.. وأصل الحكاية أن المركز المصري لنادي القلم الدولي عقد اجتماعا مؤخرا. وكان البند الرابع في التقرير المدون عن هذا الاجتماع والذي يعد بمثابة محضر للاجتماع يقول:
– عرض مضمون الخطاب الذي وجهته الأكاديمية السويدية لكاتبنا الكبير نجيب محفوظ عن طريق نادي القلم الدولي، بوصفه رئيسا للفرع المصري بشأن حقه كأحد الفائزين بجائزة نوبل في ترشيح كتاب على مستوى العالم، ومن الكاتبين بالعربية للحصول على الجائزة العالمية.
وقد فوض الكاتب الكبير الأعضاء المؤسسين للفرع المصري في اقتراح أسماء الكتاب العرب. ثم قامت الدكتورة فاطمة موسى بتلاوة الخطاب الذي أحضرته بنفسها من لندن.
دون أن ترفق صورة منه مع محضر الاجتماع. وقالت إنها عرضت الخطاب على نجيب محفوظ عن طريق محمد سلماوي. ففوض الأعضاء في ترشيح ما يرونه.
وقام الحاضرون باقتراح ترشيح اسماء.. فتحي غانم، إدوار الخراط، بهاء طاهر. الفريد فرج، محمود درويش وعبدالرحمن منيف. على أن تعرض هذه الترشيحات على بقية الأعضاء بعد موافقة نجيب محفوظ عليها.
الذين حضروا هذا الاجتماع من أعضاء الفرع المصري لنادي القلم الدولي هم حسب الترتيب الأبجدي: اعتدال عثمان، بهاء طاهر. سامي خشبة. سعيد الكفراوي..فاطمة موسى. فوزية مهران. محمد البساطي. محمد سلماوي. يوسف أبو ريه. أي أن الحاضرين تسعة فقط من أصل 42عضوا. وهذا معناه ان الذين حضروا أقل من ربع الأعضاء. وهي نسبة شديدة الضالة وقد لا تكون مخولة لحسم مثل هذه القضية الهامة.
ومحضر الاجتماع لا يشير من قريب أو بعيد الى الذين لم يحضروا سواء الذين اعتذروا أو عدم المعتذرين. مع أن ذلك من أبسط قواعد تدوين المحاضر. حتى تبقى وثائق من أجل التاريخ.
وبعض الذين حضروا الاجتماع. قالوا – وهذا لم يتم تدوينه في المحضر طبعا – إنه عند عرض موضوع نوبل. كان رأي بعض الحاضرين الانتظار لحين عقد جلسة أخرى يحضرها أكبر عدد ممكن من الأعضاء، ويطرح فيها الموضوع للمناقشة. وقبل إبداء الرأي في مثل هذا الاقتراح، فاجأ سامي خشبة الحاضرين. بأن بدأ في طرح الأسماء وقال إنه لا داعي للانتظار وكان أول اسم طرحه هو ادوار الخراط ثم بهاء طاهر وأخيرا تدارك وقال: فتحي غانم. ثم دخل الآخرون ساحة الترشيحات.
ومن المعروف أن إدرار الخراط كان قد صرح في حديث لمجلة مصرية ابان حصول نجيب محفوظ على نوبل إنه – أي ادوار- كان يستحق الحصول على الجائزة. وعندما جرت مراجعته فيما قال. أكد أنه قال، هذا الكلام. وإن كان قد صرح به ليس بهدف النشر ولكن في كلام جرى بينه وبين أحد المحررين وأن المحرر لم يعد اليه قبل النشر.
