الصم في مطلع سبعينيات القرن العشرين بفروع في كل المحافظات التونسية، ويعدّ ذلك اهتماما مبكّرا قياسا ببقية الدول العربية، وتعزز دور هذه الجمعية بتأسيس جمعية رديفة أخرى في العام 1979، هي جمعية رعاية فاقدي السمع، ويضاف إلى ذلك تأسيس مجموعة من الصم في العام 1983 جمعية صوت الأصم، وهذه الجمعيات حكومية، ولذلك تحظى برعاية الدولة ولبعضها فروع في بقية محافظات الدولة كما هو الحال بالنسبة إلى الجمعية التونسية لمساعدة الصم.
وأما الجمعيات غير الحكوميّة فكثير منها نشأ بعد 2011 أي بعد طفرة العمل الجمعياتي في تونس، وأقدم جمعية غير حكومية هي جمعية صوت الأصم التونسي (AVST)، وقد تأسست في 15 فبراير 1983، ومن الجمعيات التي نشأت بعد الثورة الأكاديمية الرياضية والتربوية للصم بتونس (ASEST)، وقد أسسها مجموعة من الناشطين في خريف 2012. ومما عزز هذا البناء التراكمي تأسيسُ جمعيات تهتم بلغة الإشارة في بعدها العلمي التعليمي، ومنها جمعية إشارة (ICHARA) التي كان بعض أعضائها ضمن هيئة التدريس في قسم لغة الإشارات في المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، وقد تعزز هذا النسيج الجمعياتي بجمعيات نشطة تهتم بترجمة لغة الإشارات لاسيما بعد أن أصبح مجموعة من خريجي قسم لغة الإشارات مترجمين محلَّفين، ويقدّر عدد المترجمين المحلفين حتى العام 2023 بحوالي الخمسة عشر مترجما محلَّفا منهم من دخل سوق الشغل.
1.3. النصوص التشريعية
يمكن اعتبار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الإطار التشريعي العام والأعلى في تأطير وضعية الصمّ وغيرهم، وذلك من حيث تنصيص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الأولى على أنه “يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وُهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء”(15). وتفصّل المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جزئية تمسّ خصوصية التواصل لدى الصمّ؛ إذ تشير هذه المادة إلى أنّ لكلِّ إنسان حق التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلًا عن ذلك لا يجوز التمييزُ على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلًّا أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته”.
ومما يضاف إلى الاتفاقية العالمية لحقوق الإنسان أنّ تونس من الدول المصادقة على القانون العالمي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وفي العام 2005 وقع إمضاء القانون التوجيهي عدد 83 الذي يتعلق بتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد عُدَّ الصمّ ضمن هذه الشريحة، وتعزز هذا الاتجاه في الدستور التونسي للعام 2014؛ إذ وقع التنصيص في الفصل 48 على أنه “تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز، لكلّ مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع -حسب طبيعة إعاقته- بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك”.
نخلص من النصوص القانونية في كل مستوياتها العالمية والوطنية أن الصم تتردد منزلتهم بين أن يعدّوا مواطنين عاديين من جهة، وأن يعدّوا من ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة من جهة ثانية؛ ففي الحالة الأولى يقع إغفال خصوصية الأصمّ من حيث نظام تواصله القائم على لغة الإشارات مع ما يقتضيه ذلك من خصوصية في الحياة العامة كالتعليم والعمل والصحة، وفي الحياة الخاصة لاسيما في أشكال التعاقد الاجتماعي على اختلافها كما هو الحال في التقاضي في المحاكم.
وفي الحالة الثانية لم يصنع الوضع التشريعي للصم حاضنة اجتماعية مريحة لهم وإن كانت النصوص التشريعية تضعهم ضمن ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، ففي تونس مثلا يقضي الأصمّ مسارا مدرسيا ذا صعوبات جمة، ذلك أنّ أكثر الصمّ ينقطعون مبكرا عن التعليم، وعندئذ يجدون أنفسهم إزاء وضع أعقد نتيجة صعوبة اندماجهم في أي إطار اجتماعي.
