"اثر العابر" كتاب أعبد ناصر، يقدم طريقة فريدة لشاعر مر بالبلاغة الكاملة لبدوي منخرط في هواء وجسارة المدن و" الدساكر" ، التي يعبر بها كما يعم واحة واعدة وسرابا خطرا،مرورا برهانة الهامش والحداثة في الرؤية والصوت ،لير تمحها ويعتمرها واملا الى قاعات اللغات والصور ومن غبار المدن الصغيرة وفسيفساء العشائر حتى مجاورات الجسد الشعري في العالم حيث صور فوتوغرافية قديمة لريتسومر وسعدي يوسف واليوت ولوركا والمتنبي يترك العابر أمجد ناصر أثره الخاص وعلامته المميزة واثقا من يده وأنفاسه .
«الشافعي» في القصيدة المعنونة باسمه المكتوبة في عمان 76/ 1977 ، "واحد ليس أكثر".ينطق أمجد من توصيف العادي لنصل ان هذا الو احد لا يقل في صفاته ئ أي لجل للدراما في «عصور الهلاك ».المبدأ أي كثف بطولة العادي واليومي سيكون موضوعا أثيرا في ثمانينات لقصيدة العربية الحديثة وما بعد.
تتألف القصيدة من أربعة مقاطع . يقول الشاعر في المقطع الأول :
واحد، راكين هبت على فرعه ،
ليس أكثر من رجل واحد ، مثل غصن من النار
ولكنه عاليا كان : نادته "نسوانها " الحاملات
منتشرا، ملابسه الدامية .
كالجبال التي حدرته الى اسهل ، يا عريس
كان عصيا، انت يا زين الشباب ،
ومحتدما مثل صخر الجنوب علية الدار
جموحا ، ياقمر ماغاب عن بير الكرم
ومنبسطا مثل خيل الجنوب . ولا خلا الحجار
انه الشافعي. الان تأتي مثقلا بالثلج والنوار.
ينهض المقطع على علاقة رئيسية تربط بين الشافعي وبين الجبال ، الصخر، الخيل ،وراعين .. الخ ، اي بينه وبين أرض ، ولادته وعناصرها. أما على المستوى الشكلي فان العلاقات تزداد وتتكثف ، بساطة الفكرة تخلي الى حالة هندسة غنائية ضمن اللغة وأساليبها.
فجملة "واحد ، ليس أكثر من رجل واحد"،تجد جوابها في "انه الشافعي" أما في الفعل الماضي الناقص ،كان الذي يوصف الشافعي، فيجد منتهاه في نهاية المقطع "الآن ،تأتي مثقلا بالثلج والنوار"،جاعلا حركة النوار بين الماضي والحافر. يستخدم الشاعر إذن تقنية القرار والجواب ،وهي موجودة بكثافة في أوصاف الشافعي وتشبيهاته : عاليا ومنتثوا،عصيا ومحتدما،جموحا ومنبسطا.
وقد ينفسخ أحد القرارات الى قرارين : كالجبال مثل صخر الجنوب +مثل خيل الجنوب ،وفيما تؤدي كلمة الصخر الى الربط مر كلمة الجبال بعلاقة الثبات ، فان القرار الثاني ينقض هذه العلاقة ويقدم الحركة معاكسا الثبات .
يستخدم الشاعر أيضا أسلوب التضمين الذي يقوم خلاله بشرح على متن الفكرة الرئيسية أو بالتفاتة "ان السماء (وننظر)"، كما انه يستفيد من هذا الاستدخال في جسد القعيدة بتضمين مقطع على شكل موال باللهجة العامية . كما أنه يخلق حالة "رامية في الحوار بين الشاعر وبط القصيدة .
يستفيد أمجد ناصر، في منتصف السبعينات من كل الامكانيات التي انفتحت أمام عيني القصيدة العربية ،واستفاءة أمجد لا تبدو عليها صعوبات المشي والنطق ، بل تبدو مشغولة بحرفية معلم ، فاق معلميه. اضافة لذلك فإن موهبة الشاعر الغنائية الفنية جدا، بشرت في هذه القصيدة واخواتها في "مديح لمقهى آخر" مجموعته الأولى بقماشة شعرية خاصة .