وبعيدا عن هذه الوقائع التي ربما بدت أقرب الى التصرفات الفردية.. تبقى ملاحظات هامة:
خطاب الأكاديمية السويدية شديد الوضوح والحسم في طلب ترشيح كتاب على مستوى العالم أولا. ومن الذين يكتبون بالعربية ثانيا. ولم يفكر أحد من الحاضرين في استخدام حق ترشيح كتاب من العالم. وهذا معناه أننا نعزل أنفسنا عن تيار كتاب العالم. مما يوحي أننا لا نعرف هؤلاء الكتاب ولا نقرأ لهم. ولا نتابع نتاجاتهم التي هي جزء من متابعة عصرنا وهي توحي ثانيا بحالة من الشوفينية والانكفاء على الذات. والانغلاق على النفس. والبحث عن خلاص فردى بعيدا عن عالم اليوم. إن الجماعة تشكل مجموعة أفراد. ولأن المثقف العربي شعاره في هذه الأيام: أنا ومن بعدي الطوفان، فإن جماعة المثقفين في مصر. – وهي نموذج رائد لجماعات المثقفين في الوطن العربي – شعارها الآن: نحن ومن بعدنا الطوفان.
وقد لا يكون حصول نجيب محفوظ على الجائزة قد تم بناء على ترشيح عربي وتزكيات عربية، وقد يكون هناك قرار ما. من جهة ما من عالم اليوم بمنح الجائزة لكاتب عربي. وهذا معناه أن الآخرين – الذين ليسوا عربا -أفضل منا ألف مرة. وأننا نحن العرب نعيش على هامش عالم اليوم دون أن نكون جزءا منه.
الذين رشحوا بعض الكتاب لنوبل لم يضعوا أي معايير للترشيحات مثل سن الكاتب المرشح ومدى جودة نتاجه الأدبي وكميته وترجمته الى لغات العالم. وان كان قد ترجم فهل قوبلت هذه الترجمة بصورة إيجابية أم بأي صورة أخرى.
إن أي عمل بدون معايير تحكمه يصبح نوعا من الاجتهاد الذي يقبل الخطأ والصواب. وغياب المعيار يعني زيادة حجم الأهواء الإنسانية وهي متوفرة في بلادنا بأكبر قدر ممكن حتى مع وجود المعايير. فما بالك والمعيار غائب لا وجود له.
عند طرح فكرة ترشيح محمود درويش وعبدالرحمن منيف. نوقشت قضية. هل من حق الفرع المصري لنادي القلم الدولي أن يرشح كتابا عربا أم يتوقف الأمر عند حدود الكتاب المصريين. وبعد مناقشة ليست قصيرة،. تقرر ترشيح بعض الكتاب العرب لنوبل ليس لأن هذا دور مصر العربي ولكن لسببين آخرين. المعلن منهما أنه لا توجد فروع لنادي القلم الدولي في أي من الدول العربية. وغير المعلن والذي لم يقله أحد. ان بعض الذين حضروا الاجتماع من الكتاب المصريين له صداقات مع بعض الكتاب العرب ويريد أن يجاملهم. كنوع من المصالح المرسلة فكلا الأمرين مضحك ومبك في نفس الوقت.
لأن مجرد طرح فكرة أن يرشح المصريون كتابا عربا لنوبل للنقاش، هو اعتراف واقرار بتخلي مصر عن دورها القيادي في الوطن العربي. بصرف النظر عن حقيقة وجود مكاتب لنادي القلم في دول هؤلاء الكتاب أم لا؟ وبعيدا عن المشاريع الفردية لبعض الكتاب.
إن ثقل مصر ودورها الحضاري والقيادي في الوطن العربي عندما كان حاضرا ومتألقا، لم يكن ثمة مكان لمجرد طرح هذه التساؤلات من الأصل والأساس. ولكنه اللاوعي الجمعي عند الحاضرين.