2.3. الواقع البحثي والتعليمي
لتخصص لغة الإشارات
يمكن أن نشير على سبيل التوطئة إلى خمسة معطيات تؤطر الواقع البحثي في لغة الإشارات في البيئة العربية:
أولها: أن واقع البحث في لغة الإشارات على المستوى العربي لم يواكب نظيره في الأوساط العلمية الغربية ولم يستفد من تطوّر المناهج اللسانية.
الثاني: أنّ واقع لغة الإشارات ارتبط على نحو وثيق بوسم الأصمّ بأنه من ذوي الإعاقة، فأصبح البعد الطبي الاجتماعي هو الطاغي على التعامل العام مع هذه الشريحة الاجتماعية وعلى لغة الإشارات.
الثالث: أنّ النظر الأكاديمي في لغة الإشارات ظلّ في كثير من الأوساط الأكاديمية حتى المتقدمة منها تابعا للناطقين من جهة وتابعا لقياس لغة الإشارات على اللغة المنطوقة من جهة أخرى.
الرابع: أن النظر في لغة الإشارات تحقق في أطر جمعياتية أولا، وظلّ في هذه الأطر ذا صبغة اجتماعية تربوية، ولم يستطع تطوير أدوات بحث ومناهج علمية.
الخامس: أنّ تقدّم اللسانيات في الجامعة التونسية قد كان رافدا استفادت منه التخصصات المجاورة مثل علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة وغيرها، ولكن لغة الإشارات ظلت خارج دائرة النظر على نحو يجعلنا نتساءل: هل هي الغفلة؟ هل تُركت لغة الإشارات لأنها بعيدة عن اللغة المنطوقة فلا يمكن أن تستثمر فيها الذخيرة اللسانية؟
ولكن أيا كانت الفرضيات أليست السيميائيات مجالا قد فُوِّض علميا لدراسة كل أنظمة التواصل البشري بما فيها لغة الإشارات؟
وعلى سبيل العموم يمكن توزيع الرصيد العلمي المتحقق للغة الإشارات في تونس على سياقين معرفيين متضافرين، أولهما الجمعيات، والثاني هو الجامعة.
3.3. الجمعيات العلمية
يمكن اعتبار الجمعيات الأولى الراعية للصم إطارا أول تشكل فيه الاهتمام بالصم بدرجة أولى وبلغة الإشارات بدرجة ثانية؛ فالأكيد أن تأسيس هذه الجمعيات قام على وعي بخصوصية هذا النظام التواصلي، ولعل في ذلك ما كوّن تراكمَ وعيٍ، هو ما يفسّر نشأة جمعيات أخرى منها ما كان ذا صبغة علمية بحثية.
وتعدّ جمعية “إشارة” (2012) أوّل جمعية ذات صبغة بحثية تهتم بلغة الإشارات وعالم الصمّ، وأطلق عليها منشؤوها اسم “المعهد العالمي للبحث في لغة الإشارات في تونس” (Institut International de Recherche en Langue des Signes de Tunis) ويشار إليها اختصارا بالاسم (ICHARA).
وقد حضر في اجتماعاتها التأسيسية بعض مدرّسي لغة الإشارات في المعهد العالي للعلوم الإنسانية، كما أنها جعلت لها مستشارا علميا، وعقدت لقاءات بعد تأسيسها دعت لها بعض أساتذة اللسانيات مثل كاتب هذه الدراسة ومدرّسي لغة الإشارات مثل عبد الغني الزعزاع ولطفي زكري والمنصف عز الدين وبسمة بالشاذلي، وحضر الاجتماعات بعض الطلبة.