في "ثلاث قصائد" يقول مخاطبا سعدي يوسف ،
"لم تبق للقادمين من الشعراء ،
ولي ،
غير نافلة من كلام
وشبرين من آخر الماء
أغلقت في وجهنا القنطرة ".
هذه القصيدة تكشف تململ الشاعر،وهو مازال في مجموعته الأولى ، من النسق الشعري، ليسر السائد، فقط ، ممثلا بعدد كبير من الشعراء العرب آنذاك ، بل أيضا المنفتخ على أصوات وتجارب أخرى. هاهو شاعر جديد بعد عنترة يتساءل "هل غادر الشعراء من مترام ؟".
قصيدة "كونكريت " التي احتفى بها النقد اللبناني، وقت صدور المجموعة ، كانت مؤشرا لأمجد للطريق الذي يود ملوكه ، كأنه كما قال لي في حديث خاص "كان يتحسس طريقا له على هامش القصيدة العربية وكما ضمن الصوت السائد، حتى لو كان سيتبوأ مركزا أساسيا ضمن هذا
الصوت ".
في "كونكريت " ستكمن نويات أسلوب أمجد ناصر اللاحق ،كما يجب الافتراض ،كما أن فيها عناصر الافتراق عن أسلوبه السابق . على صعيد الجملة ينحو الشاعر في "كونكريت " الى الجملة الوصفية ، فتزداد الاضافات والنعرت : حالات مقتضبة ، العمائر الكبيرة احجار السلم ، المتراصة ، المربعة الغافية .. الخ .كما تظهر كلمات جديدة في قاموس الشاعر مثل : فتائل "الشيد" والروماتيزم ، ملابس داخلية ، السهوب الاستوائية ، الألياف .. اضافة الى استخدام ضمير الجماعة في القصيدة . تأخذنا، نجرؤ ، نصعد…. وهذه كلها اشارات جلية الى الخروج بمعناه الايديولوجي والشعري الذي يبدأه الشاعر في قصيدته وخلع الطاعة عن نسق شعري كامل .
عل صعيد المعنى فان الشاعر يبدأ رحلته في المناطق المظمة والمستبعدة والمهمشة : موضوعات أقلية كأن الشاعر حينما يبدأ قصيدته هذه بالقول :
"تأخذنا الأقدام
الى حالات مقتضبة|
في العتم 0
لانجرؤ على الابتعاد
كثيرا ".
– يقصد الى أعم وأشمل مما عناه في هذه القصيدة . كأنه يقصد مسيرته
الشعرية القادمة : "في العمائر الكبيرة ، والمنافي (1979) حيث "لا أخشاب تشيع الأنس" متنبئا مبكرا بما سيفوضه في الشعر والواقع لاحقا: "بين اترابي فزت بالمنفى"، (وصول الغرباء، 1987 )،حيث سيصبح الشاعر : "ضيفا على مائدة الحيرة " و"النسيان ".
ذهبت
الى الشعر
فلم أجد
الا
حطام الوصف
لكن هذا قد لا يحتمل تأويلنا هذا كله!
في "رعاة العزلة " تقصر الجمل ويقل تعقيدها وتقتصر أحيانا على سؤال منسرح متكرر في صيغة جديدة مثلما في "الغائب ": "من تألق في تلك الأعوام وجاع ؟" وفي «منفى». "أرأيت ؟ نحن لم تنغير كثيرا.."، الى أن يقول في "أغصان مائلة": "أريد أن أنظف الأوراق في هراء القصيدة وعبث التداعيات "، غير أن التداعيات تفسح مجالا لحالة أخرى،سنحاول قراءتها في قصيدة "مسرح ".
يقدم الشاعر في هذه القصيدة خليط صور ومشاهد من حياة يومية وجملا استفهامية مفتوحة للتأويل ،كما يستفيد من امكانيات السخرية بالمقارنة بين التراكيب المتناقضة لكن حصيلة العمل الفني في مختارات الشاعر من "رعاة العزلة " لا تنهض لتسند المشروع الكبير المفترض ، ولا تعوضنا عن غنائية البدايات الشي ء الذي سيتجاوزه الشاعر، بدءا من "وصول الغرباء" .