ويبدو أن الدولة التي قادت النهضة المعاصرة في المنطقة مرشحة الآن للعودة -على الأقل في أذهان مفكريها وأدبائها – من دولة دور الى دولة عادية. ولن أتوقف أمام أمثلة كثيرة -ناصعة وبيضاء – من زمن الصعود والمجد. كما أنني لن أفتح دفتر الهموم والأحزان. عندما أوشك الدور المصري على بداية التراجع. إما لأن ذلك جرى في وعي الكتاب والأدباء المصريين الذين أرهقهم القيام بالدور الريادي. أو في محاولات بعض الأشقاء العرب – من الساسة والمثقفين -بوراثة الدور الثقافي المصري، الذي أصابه بعض الضعف والوهن بعد التوقيع على اتفاقيات كمب ديفيد. واستخدم هذا التوقيع شماعة لضرب الدور المصري. وحتى ونحن نرى تعريب كمب ديفيد. وبصورة ربما كانت أسوأ من التجربة المصرية – مع العلم انني شخصيا كنت ومازلت ضد ما جرى في مصر. فإن العقوبة تبقى من نصيب مصر والانجازات – ان كان في ذلك أي إنجاز ما – يحصل عليها الآخرون.
الغريب أن كل الذين يتآمرون على الدور المصري. هم أول من سيدفع ثمن ذلك غاليا. لأن من ليسر له كبير يشتري الآن كبيرا له. فلم نحاول هدم الكبير الذي ورثناه عن الأجيال السابقة. وكان من المفروض علينا أن نحاول الإضافة له. بدلا من محاولات هدمه.
وبعد الانتهاء من إقرار مبدأ ترشيح المكتب المصري لأدباه عرب والانتهاء من ترشيح عبدالرحمن منيف ومحمود درويش. وما أن طرح اسم ادونيس حتى ثار الاعتراض وهذا موقف غريب. فإن كانت هناك فرص للحصول على نوبل. أمام كاتب عربي آخر غير نجيب محفوظ، فقد يكون أدونيس في المقدمة،بل لقد قال لي اندريه ميكيل وهو مستشرق فرنسي هام. وكان واحدا من قلة شديدة أخذت الأكاديمية السويدية رأيهم قبل الاعلان عن فوز نجيب محفوظ بنوبل، أكد لي أن المفاضلة الأخيرة، كانت بين نجيب محفوظ وأدونيس وجاءت النتيجة لصالح محفوظ. فهل هرول الحاضرون لترشيح درويش بسبب السلام الفلسطيني الاسرائيلي ؟ وفيما لو -وكل هذه مجرد افتراضات – قررت الأكاديمية منح الجائزة لدرويش مناصفة مع كاتب إسرائيلي، وهو نفس العرض الذي قدم ليوسف إدريس من قبل،فماذا سيكون موقف أعضاء نادي القلم الدولي.
عموما إن موقف المثقفين المصريين من أدونيس يعاني من الازدواجية.إما أن تجد من هم معه. لدرجة انه يمكن القول انهم،"ادونيسيون متطرفون". ومن الناحية الأخرى هناك من يرفضه بصورة مطلقة ولا يوجد تدرج في الموقف منه أبدا.
من المعروف أن الذي افتتح الترشيحات كان سامي خشبة وهو الآن قيادي في الأهرام. وقيادي في وزارة الثقافة بعد أن اختاره فاروق حسني وزير الثقافة رئيسا لهيئة المسرح التي تسمى البيت الفني للمسرح. فهل جرى التصويت على الأسماء ؟ وهل خرج بهاء طاهر من الاجتماع عند طرح اسمه ؟فهو الوحيد الذي كان حاضرا والذي جرى ترشيحه، أم أنه بقي في الاجتماع خلال طرح اسمه. والا يخل ذلك بنزاهة التناول ؟
تبقى نوبل نفسها وفي أكتوبر سنة 1988 عندما فاجأت نوبل نجيب محفوظ كتبت مقالا عنوانه "محاذير للفرح" تحدثت فيه عن بعض الآثار السلبية التي يمكن أن تنشأ عن نوبل نجيب محفوظ رغم كل الفرح المشروع بمجيئها. قلت ان البعض سيكتب وعيناه على أوروبا. وان مغامرة الكتابة التي بدأها جيل الستينات منذ ربع قرن من الزمان. أيضا فقد توقعت سيادة الكتابة الفولكلورية التي تقدم كل ما هو غريب وطريف في الواقع. على طريقة "اتفرج يا سلام" بما في ذلك الاهتمام الجنوني بالأقليات على اعتبار أن الغرب له اهتمام خاص بالأقليات ليسر من أجل سواد أعينها. ولكن على اعتبار أن الاهتمام بالأقليات – وهو عنوان إنساني نبيل -من الممكن أن يصبح مبررا للتدخل في شؤون العالم الثالث. على أساس انه لم يعد مقبولا التدخل على الأسس الاستعمارية القديمة.
