يحتفي الشاعر منصف الوهايبي بالقيروان، المدينة/العلم بعشق كبير حيث يستعيد الإحساس بالمكان ليكشف عن تفاصيل المدينة وجغرافيتها السرية التي ظلت ساكنة في متخيله. –فالقيروان كعلم مكان غني ومتنوع بمرجعياته الثقافية والسياسية والاجتماعية والتاريخية. والأمكنة مختلفة في دلالتها منها الواقعي والحُلمي والجسدي والرمزي.
3- المدينة العَلَمْ والمدينة الحلم
1.3. المدينة/العَلَمْ
يقول الشاعر منصف الوهايبي في قصيدة «عند أبواب القيروان «من ديوانه» من البحر تأتي الجبال» وهي قصيدة مهداة إلى الفنان «بول كلي»:
قل لنا
من أي باب جئتها
كيف تناهيت إلى أسوارها
كيف قلت اللون..صرت اللون
حتى استسلم الضًّوءُ
وأغفى في يديك الجمرتين !
……………………
آهٍ ! أعمى في بساتين أبي
فلتكن ريشتُك الضوء الذي يقتاد
هذا المغربي !
* * *
يطفئُ الليل فضاء اليرقةْ
يطفئ الوردةً،
والأعمى الذي كان يغني
عند أسوار البساتين
وحيــداً !
يتخفًّى الليل في هيئة صيًّاد،
ويستجمع في سلًّته سبعة نجومْ.
سيضيء الوقت
والخفّاش
والدودة في بيضتها
وعصا الأعمى
وليل القيروان
وسرير امرأة الغابات
والريح التي تأخذنا قبل الأوان !(1)
هذه القصيدة أهداها الشاعر منصف الوهايبي لـ«بول كلي» الرسًّام الأوروبي الشهير الذي زار البلاد التونسية في بدايات القرن، وعنوان النص «عند أبواب القيروان» اسم لإحدى لوحاته الفنية، حيث تصبح الريشة كوة ضوء يتخذها الشاعر طريقا وملاذاً ومسلكا. في القصيدة تتبدًّى القيروان زاهيةً، مُتَسَلِّطَةً بغوايتها، بعمقها التاريخي والرمزي. وتكرير اسم العَلَمْ «القيروان» في مجموع دواوين الشاعر ينم عن المكانة التي تحتلها هذه المدينة في متخيل الشاعر ووجدانه لأنها مدينة الميلاد والطفولة والذكريات.فـ(هذا التكرير مشترك في الشعر المعاصر. فالسياب استحوذت على قصيدته المومس العمياء مجموعة من أسماء الأعلام في الأساطير اليونانية والخرافات العربية، كما أن هناك تكريراً مكثفا لكل من اسمَي المكان بويب وجيكور في غير هذه القصيدة. ومحمود درويش لا يقل عنهما في استعمال اسم العلم. ولتكرير الأسماء الخاصة بالأعلام تاريخه في الشعر العربي القديم، إلا أنه في الشعر المعاصر اتجه نحو احتلال مكان عنصر إيقاعي قبل أن يكون مجرد مرجعية، كما عودتنا على ذلك مجموعة من القراءات. والأساس هنا هو «تجلية تلوينه المعجمي والخصائص المتموجة المنبعثة من البناء»، وهذه التسمية كما كان بوشكين يحددها «لا تعطي للبيت نوعاً من التلوين، ولكن بإمكانها أن تكون كذلك محددة مسبقا بالبناء» فتكرير الاسم الشخصي مندمج في البناء الإيقاعي في الوقت نفسه الذي يساهم في هذا البناء)(2).
الكتابة عن القيروان كمدينة/علم، كتابة تنسج امتداداتها العميقة مع علاقات متعددة مع المكان، بما هو فضاء للطفولة والذات والذكريات معاً. حفريات يتجاور فيها نبض الجسد مع سلطة المدينة في صداقة عميقة مع الذات الشاعرة حيث تقتحم القصيدة صمت وقلق وأسئلة هذه «القيروان» المنفتحة على شهوة التاريخ والإنسان والوجود.
نستعيد الإحساس بالمكان عبر اللغة، وتبقى تفاصيل المدينة ساكنة في متخيلنا خصوصاً وأن مدينة القيروان مقنعة بقناع التاريخ والأسطورة والعادات والطقوس وثقافات الشعوب التي حكمتها منذ القديم فـ(البعض يلاحظ أن ذلك ربما تحقق في مجموعتي الشعرية «مخطوط تمبكتو» 1998، التي استلهمت فيها تاريخ تونس القديم: الفينيقي والبربري والروماني خاصة، من جهة حفاوتي بالمكان والمدن…)(3)
هكذا تقاوم الكتابة الشعرية سلطة المكان وتنخرط في مساءلته جماليا وتاريخيا وتراثيا ورمزيا. بالقيروان/العلم يحقق منصف الوهايبي وجوده الشخصي والشعري عبر الاستعادة والاحتفال بالمدينة الذي سُمِّي الاتجاه الشعري باسمها وباسم الشعر الكوني الذي (تأسس في أواخر السبعينات إثر عودة منصف الوهايبي من القطر الليبي. وذلك بالاشتراك بينه وبين محمود الغربي.
