إضاءة
تحتفل اسبانيا هذه السنة، ومعها يحتفل عشاق الكلمة القزحية وغجر الحرف الناري… بالذكرى المئوية الأول لميلاد عندليب الاندلس وشاعر الفلاحين. وبسطاء العالم. وعشاق الحرية فيديريكو غارسيا لوركا.
يعتبر لوركا أحد أنشط جيل 27. ولد في الخامس من يونيو سنة 1898 بـ "فوينتي فاكيروس، وهي قرية صغيرة. تبعد عن غرناطة بعشرين كيلومترا من أب فلاح وأم معلمة. أدخلته الى فضاءات المعرفة في سن مبكرة ولم تكن تدري انها بذلك حكمت عليه. كان والده يمتلك في تلك المنطقة الفلاحية الخصبة أراضي زراعية وضيعا.
وفي فجر التاسع عشر من أغسطس سنة 1936 سقط برصاصات آثمة رمته بها بنادق كتائبية فرانكاوية حاقدة -خارج غرناطة – في وهدة "فيثنارViznar حيث حقول الزيتون وبيارات البرتقال، في عز الخصب والعطاء وهو لم يكمل عقده الرابع.
وحين اغتيل رثاه نيرودا ككثير من الشرفاء بقصيدة غاضبة أشد الغضب. نقم فيها على كل شيء. فقد كان موته المفاجيء رمية اصابت أعمق الأعماق. ولوركا شاعر ومسرحي. بل إنه شاعر الأساطير وكاتب عبقري بكل مقاييس العبقرية والجنون، وشعره في جوهره رمزي خلف مظهره الفولكلوري والشعبي. بساطة في الاسلوب. وبعد في الرؤى. أعماله تكشف عن مأساة كائن معذب. فلوركا دائما يعارض غريزيا وبصفته الانسانية تقاليد المجتمع المهشوشة. من هذا التوتر تتدفق أعماله المتميزة الرمزية. وعالمه هو الليل بكل مهمشيه الليل المسكون بـ "احصنة حالمة". ليل مقمر دائما وانثوي لكل مجدب وعقيم. وقاموس لوركا اللغوي زاخر بالمفردات العربية: قمر- ياسمين – زيتون – طلح – ليمون – خرشوف – عنبر قنديل – دفلى … حتى قصائده وبعض كتبه تحمل عناوين عربية غزالة : -قصيدة – ديوان ..
قصيدة جريح الماء
أريد
أن أهبط البئر،
أريد
أن أتسلق أسوار غرناطة
لأرى القلب القديم
من المثقاب المعتم للماء.
كان الطفل الجريح
يئن
متوجا
بالجليد.
برك
صهاريج
ينابيع
كانت تسهل سيوفها
في وجه الريح؟
آه.
أي هيام جب.
أي حد جارح.
أي صخب ليلي
أي موت أبيض.
أي صحارى ضوء
كانت
في رمال الفجر
تغوص
كان الطفل وحيدا
وكانت المدينة تغفو
في حنجرته
تفجرت
نافورة من الأحلام
تحميه
من جوع الطحالب
الطفل واحتضاره
وجها لوجه
كانا مطرين
أخضرين
متعانقين
تمدد الطفل على الأرض
محفوفا
بموته
أريد
أن أنزل البئر.
أريد
أن أموت
جرعة
جرعة
أريد
أن أملأ قلبي
بطحالب
لأرى جريح الماء
قصيدة بكاء
أغلقت شرفتي
لأنني
لا أريد
أن أسمع البكاء،.
لكن
من خلف الجدران
الرمادية
لا شيء يسمع
غير البكاء
توجد ملائكة قليلة
تغني
توجد كلاب قليلة
تنبح
ألف كمان
تسع
في راحة يدي
لكن البكاء
كلب ضخم
البكاء
ملاك عظيم
البكاء
كمان هائل
والدموع
تكمم
فم الريح
ولا شيء يسمع
غير البكاء.
قصيدة الغصون
عبر غابات التماريت
جاءت
كلاب شرسة
منتظرة
أن تسقط الغصون
منتظرة
أن تتكسر
من تلقاء نفسها
في "التماريت".
شجرة تفاح
حبلى
بتفاحة
من بكاء
و عندليب
يخمد التنهدات.
ويهربها تدرج
في الغبار
لكن الغصون
فرحة
الغصون مثلنا
لا تفكر في المطر
وترقد فجأة
كما لو أنها أشجار.
واديان
كانا ينتظران الخريف.
جالسين
تغمر المياه ركبتيهما
وكان الظليل
يدفع الغصون
والجذور
بخطو فيل
في غابات التماريت
أطفال كثر
مقنعون
ينتظرون
أن تسقط الغصون.