يستخدم الشاعر في قصيدة (وصول الغرباء) ما يشبه اللازمة . (فكر في اغرار) ، (فكر في مديرين )، (فكر في أمير).. الخ ، كما يستخدم جملا طويلة كثيفة وصورا مسرحية ، كما أن الشاعر يقدم شخص القصيدة المتأمل والمفكر في هذه الصور وقد انفصل ظاهريا عن كاتبها،كما تقدم القصيدة نكهة ساخرة مطورة وناقدة معا عن نماذجها الأولى في شعر أمجد.
فكر في مديرين عموميين
يتأففون من مراوح اسقف ريب الصلاحات
يتنحنحول على كراسي دوارة
فيخف ايهم متطوعون بالسكر الفضي والزنجبيل .
لكن ما هي العلاقة بين وصول الغرباء وبين الاغرار وعارفي الأحوال والمديرين العموميين واللصوص والأمير والصديق ونهار النعناع والقائد والرجل وصاحبه ؟
لا يخلو مقطع من المقاطع التي تبدأ بـ "فكر في" اضافة الى المقدمة والخاتمة في القصيدة ، من ذكر لطريق ، أو شارع ، اسواق ، دوائر، دساكر ، سيارة ، بلدة ، قرية ،سجلات ، معدات خرائط ، مما يوحي دائما بالحركة والعلاقة بين المكان والحدث .
ضمن المقاطع هناك علاقات تناظرية وتفا رقية بين أزواج أو أطراف ثنائية : اغرار- سعاة ، عارضو أحوال – فلاحون وبدو،مديرون عموميون -قرى، أمير – سيارة ، صديق قتيل – أشرار، نهار نعناع – بزاق أعمى+ نسوة – جيران ، قائد أعداء، رجل صالح وصاحبه – قرية + افاقون – يتامى ، وأخيرا غرباء أناس (…).
رغم غموض الدلالات وعدم تشكلها بشكل حاد: أسود وأبيض ، فان العلاقة الي ترسمها القصيدة تندم بانوراما للغربة وأشكالها، الغربة بين الناس أنفسهم المتبدية في إجبار السعاة على الاعتراف (بالمصادر الغامضة للعنا وين ) ، وفي اصطياد عارضي الأحوال للفلاحين والبدو، ثم في العلاقة بين المديرين البيروقراطيين المدللين (وفي ملفاتهم تجف السدود وتفر القرى أمام جباة فائقي الدهاء)،وصولا الى اغتيال الصديق على أيدي اشرار، والذل والفقر المتمثلين في صورة النسوة اللاتي (يطعمن أطفالهن شريد جيران ، أولمو الرجال عادوا من مناسك مبهجة في الوطن الأم ).
غير أن الذروة الأسلوبية والدلالية في القصيدة تقع في المقطع التالي :
"فكر في رجل صالح وصاحبه
كلما مرا بقرية انضم اليهما افاقون
جعلوا أغزة
"معراج العاشق " إحدى قصائد "سر من رآك " وهي المجموعة التي شيد فيها أمجد ناصر معماره واصلا بين بداياته وآخر معاريجه ووصلاته . هنا نشهد عملا اكتملت فيا شخصية الشاعر الخاصة ولغته ، مبناه ومعناه، وهو الأمر الذي يجعل القراءة النقدية الأفقية السريعة ،ظمأ لكن علينا أن نكمل ما بدأناه .