ثم التحق بهما في الثمانينات البشير القهواجي وحسين القهواجي وعبد العزيز الحاجي. وقد حدد الوهايبي هدف هذا الاتجاه الذي تعددت تسمياته: « الشعر الكوني»، «الشعر الصوفي»، «الشعير القيرواني» في «خلق فعالية جمالية ثورية « لا يكون الشعر بمقتضاها «تابعاً للفعل لأنه في حد ذاته فعل» معرفا الشعر الحقيقي بأنه «الشعر الذي يستوعب لحظته التاريخية لكنه في الوقت نفسه يكون قادراً على الإفلات منها ليتنزل في منزلة الملحمة الخالدة»(4)
2.3 المدينة الحلم
في حياة كل شاعر مدينة يحلم بها، يحلم بالإقامة فيها جسديا ولغويا، جسديا ككيان إنساني في فضاء مكاني محدد جغرافيا أو هندسيا. لغويا بالكتابة الشعرية حيث يسعى الشاعر من خلال القصيدة أن يجعل من المدينة حلماً يعايشه ويعيشه. يدافع عنه لكي يكون حقيقة حُلمية في حياة الإنسان، حيث الصفاء والملاذ الآمن للروح المبدعة التواقة للسكينة والهدوء.
يحلم الشاعر بالمدينة مثلما يحلم بامرأة منفلتة، زئبقية، هلامية كلما قرًّر القبض عليها تنفلت منه هاربة ليعيد القبض عليها عبر الذاكرة الاسترجاعية بالحلم كطريق لفعل الكتابة الشعرية المنفتحة على السؤال والقلق والحيرة والغبطة.
والإبداع الشعري الغربي احتفل بالمدينة الحلم والمدينة التي يغيب عنها الحلم، ونورد هنا قصيدة للشاعر الإسباني غارسيا لوركا ترجمناها عن الإسبانية بعنوان « مدينة بدون حلم- ليلة قنطرة بروكلين»هذا الشاعر الذي قال فيه محمود درويش في إحدى حواراته الصحفية «لوركا عَلًّمني أن الشعر يغيِّر وظائف الحواس»، يقول فيدريكو غارسيا لوركا Federico Garcia Lorca في القصيدة السالفة الذكر:
لا أحد ينام من أجل السماء. لا أحد، لا أحد ينام
أجنة القمر يشمون ويحومون حول البراريك
ستأتي الأورال(5) الأحياء لكي يعضوا الأشخاص الذين لا يحلمون
والشخص الذي يهرب مكسور القلب سيلتقي في الزاوية
التمساح الغريب أريده تحت الاحتجاجات اللطيفة للكواكب
لا أحد ينام من أجل العالم، لا أحد، لا أحد، لا أحد ينام
هناك ميت في المقبرة البعيدة
يحتج طوال ثلاث سنوات
لأنه عنده منظر جاف في ركبته،
والولد المدفون هذا الصباح يبكي كثيرا
هناك حاجة لكي ينادوا على الكلاب لتخرسه،
الحياة ليست حلم. انتباه ! انتباه ! انتباه !
نتساقط من السلالم لنأكل الأرض الرطبة
أو نصعد إلى قمة الثلج مع جوقة الدالية الميتة
ولكن ليس هناك نسيان أو حلم
جسد حي/القبلات تضم الشفاه
في شبكة معشوشبة من الشرايين الحديثة
والذي يؤذيه ألمه سيؤذيه بدون توقف
والذي يخاف الموت سيحمله على أكتافه/ذات يوم
ستعيش الخيل في حانات/والنمل الثائر الغضبان
سيهجم على السماوات الصفراء التي تختبئ في أعين البقرات
وفي يوم آخر/سنرى بعث الفراشات المفصلة المشرحة
ومع ذلك سائرة في منظر من الإسفنج الرمادي ومراكب صامتة
سنرى الخاتم يلمع/ومن لساننا تنبع الورود
الحذر !حذاري ! حذاري ! للذين يحتفظون دائما بآثار الوحل والإعصار
لذلك الفتى الذي يبكي لأنه لا يعرف اختراع الجسر
أو لذلك الميت الذي لا يملك غير رأسه وحذاء واحد(6)
في هذه القصيدة للشاعر الإسباني فيدريكو غارسيا لوركا التي عنوانها «مدينة بدون حلم-ليلة قنطرة بروكلين» التي توجد في نيويورك، نلمس ملامسة الحياة اليومية في المدينة، تفاصيلها الصغيرة بعيون شاعر يتغلغل في جسد المكان ليستنطقه ويسائله بقصيدة تتجسس على الفضاء، كما تتجسس على العالم الجواني للذات الشاعرة. ترسم معالم حياة هامشية، منسية في الدروب الغارقة في البؤس والشقاء. إنها شهادة شاعر عن مدينة يغيب عنها الحلم والفرح.