والواقع أنّ الإطار الجمعياتي الراعي للصمّ قد تطوّر على نحو واضح بعد 2011 وما رافق الحراك المجتمعي من نداءات حقوقية، كما أنّ مجال لغة الإشارات استفاد من أطر جمعياتية كانت بيئات حاضنة للغة الإشارات ضمن أنشطة أخرى، فمن ذلك مركز الدوحة العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو مركز تأسس في الدوحة ووقع افتتاحه رسميا في 2004، وتشرف عليه الأستاذة هلا السعيد، وهي استشارية في مجال التوحد كما أنها استشارية أسرية وسفيرة للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، والأكيد أنّ في مثل هذه البيئة الحاضنة ما يوفر إطارا علميا: نظريا وميدانيا في آن، فلذلك أصدرت الأستاذة هلا السعيد مجموعة قيمة من الكتب والدراسات في علم النفس والإعاقة خاصة.
وإن الذي يتأمل في الأطر الجمعياتية ذات الصلة بلغة الإشارات يجد أنّ البعد الاجتماعيّ هو الموجه لأنشطتها، وذلك من خلال معاملة الصمم باعتباره إعاقة. ولئن كان هذا المنظور يوفّر للأصمّ حاضنة اجتماعية ترعاه فإنّ تكريس النظرة الدونية يجعل الأصم لا ينخرط في الأوساط العلمية والبحثية على نحو فاعل، فالأكيد أنّ قصر البحث في مجال لغة الإشارات على باحثين ناطقين يكرّس جفوة بين الناطقين والصمّ ويخلّف فجوة بين لغة الإشارات والعلم اللسانيّ من حيث هو علم وصفيّ يسلّم بأنّ اللغات متكافئة في القيمة، فمن مقتضيات المنظور اللساني العلمي أنّ التواصل الإشاري والتواصل المنطوق سيّان من جهة أن كلا منهما قادر على الإيفاء بحاجيات مستعمليه.
4.3. الإطار الجامعي الأكاديمي
تأسس تخصص لغة الإشارات في المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس في 2003، منتميا لقسم الترجمة، واستقطب للتدريس فيه ملمّين بلغة الإشارات مستعملين لها، وعُزِّز الفريق بممارسَيْن ميدانيَّيْن للترجمة هما عبد الحليم شلبي وهادية محواشي.
وقد تأسس القسم على عهد مدير المعهد محمد محجوب الذي ذكر أنه لقي تشجيعا من وزير العدل وقتئذ محمد التكاري الذي عبّر عن حاجة وزارة العدل إلى خريجي هذا التخصص. وقد كانت البداية باستقطاب طلبة من تخصصات مختلفة مثل الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والحقوق والعربية وتقويم النطق. والذين يترشحون يجتازون مناظرة لاختيار أفضلهم، وبعد 2006 شرع المعهد في تدريس الماجستير لكن بشكل متعثر في غياب الـتأطير والمدرسين المتخصصين من الصنفين (أ) و(ب).
والخريجون الأوائل في هذا التخصص كانوا ولا يزالون يمثلون رافدا مهمّا لتخصص لغة الإشارات، فرغم عدم إلحاقهم بالتعليم العالي لم يدخروا جهدا في إرفاد القسم. وقد جسدت رسائل الماجستير الأولى التي أعدّت في المؤسسة رصيدا معتبرا انطلاقا من المواضيع التي أعدّت ووُجّهت بخلفية لسانية، ومن المؤسف أن تلك التجربة لم تدعم ولم تُعزز لدى خلف الجيل الأول في المؤسسة.
4- الأسس النظرية الوصفية
والمعيارية لتدريس لغة الإشارات
ما سنذكره في هذا الجانب ليس سوى استثمار لبدايات تأسيس القسم في المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، ويمكن أن نشير في هذا الجانب إلى ثلاث معطيات مهمة؛
أولها أنّ القسم بني على غير منوال سابق، فلذلك تأسس على ما يمكن أن نعدّه تطوعا وإيمانا من الأساتذة الذين أقبلوا على التأسيس مجتهدين في صياغة تصور للدروس ولمناهج التدريس.
والثاني أنه من المنطقي أن أقرب التخصصات للمساعدة في تأسيس قسم الإشارات هو اللسانيات والسيميائيات، وهما العلمان المترابطان على نحو وثيق كما هو معلوم. ولكن الذين تكفلوا باستثمار هذين المبحثين في لغة الإشارات ما فتئوا يشيرون إلى أنّ هذا التخصص حريّ بأن يتجنَّد الجميع للنهوض به وأنهم هم أنفسهم يقبلون على هذا التخصص لما فيه من معطيات تتضافر وما هو معروف في النحو العرفاني(16).