يفتتح الشاعر القصيدة من أولها عل علاقة بين طرفين : انت ونحن يستعيد الشاعر ضمير الجماعة استعادة حميمة لكنها تكتسب هنا ظلالا جديدة أعمق ، فهي لا تؤكد على مدلولات الجماعة فقط ولكنها تضعها في مقابل الآخر، الغريب الأنثوي الجميل ، ولكن القوي. ينهض معمار القصيدة الداخلي على التناظر ، بين عناصر الجملة اللغوية ، الأفعال والأسماء والصفات ، وبين علاقات المعنى وتموجاته . ولنحلل المقطع الأول للتدليل على التناظر الأول:
ولدت بهذا الاسم لتكون لك ذكرى
ترددها أمطار
طويلة
صامتة
بهذا الاسم ليأتي اليك عابرون
مستوحشين
خاسرين
نعود الى يديك لنروي اطلاعهما على الحطام
وغلبتهما على الحب
الذي تلمسين جرحه فيند
جرح
الحب
الطويل
بظلال
خضراء
من فرط
الندم
لتتلطف الأكف وهي تدفعنا بين الأعمدة
قانطين
من الوصول الى الثمرة المضاءة
بوهج الأعماق.
ففي هذا المقطع تتناظر الجمل عامة، وعناصرها خاصة فنجد ما يشبه المد والجزر، أو القرار والجواب :
ولدت بهذا الاسم – لتكون لك ذكرى، نعود الى يديك لنروي اطلاعهما، تلمسين – فيند تتطلف – تدفع، وهذا المد والجزر لا يقدم سببا ونتيجة فقط، بل سؤالا وجوابا واتصالا وانفصالا وتناقضا وتدرجا.. مغطيا المساحة الفاعلة بين طرفين بكل غناهما.
يضاف الى هذا القرار والجواب تركيبان قريبان،آخر بين تركيبين مجاورين، أو تراكيب بعيدة، خالقا تواشجا بين بنى القصيدة، ومؤهلا لها لفاعلية شبيهة بفاعلية الجسد الانساني، الأمر ذو الدلالات الهامة كما سنرى لاحقا. فالفعل "تردد" مثلا، يتوازى مع النعل "نروي" والمقطع "لياتي اليك " يتوازى مع "نعود الى يديك ". نرى ذلك أيضا بين زوجي الأفعال تلمسين. يند، وتتكلف، تدفع حيث يتفاصلان، فيما يتواصل الفعلان، تلمس تتكلف، ويند، تدفع الشيء الذي يؤدي الى حراك معنوي. تتمادى كذلك الصور،فصورة (الأمطار طويلة صامتة ) تتمادى مع صورة (عابرين مستوحشين خاسرين ) فوصف الأمطار بالطول والصمت يتناسب مع وصف العابرين بالوحشة والخسران، وهذا التناسب يؤدي لانشاء علاقة بين المطر والاشخاص، فتجمعهم احساسات تتدرج من الصمت حتى الوحشة والحسران. وكذلك (الحطام ) مع ( الأعمدة )، و(جرح الحب ) مع (وهج الأعماق )، والـ(ليلك ) مع (الثمرة المضاءة ).. الخ.
الأفعال في المقطع الأول تبدأ بالولادة والكينونة، بالحكي والمجيء، العودة الرواية اللص، الند، التطف والدفع. وهي كلها أفعال جسدية ونفسية محسوسة تجمعها الصفة الحركية التي تكاد تشبا حركات الرحم أثناء الولادة، ويتبين هذا أكثر بذكر العبور (العابرين ) والعودة (نعود الى يديك ) والدفع (الأكف وهي تدفعنا) وهي اضافة الى صورتها الخارجية فإنها توحي داخليا بصورة الحركة الجنسية.
يستخدم الشاعر فسير الجماعة فقه، الذي يحوله الى فرد ضمن جماعة
الذكورة – القبيلة – الهوية العامة التي تحتل صورا عديدة وتحشد هذه الصور في مقابل صور الأنثى – الآخر المقددة.
(امراتنا كلنا) هي تعميم لهذه الأنثى، بعد التعميم الذي أعطى الشاعر
صوتا جمعيا وهذا التعميم رغم شكله المشاعي فهو سيم نابذ بقدرها هو
جابذ. فالمرأة المعممة هي لنا جميعا. ولذلك فهي ليست لواحد بالخصوص (طلعنا عليك من كل فج / ولم ننفرد).