تقول قصيدة منصف الوهايبي حداثتها من خلال احتفائها العاشق بالمدينة الحلم التي تعكس رؤية الشاعر لمدينة حالمة. واختراع المدينة الحلم في القصيدة للإقامة فيها هو اختراق معقلن لانكسارات القسوة والوحدة والعزلة والمنفى الوجودي التي تعيشه الذات الشاعرة حيث (تتمازج بنيات الزمان والمكان والنحو في رتق بلاغة الكتابة. كل منهما مؤثر في الآخر ومفض إلى تركيب كلية النص وتحولاته. لا تأتي هذه البنيات أفواجاً أفواجاً، ولكنها جميعها، تولد في لحظة بياض، حيث تحيا الذات حال إعادة التكوين، وتصبح اللغة برمتها إشكالية، لا التواصل مع القارئ هو المطروح ولكن سؤال البدء. لا هبة عَلَّية ولا إلهاما. تولد الكتابة مجاهدة واستمتاعاً. سرد غناء حوار وصف، لا سرد لا غناء لا حوار لا وصف. وما هي الكتابة إذن؟ هي ما يبحث باستمرار عن سؤاله لا عن يقينه باللغة وفي اللغة. وتستعصي الكتابة على الذاكرة، تصدِّعُها، تقلب سياق المعارف، تلعب بها، حادثة، إسماً، أغنية، مثلا، رواية علامة. لعبة يُقعدها الوعي واللاوعي، التقرير والتخييل، الواقع والرمز، والنسيان مبدأ بلاغة الكتابة.)(7)
لقصيدة منصف الوهايبي قوة التقاط شعرية الأمكنة بعيون فاحصة ومخيلة خصبة تؤسس لغتها الإبداعية الخاصة عن طريق المزج بين حرارة القصيدة في وهجها الأول وسلطة المكان الحُلمي في الدرجة الثانية عبر استعادته باللغة وتأبيده في القصيدة. يقول الشاعر في قصيدة «حلم تمبكتو.. كنز في ترشيش.حلم في ترشيش.. كنز في تمبكتو.»:
منذ سنين وأنا أحلم في تمبكتو حلماً واحداً:
الصًّندل..أطرقه، يأتي صوت كصليل
الماء
– من؟!
– مسكين من زاوية الجيلاني في تمبكتو
– جئت لأجل الكنز
– أجَلْ !
يفتح باب الصًّنْدَلِ..أدخل، لكنَّ صياحَ
الديك على قبة سيدي الجيلاني
يوقظنني…)
منذ سنين والحلم هو الحلم وكنزي في ترشيش..
لكن صياح الديك.
قلت أشد رحالي في الفجر إليها
ولأضرب في الصحراء
ترشيش الجنّة…ترشيش الخضراء !
والحلم المبتور
البيت رباب الصندل والكنز المخبوء !(8)
هذا النص صياغة شعرية لحكاية أوردها التنوخي «في الفرج بعد الشدة» حيث جاءت هذه الإحالة ضمن مفاتيح القصيدة كنص مواز وضعها الشاعر لإضاءة مسالك القراءة للقارئ و(بطبيعة الحال فإن الشعرية العربية القديمة لم تهتم بقراءة ما يحيط بالنص من عناصر أو بنيتها أو وظيفتها، وكذلك هو كتاب الشعرية لأرسطو أيضاً. وعملية الملاحظة والاستقراء التي اجتزناها في المراحل الأولى للقراءة عثرت فيما بعد على دراسات نصية حديثة في حقل الفلسفة والشعرية خصوصا، تنصت بطريقتها إلى هذه العناصر كما لعناصر أخرى تشكل معها عائلة واحدة، ويُسَمِّيها جيرار جنيت بالنص الموازي paratexte الذي هو في تعريفه «ما يصنع به النص من نفسه كتاباً ويقترح ذاته بهذه الصفة على قرائه، وعموماً على الجمهور»(9).