والثالث أنّ إيواء التخصص داخل قسم الترجمة وجَّهه بيداغوجيا وإجرائيا إلى أن يكون بغاية تخريج مترجمين، وقد كان لهذا الأمر أثران، أولهما أن سوق الشغل كانت مشجعة على الانخراط في هذا الفرع من التدريس، والثاني أنّ الطلبة كانوا مسكونين بهاجس إجادة الترجمة، فلم يكن تكوينهم العلمي منفصلا عن النواحي الإجرائية، فلم يخْلُ التدريس من كثير من النقاشات بين المدرّسين فيما بينهم وكذلك بين الطلبة. ومما يثمَّن في سيرة الأساتذة المدرّسين أنهم كانوا يجتمعون بشكل دوري لضبط مسار الدرس والتدريس في هذا التخصص الناشئ، ولم يكن كل ذلك يحصل إلا في دائرة التطوّع.
على هذا الأساس نقدّر أن البحث في الأسس النظرية الوصفية والمعيارية لتدريس لغة الإشارات يقتضي النظر في ثلاث زوايا مهمة من المسألة، أولاها الإطار المرجعي العلمي متمثلا في الخلفيتين البيداغوجية والتعلمية، والثانية هو المنظور التقابلي (Contrastive) الذي يدرس خصوصيات لغة الإشارات قياسا باللغة المنطوقة، والثالثة هو الذي يدرس لغة الإشارات في محيطها الجغرافي والكوني.
1.4. الإطار المرجعي العلمي:
نقصد من ذلك إلى الخصوصيات البيداغوجية والتعلمية للغة الإشارات، فمن المعلوم أن المحدد الأساسي للجهاز البيداغوجي هو التصوّر الذي تنبني عليه العملية التعليمية، وأبسط ذلك أنّ الأدوات التعليمية ينبغي أن تراعى فيها خصائص الفضاء إضاءة واتساعا مثلا.
ينبني المثلث التعليمي على ثالوث المعلم والمتعلم والمادة التعليمية؛ أما المعلّم فإن من شروط نجاح العملية التعليمية أن يتوفر المدرّس الملم بهذا التخصص والعالم بخصوصياته لا سيما من حيث الإلمام بتقنيات التدريس ووسائطه. وقد يكون من نقائص هذا الميدان أن مدرّسيه والباحثين فيه هم عموما من غير الصّمّ. والحق أن استقطاب الصمّ وتوظيفهم على نحو علمي هو أمر يمكن أن تفيد منه لغة الإشارات، فواقع الأمر أن سيادة اعتبارية للمتكلمين على لغة الإشارات تُحقق لدى المتكلمين ضربا من السطوة والسلطة وإن لم يكونوا عالمين حقا بلغة الإشارات. وهذا الأمر يمثل عائقا حقيقيا في أكثر ما كُتب عن لغة الإشارات.
أما المتعلمون فإنّ الخشية أن تلحقهم نفس النظرة الدونية إلى ميدانهم، فمن ذلك أن الذين يُقبَلون في هذا التخصص لا يُقبَلون بتقدير علميّ عالٍ، وإنما هم في أكثرهم من ذوي الترتيب المتدني في الباكالوريا، وقد يكون من العقبات الحقيقية في تطوير هذا الميدان الناشئ في تونس أن الماجستير الذي تأسس هو ماجستير مهني أي لا يؤول إلى مرحلة الدكتوراه وفق المعايير المتبعة في التعليم العالي في تونس.
وأما المادة التعلمية فإنّ غياب البحوث الجادة والمتخصصة لا شكَّ مُلقٍ بظلاله على الدرس الجامعيّ، فلذلك نجد أن المدرّسين في قسم لغة الإشارات بتونس ما انفكوا يجتهدون في تطوير الدرس، والأكيد أنّ هذا السعي الحثيث للتطوير يمكن أن تؤمَّن فيه نتائج أفضل لو كانت في الجامعة فرق بحث تهتم بلغة الإشارات وتشتغل في شكل حاضنات بحثية.
