أنتَ على استعداد تام لتركض ألف عام لتحصل عليها، مهما كلّفك الأمر، أعرف أنك احياناً لا تجعلها كل همّك، رغم ذلك تجعلها تسيطرعليك تماماً، حتى أنك ترتجف عندما تتذكرّها، ظننت أنك ملكتها ففقدتها بكل سهولة، لا تقل لي أنك جعلتها تفلت بارادتك. لماذا لا تتركها وإلى الأبد ؟ لن تعيش في سلام أبداً، تبدو كامرأة عنيدة تتمنّع وترغب، ألاحظ جيداً أنك لا ترغب في مواجهتي. ليس خجلاً منّي، ولكنها مكابرة زائفة، ها أنت تحملها معك أينما حللت وتطوف بها العالم. لا تسقط الآن، فلم يحن بعد وقت أن ترفع رأسك من الأرض، وكذلك لا تتهجس هكذا فجلّهم يفعلون ذلك عندما يفتقدون امرأة دافئة، لا تلعب بأعصابك فالحريق سيدمر جسدك ويجعل امرأتك رماداً، لا تستمع إلى تلك الطرقات على الباب فثمة شخص ما يضحك خلفه، ضمّها إليك قليلاً ولا تبكي فجرعة ماء تكفي وكذلك بعض الحنان. لا يجدر بك أن تمشي ساهماً على الرصيف وتحت المطر، فتلك المرأة التي تحمل طفلها وتلاعبه بلطف قد انتبهت إليك ورسمت نصف ابتسامة على وجهها وتركت النصف الآخر لكلب يتبوّل على الرصيف المقابل، تأكد أنها لا تشمت بك، وأنك بالتأكيد لا تثير فضولها إلى هذا الحد.
لا تقل لي أنك لن تحتاج لمساعدة أحد.. وأنك قادر على الخروج من هذا المأزق، أعلم أنك لا تثق بأحد، ولا حتى بي.. أحمق!! ألا ترى أنها تراقبك بعيونها النافذة، لا تفتح على نفسك باب الجحيم، أغلقه وأدخل إلى غرفتك آمناً، احتملْ كل آلامك وقد تصاب بالطفح الجلدي، ربما يجعلون لك تمثالاً من ورق في المتحف القومي. فأنت أول رجل يفكّر هكذا، دار المسنين تناسبك بعد خمسة أعوام ولكن يناسبك الآن هذا القميص الـ(Blue) يظهر أن الاثني عشر عاماً التي قضيتها في الملجأ قديماً ما زالت تؤثر عليك، كما يظهر أن الخمر الرديئة التي احتسيتها البارحة صارت لا تؤثر فيك، أدمنت فقط الركض خلفها، انحنى وضع آثار خطواتك في جيبك الخلفي ولا تركب الباص المزدحم، سيطاردونك إلى الأبد ما لم تنسَ، هل تعجبك تلك، ذات الصدر المكتنز، لا تثرثر كثيراً فالصمت يريحك من أشياء كثيرة يجب ألاّ تقال. إذا كنت رجلاً فضم قبضتك عليك وضربني، عيناها ساحرتان وهذا يكفيك لتظل على قيد الحياة!!
هذا أنت، وهذه شهادة ميلادك.. بطاقة شخصيتك.. وقسيمة الزواج.. وطفلة لم تتجاوز الثالثة من عمرها.. ورقم هاتفك على ورقة محشورة في جيبك العلوي، سيهاتفك الكثيرون إذا تخليت عن شكوكك المثيرة.
ما زلت تنسى.. حسناً، لقد تصرفت بغباء، اجلس واحتس قهوتك بهدوء، النافذة تصلح لأن ترى من خلالها إلى تلك المرأة وكم أنها شاهقة، وكم أنت وضيع، أرجوك لا تضيّع الوقت في التدحرج على الأرض هكذا، قد تستطيع أن تجد مكاناً آخر، واسماً جديداً، أمّا تلك المرأة الجديدة لا تناسبك، قد يناسبك لون حذائك البنّي، وتلك السيجارة التي تدخلك البحر وأنت جالس في فناء بيتك تحصي عدد الدجاج وتداعب شاربك الكث، طريق تفكيرك ما زالت غريبة وكذلك لون منديلك الملوّث بأشياء تخصك، توقف، لا تعبر الشارع قبل أن تتأكد أنه صار خالياً من رائحتها!! اركض بكل قوة فهم خلفك، أجل اصعد إلى اعلى البناية ولوّح بيدك الوحيدة إلى تلك الحمامة، ولا تسقط على النجيل الأخضر فقد يتأذى هندامك! هل ستعيد تلك الطفلة إلى أمها؟ لا أظن، يبدو انك رجل سيئ. لا تسرع فأطفالك بانتظارك وكذلك صاحب بيت الإيجار، مهما كان اختيارك فلا تعتد على نفسك، فأنت الآن رهن الإعتقال التحفظي، هل تحفظ قصائد رومانسية؟ أفلام الرعب تشجيك؟ وكذا الحان «باخ».