إن امتلاك المكان عبر ممرات اللغة هو ما يتيح للشاعر أن يفجر عبر فعل القصيدة حنينه وحلمه وقلقه وخوفه أيضاً. ترشيش الاسم القديم الذي كان يطلق على تونس لم تعد مكانا هندسيا أو مساحة مكانية بل فضاء شعريا وحُلميّاً في آنٍ معاً ممزوج بنفحات أحد أئمة الصوفية الكبار عبد القادر الجيلاني.
فاستبداد المكان/ المدينة ترشيش هو ما يجعل الشاعر يقاومه بالكتابة الشعرية، بأن يحلم بمدينة غير واقعية، متخيلة، حُلمية. في لحظة الاغتراب الداخلي العميق والوحدة يستدعي الشاعر تفاصيل الاخضرار الرامز للخصوبة والولادة والحياة والتجدد. ترشيش جنته الفوقية عندما ضاقت به الأرض. وتطور الفكر اليوتوبي يبين العلاقة الحميمة التي تربط هذا الفكر بالواقع الاجتماعي، حيث تضيق الحياة بالشاعر كأكثر الكائنات إحساساً وتَبَصُّراً بالحياة. يسعى لخلق عالم بديل عن العالم الأرضي المسكون بقسوته ومآسيه وحروبه.(إن اليوتوبيات التسلطية للقرن التاسع عشر هي المسؤولة بشكل أساسي عن الاتجاه اليوتوبي المضاد الذي يغلب اليوم على المثقفين. ولكن اليوتوبيات لم تصف دائماً مجتمعات شديدة التنظيم والانضباط، ودولاً مركزية وأمماً مكونة من ربوتات. لقد قدم لنا ديردو في «تاهيتي» وموريس في «أخبار من لا مكان»، يوتوبيات يعيش فيها الناس أحراراً من القهر الجسدي والأخلاقي، حيث لا يعملون من منطلق الضرورة أو الإحساس بالواجب، بل إنهم وجدوا أن العمل نشاط ممتع، وحيث لا يعرف الحب قوانين تتحكم فيه، ويكون كل إنسان فناناً. لقد كانت اليوتوبيات في أكثر الأحيان خططا ومشروعات لمجتمعات تعمل بشكل آلي، وبناءات ميِّتة تصورها اقتصاديون وسياسيون وأخلاقيون، ولكنها كذلك الأحلام الحية للشعراء»(10)
في القصيدة وبها سيجعل منصف الوهايبي من متخيل المدن أحد الروافد الهامة في بناء الخطاب الشعري الحديث ليؤسس لكتابة شعرية تحتفل بتجليات المجال الإدراكي وحرارة العالم الباطني للذات الشاعرة. ترحال عميق في شساعات المكان وتوق دائم إلى المدينة الحلم للإقامة في اللغة عبرها. يقول الشاعر منصف الوهايبي في قصيدة قيروان:
متقدِّما فيها إليًّ..أقول:
من هذا الغريبُ؟
أليس لي أحلامه مكسورة قطعا من الفخّار..
تسبكها حروفٌ تنقل الأصوات من صمتٍ
إلى صمتٍ؟
أليس له يداي أنا؟
يد في الباب كالمرآة خاوية
وأخرى..عرقها لم ينقطع دمه؟ !
هو ذا نهار آخر
فيها..يخون نهاره(11)
استعادة الأماكن بالتخيل هو ربط علاقة قوية مع الموجودات باللغة ومن خلالها. لأن عمق الاحتفاء بالمدينة الحلم تفجره القصيدة عبر كينونة التداخل الذاتي مع المكاني في التصاق دائم. ويقع التلاقح بين التخيل والوجود المكاني/ المدينة الحلم من استحضار الزمن المنسي، المنفلت، الهارب من أقاصي الحلم إلى وهج المخيلة. تلعب قصيدة منصف الوهايبي على الصورة الشعرية باعتبارها من المكونات الأساسية البانية في خطابه الشعري ولنا في القصيدة السالفة الذكر ما يثبت ذلك(إن الصورة تفتن، لأنها تسمح بالرؤية والحياة حيث لا نتوقعها. بهذه الفتنة يلعب النص، مهما كانت منابعها، مهما كانت غايتها. بل وربما تحدد هذه اللعبة الوظيفة الشعرية، خارج مسالك الأدب المطروقة. هذا شيء جيد، ويظهر على الأقل كأنه يمر بسهولة، تقريبا، طيلة الوقت الذي نرفض فيه اختبار رصين لهذه الفتنة، سواء أردنا الاحتفاظ بها تامة عن طريق التستر وراء تشبثنا الشديد بـ«شعرية غامضة».أو أردنا رفضه دفعة واحدة بالالتجاء إلى أي نسق تفسيري ميسر ومختزل. ولكن لماذا نتريث عند هذه الفتنة التي تجعل النص يتوقف فجأة عن التعبير عن شيء ما ليعبر عن نفسه، ويحولنا عن خطابه في حين أنه يحمدنا داخله، كأنه يحدثنا عن الهناك فيما هو حقيقة يحدثنا عن الهنا، وفي الأخير يظهر لَنَا وهو يظهر شيئا آخر مختلفا ؟)(12)