2.4. خصوصية لغة الإشارات
قياسا باللغة المنطوقة
يجد مدرّس لغة الإشارات نفسه في إطار علميّ استقرت فيه مناهج تدريس وبحوث متعلقة باللغة المنطوقة أساسا، ولهذا أثر بالغ في أنّ النظر في لغة الإشارات ليس متحققا على أساس دراستها في ذاتها ولذاتها وإنما على أساس المقارنة بين نظامين مختلفين. وحسبنا أن نشير إلى أمرين؛ أولهما أنّ اللغة المنطوقة قائمة على التلقي السمعي أساسا، فلذلك هي قائمة على أساس خطية العلامة اللغوية، أي إن معيار الزمان هو الأساس فيها، في حين أنّ معيار المكان ثانوي. أما لغة الإشارات فبصرية، وبالتالي تصاغ العلامة في شكل مشهديّ، وهي لذلك فضائية، أي إن الفضاء المكاني هو الأساس، مع ما يستتبع ذلك من معطيات وخصائص.
وأما الأمر الثاني، فيتمثل في طبيعة العلامة الإشارية قياسا بالعلامة اللغوية، فاللغة المنطوقة قائمة على الاعتباطية بالأساس أي إن العلاقة بين الدال وما يدلّ عليه لا تقوم على ترابط منطقيّ. أما في التواصل الإشاريّ فإنّ العلاقة قائمة على الأيقونية أي على علاقة مشابهة بين الإشارة وما تعود عليه.
وإذ نذكر هذين الأمرين فإننا نشير إلى أنّ هذه المعطيات العلمية التقنية تستدعي جهازا بيداغوجيا وتعليميا هو الشرط في نجاح العملية التعليمية، ومن خلال تجربة تدريس لغة الإشارات في المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس اتضحت الفروق الجوهرية بين منظور الأصمّ الذي يستعمل لغة الإشارات باعتبارها لغة أمومة وبين وجهة نظر مدرس لغة الإشارات ممن فقد السمع في مرحلة ما من عمره أو من كان سامعا ناطقا، وتقديرنا أنّه لا يمكن أن يستقر للغة الإشارات إطار علميّ حقيقي ما لم يكن ذلك بإسهام أهل هذه اللغة ممن يستعملونها لغة أمومة، ولذلك تجد إدماج الصمّ وتشريكهم في المؤسسات التعليمية والجمعياتية أمرًا عسيرًا ويقابله الصمّ برفض شديد، فحالهم كحال من يُفرض عليه لسان غير لسانه أو تُقترح عليه قوانين لسان تكون مسخا من القوانين التي يجري بها بناء تواصله اليوميّ، وهو يعلمها بالسليقة فيما يسمى النحو المحايث(17) (Intrinsic Grammar)أو يدرك خصائصها إن كان ممن تجاوزوا استعمال لغة الإشارات إلى النظر في كيفية جريانها.
3.4. لغات الإشارة العربية في
محيطها الجغرافي والكوني
ترتبط كل من لغات الإشارة العربية بمحيطها الاجتماعيّ ارتباطا وثيقا، فأيقونية الإشارة تعود إلى أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا ببيئة الأصمّ، وهو معطى أساسي في خصوصية التواصل الإشاريّ واختلافه عن التواصل المنطوق، فإذا أخذنا البيئة التونسية عيّنة من هذه الخصوصية فإنّ تونس تقع في محيط إقليمي متوسطي جغرافيا، وتنتمي إلى بيئة عربية إسلامية من حيث الهوية، وهذه الانتماءات المتراكبة كثيرا ما تفضي إلى التباسات في المقارنة؛ فمن جهة نجد أنفسنا إزاء ترابط ثقافي وعلمي مع الحضارة الفرنسية، وهذا لا شك فيه لأسباب تاريخية وثقافية معلومة. ومن جهة ثانية تحضر الخلفية العربية الإسلامية بكيفية واضحة في لغة الإشارات التونسية، وعلى نحو لا يمكن إغفاله. ومن التقاء هذه الروافد الثقافية تنشأ خصوصية لغة الإشارات التونسية، وهو أمر يلمسه الباحث في مستويات إشارية بسيطة مثل أسماء الأيام.