ولأننا نعيش في بلاد الأغلبية المطلقة من سكانها من المسلمين، ولأن الغرب في أغلبية مطلقة من المسيحيين، فمن الطبيعي أن تظهر بعض الكتابات والنصوص الأدبية التي تتناول هذه العلاقة التي كانت غائبة عن نتاجنا الأدبي في السنوات الماضية ولكنها تظهر الآن كنوع من مغازلة الغرب.
ولأنه يستقر في وجدان معظم الكتاب، انه ما من كاتب يحصل على نوبل من خارج أيديولوجية الغرب إلا إن كان شيوعيا وانشق وذلك في زمن المد الشيوعي الذي كان وبالنسبة لمنطقتنا فلابد وان يكون هذا الكاتب معاديا لإسرائيل ثم يتحول من العداء المطلق الى اللون الرمادي أولا. تمهيدا للعبور الى الناحية الأخرى.
إننا نشهد أكبر عملية ترحال حقيقية في تاريخ المفكرين وقد جرت كل فصولها خلال السنوات الأخيرة. الكل يهجر قناعاته القديمة. لأنه يحاول أن يصبح جزءا من الواقع الجديد. حتى وان كان هذا يغتال عافي هذا الكاتب أو ذاك.
مع أن الكل ينسى أو يحاول أن يتناسى حقيقة تقول: إن نوبل قد لا تعود الى الأدب العربي قبل مرور نصف قرن من الزمان وان جرى استثناء لذلك، فلن يكون مناصفة بين اسرائيلي وعربي. وقد حدثني من أثق به منذ عامين قائلا:
إنهم – يقصد جماعة نوبل – يبحثون عن روائي فلسطيني غير مختلف حوله. يحصل على نوبل مناصفة مع روائي اسرائيلي ويعلن ذلك مع السلام الفلسطيني الاسرائيلي وهم يرون أن ذلك أفضل من مفر الجوائز للساسة..ثم جاء ما تم ما بين إسرائيل وفلسين ولكن الجائزة تأخرت.
الا يفكر مجانين نوبل في المقارنة بين نوبل جارثيا ماركيز ونوبل نجيب محفوظ ؟ الأولى كانت جائزة مقدمة لآداب أمريكا اللاتينية أكثر من كونها لماركيز. في حين أن نوبل نجيب محفوظ التي قال عنها نجيب محفوظ غداة حصوله عليها: إنها مقدمة الى الأدب العربي كله وليس لشخصا فقط. وبالفعل فقد جرت حالة من الاهتمام بالأدب العربي بعدها.ولكن التراجع جاء بعاذلك. لقد ترجمت أعمال جيل الستينات بقوة في السنوات من 1975 الى 1986.ثم تراجعت عملية الترجمة بعد ذلك.وهي تتم الآن – ان تمت – بالصدفة وحدها وعل فترات مباعدة.
لقد أصبحت عند كل كاتب عربي خطة خمسية من أجل الحصول على نوبل وان كان الحلم مشروعا إلا أن بعض الأحلام قد تصل أحيانا الى حافة الجنون، وهو ليس الجنون الإبداعي الخلاق. ولكنه الجنون الذي ستكون في آخر طريقه مستشفى الأمراض العقلية التي علقت على أبوابها لافتة "كامل العدد" في هذه الأيام.
يوسف القعيد ( كاتب من مصر)