قصائد الشاعر منصف الوهايبي تحفر في تضاريس الذاكرة مجراها الجمالي وفرادتها الخاصة باحتفاءها بالمدينة الحلم/ القيروان عبر التلصص على شساعات المكان بحرارة التجربة الشعرية. إن الكتابة عن المكان/ المدينة اختبار لمدى قدرة القصيدة واللغة على امتصاص فداحة الشساعة الهندسية التي يواجهها الشاعر. و(يحدد ج. جنسون (J.H Johnson شعر المدينة بأنه :» الشعر الذي يصف مدينة واقعية وصفا مباشراً، أو يصف البشر الذين تتأثر حياتهم بتجربتهم في مثل تلك المدينة تأثراً واضحاً، ومعنى هذا أن اختياري لن يتضمن الأحلام والرؤى والأوهام والخيالات، التي لها علاقة واعية أو لا علاقة لها البتة بالمدينة الواقعية. وبذلك يلغي المدن المتخيلة، اللاواقعية، ومن ثم ينحي قصيدة (مدينة الليل المرعب(لجيمس تومسون (Thomson) وقصيدة (البيزنطية) لييتس.(yeats).
لكن مدن الشعر ليست المدن الواقعية فحسب، بل ما تبدعه الذات المتخيلة، فلكل شاعر مدينة تحيا بأعماقه، وهي لا تتطابق بالضرورة مع مدينته الحقيقية)(13).
هكذا تشي الممارسة النصية للشاعر منصف الوهايبي للاحتفال بالمدن الواقعية والحُلمية عبر متخيل شعري يتغذى من المكان إبداعيا وجماليا.
4-الحنين للمدن
1.4.الحنين للمدن العربية
الحنين للمدن و الأمكنة مترسخ في الذاكرة الإنسانية وفي ذاكرة الشاعر العربي أيضاً، حنين إلى رَحِم الطفولة الأول، توق إلى مكان أليف ترتاح فيه الذات والروح معاً. وحنين الشاعر العربي لمدنه المتناثرة في العالم من المحيط إلى الخليج نابع من إحساسه المرهف بالكائنات والأمكنة.
ففي ديوان «من البحر تأتي الجبال» نجد الشاعر يحن إلى أكثر من مدينة عربية مثل (القيروان، الأندلس، فاس، صنعاء، الكاظمية، البصرة…) وفي ديوان «مخطوط تمبكتو» نلمس مدنا متعددة مثل (مسكلياني، تكاباس، حضرموت، سيكافينيريا، تمبكتو، تطاوين، رسبينا…) وهي أسماء مدن عربية قديمة وقبل الفتح العربي في تونس وليبيا ومالي أحيانا يستدعيها الشاعر كأقنعة لأمكنة أحبها. أما في ديوانه الأخير «ميتافيزيقا وردة الرمل» الصادر سنة 2000 بالقيروان فَيُعَبِّرُ عن صداقة عميقة للشاعر بالأمكنة والمدن من خلال الكتابة عنها بالتذكر والحنين ومساءلة ألغازها وأسرارها. مدن تقبع في الذاكرة ليمتص حنينها الفادح بالكتابة عنها شعريا وهي (مدينة صور، المهدية، دمشق، قيروان، القاهرة، أصيلة، طنجة…) يقول الشاعر منصف الوهايبي في قصيدة «تلك فاس»:
طرق تتحابك بين أصابعها.
أيها كان يفضي إلى القيروان
وأي إلى فجر تمبكتو كان
وأي إلى قرطبة ؟
………………………………
طرق تتشتت بين أصابعنا..
طرق وَعْرةٌ مُتِْربَهْ ؟
* * *
حين غادرت مولاي إدريسَ
عند العشيِّ
سمعت حفيفاً ورائي
فلم أتلًّفت………….
بطيئاً سيقفو خطاي
إلى جامع القرويين..
…………………………..
لي أن أقدًّ الكلام
على قدر حلمي
وله أن يعود إلى طقسه،
وله أن يسوِّي جِنْحَيْنِ
من ضَوْئِهِ ويطيرْ !