فلذلك يمكن ضبط العوامل المتحكمة في لغات الإشارة العربية في محيطها الجغرافي والكوني في ثالوث من المعطيات: الأول، الخلفية الثقافية الناشئة من التبعية للغة البلد المستعمِر، والثاني، هو واقع الهيمنة الكونية للغة الإنجليزية مع ما يستتبع ذلك، والثالث، هو الخيارات التعليمية والعلمية لبعض المؤسسات العلمية والتعليمية.
أما في مستوى المعطى الأول فإنّ واقع الحال أنّ بيئتنا العربية ظلت في قراراتها الثقافية والتعليمية مرتبطة على نحو ما بثقافة المستعمر ولغته، فلذلك تجد مثلا أنّ كثيرا من العلامات الإشارية في دول المغرب العربي فرنسية، وإزاء نظام تواصل أيقوني يكون البحث عن خلفية التسمية الإشارية أمرا صعبا مع أنّ خلفية التسمية في ذهن المؤشر أيقونية بالضرورة وإن لم يعلم تفاصيلها.
وأما في مستوى المعطى الثاني فإنّ من مياسم الواقع الكوني اليوم هيمنةُ اللسان الإنجليزي، فلذلك تعدّ الإنجليزية لغة تواصل مشتركة (Lingua Franca)، وقد سعت منظمة اليونسكو في العام 1953 إلى وضع تعريف لهذا المستوى اللغوي فعرّفت اللغة المشتركة بأنها “اللغة التي تُتّخذ من أجل تسهيل التواصل بين مجموعة من الأشخاص الذين تختلف لغاتهم الأم”.(18) وواقع الحال في بعض دول الخليج مثلا أن اللغة الإنجليزية منطوقة ومؤشَّرة هي ملجأ المقيمين ليتعايشوا ويتواصلوا في ظلّ تنوع أعراقهم وألسنتهم.
ويضاف إلى المعطيين السابقين معطى ثالث هو أثر الخيارات التعليمية والعلمية للمؤسسات الحاضنة لأقسام لغة الإشارات، ولنا في هذا الجانب أمران، أولهما أنّ لغة الإشارات لم تحظ بما تحظى به اللغة المنطوقة في البيئة العلمية والأكاديمية العربية، ولذلك يظلّ التواصل الإشاريّ يعدّ ميدانا فقير المادة العلمية والتعليمية، والأمر الثاني -وهو تفصيل من سابقه- يتمثل في التجربة التونسية لإنشاء قسم للغة الإشارات في تونس، فقد قام القسم على غير منوال سابق، وفي غياب تأطير علمي منضبط يظلّ هذا القسم الفتيّ بذرة غامضة المآل.
خاتمة
من الخلاصات الأساسية التي ينتهي إليها الباحث في تاريخ لغة الإشارات في العالم العربي أنّ نسبة ما بين لغة الإشارات واللغة المنطوقة كنسبة ما بين عالم الصم وعالم الناطقين في هذه البيئة؛ ففي السياقين يقابل هامشٌ مركزًا بكل ما تعنيه هذه الثنائية من سطوة الأغلبيّ على الأقلّيّ، وإذ كان الطرف الأغلبيّ هو الغالب في هذه المعادلة فإنّ لغة الإشارات ظلت موسومة بمقتضيات هذه المعادلة وخاضعة لسطوة استتباعاتها، وهو ما يمكن توصيفه في الخلاصات الخمس التالية:
الخلاصة الأولى: أنّ طبيعة العلاقة غير المتكافئة اجتماعيا بين مستعملي لغة الإشارات ومستعملي اللغة المنطوقة تؤول إلى وسم تاريخ الصمّ بالنضالية، فمعركة المواقع تؤمّن للناطقين موقع الغلبة والقيادة وتجعل للصمّ موقع الطرف المناضل الموسوم بالمطلبية الاجتماعية.