ينتظرون
أن تتكسر
من تلقاء نفسها
قصيدة المرأة الممدة
رؤيتك عارية
تذكرني
بالأرض.
الأرض الملساء
الخالية من الأحصنة.
أرض بلا أسل.
صورة متكاملة
مغلقة
أمام المستقبل
تخوم من فضة
رؤيتك عارية
تعرفني
بقلق المطر
الباحث
عن ساق ذابلة
أو حمى البحر الواسع
الوجه
دون أن يعثر
على نور خده
الدم
سيرن في المخادع
وسيأتي
شاهرا سيفا لامعا
لكن
لن تعرفي
أين يخبئون قلب الضفدع
أو البنفسجة
بطنك
صراع الجذور،
وشفتاك
فجر
بلا حدود
تحت ورود الفراش
الدافئة
بين الموتى
في انتظار دورهم
قصيدة حلم في الهواء الطلق
زهرة الياسمين
وثور مذبوح
رصيف لانهائي
خريطة
ردهة
قيثار
فجر
تتخيل الطفلة
ثورا
من ياسمين
والثور
شفق نازف
يخور
إذا كانت السماء
طفلا صغيرا،
فالياسمين
يفرش نصف ليل قاتم
والثور
حلبة زرقاء
بلا مصارعين
وقلب
في أسفل سارية.
لكن السماء
فيل
والياسمين
مياه بلا دماء
والطفلة
غصن ليلي
على إلرصيف الواسع
القاتم.
بين الياسمين والثور
أو كلاليب من عاج
أو قوم نائمين
في الياسمين
فيل
وسحب
وفي الثور
هيكل طفلة
قصيدة اليد المستحيلة
لا أتمنى
أكثر من يد واحدة.
يد جريحة
لو أمكن.
لا أتمنى
غير يد
ولو قضيت ألف ليلة
بلا فراش.
ستكون زنبقة
مصفرة
من جير
ستكون حمامة
الى قلبي
مشدودة
ستكون حارسة
في ليل عبوري
تمنع
على الاطلاق
دخول القمر.
أنا لا أتمنى
غير هذه اليد
للزيوت اليومية
والشرشف الأبيض
لاحتضاري
أنا لا أتمنى
غير هذه اليد
لتكون جناحا
لموتي.
كل ما تبقى
تورد،
بلا اسم
كوكب مكتمل.
ما تبقى
شيء اخر.
ريح حزينة.
سماء.
تفر الأوراق
أسرابا.
قصيدة الوردة
لم تكن الوردة
تبحث
عن الفجر
خالدة
على غصنها
تقريبا
كانت تبحث
عن شيء آخر.
لم تكن الوردة
تبحث
عن علم
ولا عن ظل
تخوم من لحم
وحلم.
كانت تبحث
عن شيء آخر.
لم تكن الوردة
تبحث
عن الوردة.
ساكنة
من أجل السماء.
كانت تبحث
عن شيء اخر.
قصيدة الصبية المذهبة
كانت الصبية المذهبة
تستحم
في الماء
وكان الماء
يتخضب
بلون الذهب.
كانت الطحالب
والأغصان الغارقة
في الظل
تدهشها.
وكان البلبل
يغرد
للصبية البيضاء.
أقبلت الليلة المضيئة
تعكرها
فضة رديئة.
والنسيم الداكن
ينزل
فوق الجبال الجرداء.
كانت الصبية المبللة
في المياه
بيضاء
والمياه شعلة
لاح الفجر
دون شائبة
بألف وجه لبقرة.
متيبسا
ومكفنا
بأكاليل متجمدة
كانت الصبية الباكية
تستحم
بين اللهب
وكان العندليب يبكي
وجناحاه يحترقان
كانت الصبية المذهبة
بلشونا أبيض
وكانت المياه
تتخضب
بلون الذهب.
قصيدة الحمامتين القاتمتين
الى
كلاوديو غيين
من خلال أغصان الغار
تطير حمامتان قاتمتان .
إحداهما
كانت الشمس.
والأخرى
كان القمر.
قلت لهما:
يا جارتي الصغيرتين
"أين قبري ؟"
قالت الشمس
"في ذيلي"
وقال القمر
في حنجرتي
وأنا الذي كنت أمشي
رأيت عقابين
من ثلج
وصبية عارية
أحدهما
كان الآخر،
والصبية
لم تكن أحدا
عقابي الصغيران
قلت لهما
"أين قبري ؟
قالت الشمس
في ذيلي
وقال القمر
"في حنجرتي".
من خلال أغصان الغار
رأيت حمامتين
عاريتين.
إحداهما
كانت الأخرى
وهما
لم تكونا أحدا
ترجمة: عبدالسلام مصباح (شاعر ومترجم من المغرب)