……………………………
جَسَدٌ
مثلما نحن نذْهَلُ في الحلم عَنْهُ
سيذهَلُ في وحشة الموت عنًّا
ويتركنا وَحْدَنَا
في العذاب الأخير!(14)
فاس مدينة عصيّة عن التحنيط في جغرافية الكتابة وفي المتخيل الشعري، مفتوحة على الألق والانبهار والغواية، تمارس سلطتها الرمزية وجاذبيتها الساحرة على الشاعر ليقرأ نبض أسرارها وتفاصيل أمكنتها التي سكنت خيال منصف الوهايبي ليحاورها باللغة. إنها كتابة تتوسل حنين المدن كمرجعية تخييلية في ممارستها النصية عبر السفر في التشكلات الرمزية والمكانية للمدينة/ فاس. و(تنطوي علاقتنا بالمكان – إذن- على جوانب شتى ومعقدة تجعل من معايشتنا له عملية تجاوز قدرتنا الواعية لتتوغل في لا شعورنا. فهناك أماكن جاذبة تساعدنا على الاستقرار، وأماكن طاردة تلفظنا. فالإنسان لا يحتاج فقط إلى مساحة فيزيقية، جغرافية يعيش فيها، ولكنه يصبو إلى رقعة يضرب فيها بجذوره وتتأصل فيها هويته، ومن ثم يأخذ البحث عن الكيان والهوية شكل الفعل على المكان لتحويله إلى مرآة ترى فيها «الأنا» صورتها، فاختيار المكان وتهيئته يمثلان جزءاً من بناء الشخصية البشرية…فالذات البشرية لا تكتمل داخل حدود ذاتها ولكنها تنبسط خارج هذه الحدود لتصبغ كل ما حولها بصبغتها، وتسقط على المكان قيمها الحضارية. ومن ثم يمكن القول إن هناك أماكن مرفوضة وأماكن مرغوبا فيها، فكما أن البيئة تلفظ الإنسان أو تحتويه فإن الإنسان – طبقا لحاجته- ينتعش في بعض الأماكن جاذبة أو طاردة، فقد تكون الأماكن الضيقة، المغلقة مرفوضة لأنها صعبة الولوج، وقد تكون مطلوبة لأنها تمثل الملجأ والحماية التي يأوي إليها الإنسان بعيداً عن صخب الحياة، وتكون صورة الرحم)(15).
الاحتفاء بفاس كمدينة عربية والحنين إليها، احتفاء بشساعة المكان المسكون بالغواية، الممتد في خيال الشاعر عميقا. هكذا تكون الإقامة في الكتابة عند الشاعر منصف الوهايبي اختياراً وجوديا واحتفالا عاشقا بالمكان في ممارسته النصية. فالشعر عنده حفر في المتخيل والجسد، إنصات للقلب والإنسان والأمكنة، وما مجموعته الشعرية «ميتافيزيقا وردة الرمل» إلا جزءاً من هذه الرحلة الشعرية في ذاكرة المدن وتفاصيلها وأسرارها المنطلقة من الذات الشاعرة كذات مبدعة خلاّقة، تنتج عبر فعل الكتابة أراضٍي شعرية Teritoires Poétiques حيث تنمحي الحدود بين الجسد والقصيدة والمكان، ويتم التداخل بين الذات والمدينة. يقول الشاعر منصف الوهايبي في قصيدة «تلك فاس»:
وحشتي فيكِ
باقيةً ما تزال!
غير أن النعيم الذي
حقَّنا مرَّة..
النعيم الذي
قد قسمْنا سواءيْنِ ما بيننا
ممكنا ما يزال
……………………………
كم تمنيت في فَاسَ أن نلتقي
صدفةً !
كم تملًّيت وَجْهَكِ
في أوجِه المغربيات !
كم تعقّبتُ ظلك
بين الظلال!
كم وهِمت! !
* * *
تلك فَاسُ أم القيروان؟
فاس أم قرطبهْ؟
فاس أَمْ هي تَمْبُكْتُو؟
هذي التي إذًّا خَلَتْ
في يديها الخيوطْ
ووقفنا على بابها
ذات صيفْ
نتقرًّى قديم حِجارَتَهَا
وَنَفُكُّ الخطوطْ!(16)
تنتصر قصيدة منصف الوهايبي لسحر المدن. فاس المدينة العربية والحنين إليها يجعلها قصيدة محيرة وملغزة، والكتابة عنها شعريا من طرف شاعر تونسي مفتون ومسكون ببهائها وسلطتها الرمزية على ذاكرته يجعل منها متسع للترحال في بهو ذاكرة المكان والسفر بعيداً الأقاصي فاس المدججة بالغواية والافتتان والانخطاف.