الخلاصة الثانية: أن التراث اللغوي المنطوق يظلّ الأثرى والأسبق قياسا بالإشاري، ولذلك يقتفي الإشاريّ أثر المنطوق في استثمار ذخيرته وتراثه، فيقاس الإشاريّ على المنطوق تماما كما يقاس الغائب على الشاهد.
الخلاصة الثالثة: أنّ مكاسب الصم تبدو كما لو كانت اقتطاعا من عالم المتكلمين، ولذلك يُنظر إلى عالم الأصمّ وفق ثنائية الأصل والفرع، فكأنّ البيئة الحديثة قُدّت على عيار احتياجات المتكلمين، وهم الأصل فيها، وكأن إمكانية الوجود التي للصمّ ضمن هذه البيئة هي هبة من المتكلمين لكن بشروطهم.
الخلاصة الرابعة: أنّ عالم الصم ولغة الإشارات كثيرا ما يقدّم في السياقات الإعلامية والبحثية كما لو كان من المنظور الإحصائيّ “مجتمع بحث” للباحثين الناطقين، وفي هذا المنظور ما يرسّخ نظرة دونية للأصمّ وللغة التي يستعملها.
الخلاصة الخامسة: أنّ المسحة العامة التي تطبع تاريخ الصم ولغة الإشارات في البيئة العربية هي النضالية (Militantism)، ولا ينفرد الصم العرب بهذه السمة، فهي سمة تاريخ الصم في العالم عموما، ولذلك لا يجانبُ الصوابَ من يرى أنّ تاريخ لغة الإشارات يساوي تاريخ مستعمليها.
الهوامش
المراجع:
أكرم بوغرا اكينجي، لغة الصم في الدولة العثمانية، صحيفة (Daily Sabah)، بتاريخ 19أغسطس 2017.
سمير سمرين، الدليل المهني للترجمة والمترجم بلغة الإشارة، منشورات المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، د ت.
سمير سمرين، محمد الرامزي، الأطلس الإشاري لأسماء دول ومدن العالم، الجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، قطر،2011.
علي عبد النبي حنفي وعبد الوهاب بن حمد السعدون، طرق التواصل للمعوقين سمعيا: دليل المعلمين والوالدين، الأكاديمية العربية للتربية الخاصة، الرياض، السعودية، 2015.
المواقع الإلكترونية:
https://lb.boell.org/ar/2019/01/21/hl-lsm-fy-twns-mstbd-n-lhy-lm?fbclid=IwAR1_3jqfnWw9zkgfunNzH147DNYsg9d8cdK5tgr3VGekuEptXK2MZbinWaA
https://www.alaraby.co.uk/society/2019/5/14/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%D8%B3%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%B6%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9?fbclid=IwAR1yE3LYfKAhRfjagYtMiFGroic9Tih9rDC1a01DW1Wv09bsZktSNE9R8a4
http://directinfo.webmanagercenter.com/2013/12/04/donnees-et-statistiques-sur-les-handicapes-en-tunisie/?fbclid=IwAR0wsV_H3N3sWRMHz-xVNuscUNT7nDfpNhVBnFMnXbtTpDqCockq-X9LqGw
(جميع المواقع أعيدت مراجعتها بتاريخ 6 يناير 2024)
3.7. المراجع الأعجمية المذكورة في البحث
Christiane Meierkord، Lingua Francas as Second Languages، in Encyclopedia of Language & Linguistics، Second Edition، Elseiver، Oxford، 2006، Volume L.
Dorothy Lule & Lars Wallin، Transmission of sign languages in Africa، in “Sign Languages”، Edited by: Diane Brentari، Cambridge University Press، 2010.
أكرم بوغرا اكينجي، لغة الصم في الدولة العثمانية، صحيفة (Daily Sabah)، بتاريخ 19 أغسطس 2017.
نفسه.
سمير سمرين، الدليل المهني للترجمة والمترجم بلغة الإشارة، منشورات المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، د ت، ص 35.