ياللسقوط المريع أراك ابتلعت بعض التراب، اسحب منديلك وازيح هذه الدماء من أنفك، الخدوش لا تثيرك، اركب رأسك واهمس لها ببعض الكلمات العاطفية، هراء كل ما تفعله لتنجو!!
أصبحت أباً رغماً عنك، لا تتحرّش بأفكارك، ستنام هنا الليلة، وعليك أن تفعل شيئاً ما ليلة الغد.
أنت تتضوّر جوعاً لأن جارك الذي يركب ((المونيكا)) لم يستطع كبح جماح رائحة الشواء التي تنفذ إلى خياشيمك، وتلعن في سرّك اللحمة، والمرأة، والشعر!
لا شك أن صديقتك فاتنة، ويوم أن فتحتْ لك أبوابها دخلت أنت من الشباك تتلصص على الشهوة فيك ولم تحفل برائحة دمها، وعندما بكت على صدرك ابعدتها بيدك الوحيدة تلك وسحبت الغطاء فوقك، ونمت. بعدها لم تعثر عليها إلاّ في ليلة رأس السنة الفائتة.. كانت أكثر حرارة منك وكنت أكثر حريقاً، وتلك الطفلة الوديعة تلوذ بفراشك وتشعرك بالدوار، ها أنت تبعد صديقتك الفاتنة عن ذاكرتك. فهي ككل النساء لا يتفهمن الجوع والملاريا والبول اللاإرادي ورعشة الذاكرة!
تتذكّر ياوقح ليلة أن تلصصت على جارك مع امرأته الليل كله، هبطت من على الحائط كالمجنون، ترتجف، ثمّ ابتلعت بصاقك كله ودخلت إلى غرفتك الخاوية وامام المرآة فعلت ذلك الشيء القذر، وبكيت!!
ما زال خيالك يعمل وكذا أعضائك ولكنّك عاجز حتى إزاء طفلتك الصغيرة عندما قذفتها على الأرض دون أن يرمش لك جفن. اسحب نفسك بهدوء، وتصنّت إلى وقع خطوات ذلك الكلب وهو يركض في فناء روحك.. لا تغلق عليه الباب فقد يعضّك عند الرئة، لا تكترث لوقع خطواتها وهي تبتعد عنك لتنام في الطرف الآخر من ((الحوش)) دون أن تحفل بثورتك ورغباتك الشرعية.. هي ((قرفانة)) منك لأنك لا تعرف أن تستقبلها وهي حزينة، متجرّدة من كل شيء عدا (( سفنجتها)) الخضراء، عندما بصقتْ عليك.. بصقتَ أنت على نفسك ألف مرّة، يا لك من رجل تعس لا تعرف عزف لحن المساء، لا تزال عورتك مكشوفة وكذا أناملك وهي تداعب الهواء، هل هذا الكرسي يبدو مريحاً لك لتجلس عليه باسترخاء هكذا؟! ولون الجدار يستحق منك كل هذا التفكير؟ هل ما زال لديك متسعٌ من الوقت لتفكّر بالانتحار؟..أنت اجبن من أن تفعل ذلك، يا لك من وغد! عفواً.. أنا لا أسيئ لك، ولكني أعبّر لك عن رأيي. دعْ التثاؤب، واسترق السمع لهمساتها الحارة.. إنها تناديك، لماذا لا تثبت لها أنك رجل؟ أنا أتحدث معك.. لماذا لاتعيرني اهتماماً؟ عليك اللعنة.. أنت لا تستحق كل هذا العناء منّي.. سأغادرك.. ولن ينفع استجداؤك لي،استمع معي لصدى هذه الأغنية البعيد، حسناً انهض واحمل كرسيك على كتفك وادلف إلى الداخل.. لا تصدر صوتاً فالغرفة والظلام سيتواطآن معك.. لا تبالي بضربات قلبك المتزايدة.. فالأمر يحتاج منك لبعض الشجاعة. دقائق فقط وينتهي كل شيء. أطبق بأصابعك على عنق طفلتك الصغيرة ولا تنظر في عينيها.. الآن سكنتْ حركتها تماماً، وامرأتك تبحث عن رجل آخر في الشارع، رائع، اسمعك تطلق ضحكاتك في انحاء الغرفة، سأحتفظ لك بإحداها في فمي وأطلقها عندما أقف على قبرك، قبل أن أضع عليه بعض الورد.فجلهم الآن يكتمون أنفاسهم وينتظرونك أن تنهي هذا الأمر، لا تخيّب ظنهم وظنّي، تراكْ، ستفعلها؟!!