يستعيد الشاعر فاس عبر فعل الكتابة الشعرية لينغرس في متعتها الأبدية. فاس تتداخل بجمالها ورونقها وأناقتها في متخيل الذات الشاعرة مع القيروان وقرطبة وتمبكتو لخصوصية المعمار والإرث الحضاري والتاريخي المشترك بينهما. وبالتالي فهذه القصيدة ترسم لنا وجه وتقاسيم المدينة، حياتها اليومية، تفاصيلها الصغيرة، الحياة الباطنية والسرية التي لا ترى إلآًّ بعين الشاعر اللاقطة للأشياء والفاحصة للكائنات. إنه نص شعري يتغذًّى من أمكنة ومتخيل المدن المغربية/ فاس. و(المكان في الشعر تشكل عن طريق اللغة التي تمتلك بدورها طبيعة مزدوجة، إذ للغة بعد فيزيقي يربط بين الألفاظ وأصولها الحسية، كما أن لكل لغة نظاما من العلاقات التي تعتمد على التجريد الذهني. لكن المكان الشعري لا يعتمد على اللغة وحدها، وإنما يحكمه الخيال الذي يشكل المكان بواسطة اللغة على نحو يتجاوز قشرة الواقع إلى ما قد يتناقض مع هذا الواقع، غير أنه يظل على الرغم من ذلك واقعاً محتملاً، إذ أن جزئياته تكون حقيقية، ولكنها تدخل في سياق حلمي يتخذ أشكالاً لا حصر لها، يصل إليها الخيال اللغوي فيما يمكن أن يسمى جماليات اللغة أو جماليات الخيال)(17).
وبحكم أن الإبداع يتعلق بكينونة الإنسان، والإنصات بصدق لعالمه الداخلي. لذلك يعتبر النص الشعري الذي يشتغل على متخيل المدن عبر الحنين أو الاحتفاء بها إعادة لكتابة الحياة وفق منظور جمالي يحقق متعة التجسس على عمق الكائنات الموجودة في المجال الإدراكي أو في أعماق الإنسان. فالشاعر منصف الوهايبي ساهم في إثراء تجربة الشعر العربي المعاصر من خلال ممارسته النصية التي ركزت في العديد من دواوينه على متخيل المدن كأحد الروافد الأساسية في بناء الخطاب الشعري الحديث حيث (لم يتشكل الظفر بممارسة الشعر المعاصر في تونس ولم يتهيأ عمليا إلا مع ممارسات شعراء آخرين. منهم من شارك حركة « في غير العمودي والحر» عملها وتنظيرها الشعري، كالمنصف الوهايبي (1949) الذي يمكن اعتبار مجموعته الشعرية « ألواح» اقتراباً بالممارسة الشعرية إلى اختبار الزمن؛ وإنصاتا إلى المشترك من أجل جعل الصوت الفردي للذات تاريخيا: في تجاوبه مع قصيدة عربية حديثة، وبحثه عن أسباب ممارسة لها وجاهة الانتماء للزمن باختيار شعري لا يتردد في تجريب الطرائق النصية وبناء العبارة)(18).
القصيدة عند الشاعر منصف الوهايبي تُنشئ حواراً غنيّاَ مع المدينة/ المكان- فاس لتعطيه بُعداً شعريا يؤنسن تفاصيله وأبعاده الهندسية، والصورة التي ترسمها هذه المدينة المنفلتة أبداً من نصوص الشعراء في متخيل الشاعر تتجذر. برغبة قوية في البحث عن الزمن الضائع، الهارب من تضاعيف الروح والذاكرة. والكتابة عن المكان/ المدينة فعل مقاومة لسحره وسلطته الرمزية عبر ممرات القصيدة. بما هي لحظة إبداعية تنهض من تلاقح الذات الشاعرة مع المكان. إنها سيرة شاعر مهووس بتجربة الانخراط والاشتغال مع جماليات المكان فـ(ليست المدينة إذن فقط الفضاء الموزع الذي يمنح الأجساد سكنا ولكنها فضاء فاعلية المواطنين وكثافتهم الرمزية للفضاء الذي يمنح العقول والأفكار أيضا سكناً. إن طرح مسألة السكن معناه مثلا بالنسبة لنا أن تفكِّره كإشكالية وأن تنتج مفهومه: هل نسكن المدينة بالفعل بما هي علاقة بين الاجتماعي والسياسي، بين المادي والرمزي، بين المجتمع المدني وحرية الاختلاف والتعبير، بين الأفراد ورغباتهم وطموحاتهم؟ هل نسكن المدينة بالفعل بمعنى هل نحفر في فضائها المادي آثار عبورنا ورمزية أم أنها فقط الفضاء الذي نسكنه كجثث ويسكننا كمقبرة ؟ هل نسكن وفق نوع من السكن الذي يجعل المدينة فضاء لابتكار أنماط وجود محايثة ومتعددة والانفتاح على قوى التخيل والإبداع والتفكير اللامتوقعة ؟)(19).