يرتبط ذكر لغة الإشارات في تونس بعلَمين مهمين كان لهما أثر بالغ في لغة الإشارات التونسية، أولهما أصمّ إيطالي يدعى سلفيو قدم إلى تونس في 1948، وهو إسكافي كان يختلط بالصم التونسيين في العاصمة فكان لذلك أثره في طبيعة الإشارات التي يعتمدها التونسيون. والعلَم الثاني هو علي الواتي (1938- 2004)، وهو أصم لأبوين ناطقين، له أخت وأخ أصمان، وقد سافر إلى فرنسا وتبادل الخبرات مع الصم الفرنسيين.
أفادنا بهذه المعلومة الأستاذ سمير سمرين خلال لقاء جمعنا عند الأستاذة هلا السعيد في مكتبها في مركز الدوحة العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة في التاسع من أكتوبر 2023.
Dorothy Lule and Lars Wallin، Transmission of sign languages in Africa، in “Sign Languages”، Edited by: Diane Brentari، Cambridge University Press، 2010، p125.
سمير سمرين، الدليل المهني للترجمة والمترجم بلغة الإشارة، منشورات المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، د ت، ص 35.
نفسه، ص 24
علي عبد النبي حنفي وعبد الوهاب بن حمد السعدون، طرق التواصل للمعوقين سمعيا: دليل المعلمين والوالدين، الأكاديمية العربية للتربية الخاصة، الرياض، السعودية، 2015.
سمير سمرين، الدليل المهني للترجمة والمترجم بلغة الإشارة، منشورات المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، د ت، ص 25.
وعنوان كتابهما:
سمير سمرين، محمد الرامزي، الأطلس الإشاري لأسماء دول ومدن العالم، الجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، قطر،2011.
نفسه.
https://lb.boell.org/ar/2019/01/21/hl-lsm-fy-twns-mstbd-n-lhy-lm?fbclid=IwAR1_3jqfnWw9zkgfunNzH147DNYsg9d8cdK5tgr3VGekuEptXK2MZbinWaA (روجع بتاريخ 6 يناير 2024))
https://www.alaraby.co.uk/society/2019/5/14/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%D8%B3%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%B6%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9?fbclid=IwAR1yE3LYfKAhRfjagYtMiFGroic9Tih9rDC1a01DW1Wv09bsZktSNE9R8a4 (روجع بتاريخ 6 يناير 2024))
http://directinfo.webmanagercenter.com/2013/12/04/donnees-et-statistiques-sur-les-handicapes-en-tunisie/?fbclid=IwAR0wsV_H3N3sWRMHz-xVNuscUNT7nDfpNhVBnFMnXbtTpDqCockq-X9LqGw(روجع بتاريخ 6 يناير 2024))
المادة الأولى من البيان العالمي لحقوق الإنسان
أوكل إلينا تدريس مدخل في لسانيات وسيميائيات لغة الإشارات، وقد كانت تجربة متميزة لما وجدناه من مادة خامّ في تكوين الطلبة غير أنها كانت بحاجة على تأطير نظريّ ومرافقة منهجية.
النحو المحايث هو النحو الذي يوجد حيث توجد لغة، ويساوق اكتسابُه اكتساب الطفل للغة الأمومة بشكل تلقائيّ، فلا لغة إلا وفيها نحو هو مجموع القواعد التي يتزامن اكتساب اللغة مع تعلمها بشكل تلقائي وغير واع. وبمقتضى هذا المستوى النحوي فحتى الأمّيّ الذي يتكلم لغة معينة هو ممتثل من حيث لا يعلم لنحوٍ، أي لقواعد في بناء كلامه. ولكنه ليس واعيا بالضرورة بقواعد ذلك النحو إن لم يعلَّمها في إطار مدرسي. فالعربي الذي كان ينظم الشعر لم يكن له من قواعد اللغة إلا ما تعلمه واستبطنه بالتوازي مع اكتسابه للغة.
C Meierkord، Lingua Francas as Second Languages، in Encyclopedia of Language & Linguistics، Second Edition، Elseiver، Oxford، 2006، Volume L، p163.