رغم ما يبدو على القصيدة من السماح والعطاء ولأنه كذلك بالأحرى، فشعر أمجد ناصر يراوغ ويحترس من الافتضاض الحق:
بيننا في النهار
الضوء يرفعنا درجات
ويردنا الى شوؤوننا قوامين
لنا وزننا في الأورقة والمراسلات
هيبتنا
محفوظة
في المجالس.
مرتفعون في لغاتنا
نتكلم فيصغي الينا فقهاء العهد
بثيابهم الحامضة من أثر السهر
مثلنا
يسحبهم النهار مذنفين
من شباك الكبد.
يستعين ناصر في هذا المقطع بلغة النص المقدس الجليلة (يرفعنا درجات )، (قوامين )، أثناء خروجه من حالة الوصف للعلاقة الاشتهائية الشديدة ذات الصور التذللية للحبيب (مرغنا وجوهنا)، (فتلعق ريقك على حواف الكأس )، مما يعني حركة ارتدادية (الى شؤوننا)، الى (الأروقة والمراسلات لم، الخ ولكن لغة النص التي هي منا تأكيد للفخامة والبلاغة النصية التي تعبر عن الأسى من هذه الارتدادة التي شهدها الشوق الشديد، ولكنها أيضا تحمل لفحة سحرية مبطنة من اللغة والذات الفردية والجمعية : (هيبتنا محفوظة )، (مرتفعون في لغاتنا )، وهنا نتبين صفات أخرى للجمعية كما يستخدمها نامر، فهي في الآن نفسه تحشيد للصورة الجماعية كهوية تعلي المتكلم احساسا بالقوة، كما أنها طريقة لانتقاص الذات الجمعية والسخرية منها.
ومن هذا المقطع يذهب الشاعر الى مديح متحسر ليس للحبيبة فقط، بل لأي شخص رآها أو (وضع يدا على صابونة الركبة ) أو (غط أصبعا في السرة)… الخ الخ
وبعد ذلك يعود لاستخدام ضمير الجماعة وللرؤية الى الأنثى كفرد وكجماعة بحسب اختلاف الحالة والوقت :
" امرأتنا كلنا
كثير في النهار
وواحدة في شفافة الليل".
في هذا المقطع تتجمع امكانية تحشيدية، فرغم الكلام بصيغة الجمع، فإن
العلاقة مع هذه المرأة تظهر جبروتها على هذا الجمع:
" تعلقين مصائرنا على الأهداب
فسقط في رعدات ما شبه
بالحماء
يقبها السبي".
فرغم أننا لا ندرك القائم على فعل السبي رغم أنه يحمل خصائص الضعف الأنثوي، فإن مجريات ما سبق : السقوط من رعدات تشبه الحمى، تدفعنا لقبول هذه الصورة التي يتأنث فيها الجمع ويسبي، وتتذكر فيها الانثى المرغوبة القوية التي سبق أن نعت عضوها بصفة ذكورية في المقطع السابق :
"ذو الغرة
يتصوح برائحة أسد نائم".
قد يكون هذا المقطع استمرارا، كما قد يكون انقطاعا مع الرؤية التي درجت في الأدب العربي الذي صور العلاقة مع الآخر – الغرب، حيث المغلوب في بلده يقوم بدور الغالب في معركة تدور تفاصيلها على جسد المرأة الغربية، وليس الغموض في هذا المقطع الا دليلا عل هذه الرؤية لا العكس.
تقدم القصيدة صورا من الحسرة أبدية : "ولدت بهاتين العينين لتبصري غيرنا"، كما أنها تقدم مسودا في جلجلة المحبة الشهوانية المخبولة، لكن انجازها الجمالي الساحق لا يترك لهذا الصعود، أن يتحقق كما يسمه برؤية مفتوحة للسوسيولوجيا والسيكولوجيا : حيث الآخر ليس محض موضوع شهي بل انثى بكل تفاصيلها الجمالية والأخوية، وحيث الأنا صوت جمعي مشغوف متحسر شرس في ضعفه وواهن في قوة شوكته وجسارته.
حسام الدين محمد( كاتب من سوريا يقيم في لندن)