تنجح قصيدة منصف الوهايبي في إعادة خلق مدينة فاس بصورة مسكونة بالإشارات التاريخية والحضارية من خلال الحنين إليها حيث تَتجاذب حرارة الذات الشاعرة مع عبق التاريخ وسيرة المكان التي تهب للمدينة بُعداً جماليا ورؤيويا وشعريا. إن الحنين لفاس المدينة العربية المنفتحة على خيال الشعراء وعلى بلاغة الانتماء بقوة إلى مكانها الآسر هو ما يفجر في روح الشاعر الحنين العميق لرغبة الذاكرة والذات في الإقامة داخل اللغة والكتابة ومحاورة الأمكنة والكائنات أيضاً. لأن (الشاعر يكتب الشعر من خلال مخيلة، ومن خلال نصوص قرأها ومن خلال الواقع أيضاً.إنه ليس مفصولاً عن الواقع الذي يعيش فيه. ولكن ينبغي أن تتوفر له أيضاً أدواته الشعرية)(20).
تقوم قصيدة «تلك فاس» للشاعر منصف الوهايبي على تمجيد سيرة المكان بطفولة القلق، مسكونة بغواية التأمل في وهج الذكريات من خلال الوعي بامتلاك المدينة باللغة، احتماء الذات الشاعرة بالقصيدة من أجل امتصاص شساعة المكان الهارب باستمرار من أقاصي المخيلة.
يستبد المكان/المدينة- فاس بذاكرة ومتخيل الإنسان من خلال طقوسه وعاداته وحياته السريًّة وألغازة الغارقة في العتمة. فالشاعر بدافع الغوص في أرخبيلات وشساعة المكان يتجسس باللغة على هذه الفضاءات التي تُغري بالمساءلة عبر ممرات القصيدة التي تؤدي إلى ثنائية الجسد/ المكان، الشاعر/ المدينة. باللغة وحدها يقدر الشاعر على ترويض وامتصاص قسوة أو غواية ولذة المكان و(يتمثل المكان، في الوظيفة التي اختص بها كل من الجنسين في العقد الاجتماعي، كما ترى «جوليا كريستيفا». وكل إنسان يستعمل المكان ويدركه بتمثل خاص للثقافة السائدة والموروثة التي تحدد ارتياد الأمكنة بحسب تقسيمها للناس كفئات أو طبقات في الزمان المحدد. وكما يرى زادوارد في كتابه «البعد اللامرئي» فإن نظرة الفرد إلى المكان ترتبط ارتباطاً وثيقاً إلى ذاته، وباتصاله الحميمي بمحيطه)(21).
هكذا إذن يسعى الشاعر منصف الوهايبي من خلال قصيدة «تلك فاس» لاكتشاف مغامرة السفر وعشق الأمكنة/ المدن متمثلا في محاورته للأشياء والكائنات والأزقة أيضا. في ترحاله يتفقد سلطة وجاذبية المكان بما هو لحظة هاربة من حلم المخيلة. من خلال الحنين واسترجاع الذكريات لفاس يصنع الشاعر وجوده من خلال الكتابة الشعرية التي تحتفي بالمكان في أبعاده الجمالية والرؤيوية. و(مادام نريد الذهاب كذلك بعيدا، ننزل أيضاً عميقا، البحث الظاهراتي على الشعر بسبب إجبارية المنهج، الفرضيات العاطفية التي معها، أكثر أو أقل إغناء، سواء كان هذا الغِنى في داخلنا أو في القصيدة. نتلقى العمل الفني. هنا يجب بعث الإحساس في ذلك الازدواج الظاهراتي للرنًّات والدوي، الرنات موزعة على مختلف تصاميم حياتنا في العالم. الدوي ينادينا للتعمق على وجودنا الخاص. في الرنين نسمع القصيدة، في الترديد نقولها لتصبح ملكنا.
الترديد يحدث تغير الكائن. يتراءى أن الكائن الشعري يصبح كائننا. تعدد الرنات تخرج إذن من وحدة الكائن الداوي. بباسطة أكثر نقول: نلامس هنا إحساساً جميلا معروفا لكل القراء المتيمين بالقصائد: القصيدة تمتلكنا كليّاً. فهم الكائن للشعر علامة لا تخطئ أبداً.
غزارة وعمق القصيدة هم دائما ظواهر مزدوجة للرنًّة والدويِّ. يتراءى أنه مع الغزارة، القصيدة توقظ
فينا الأعماق لنتيقن من الوظيفة البسكيلوجية للقصيدة. يجب إذن تتبع منظور في التحليل الظاهراتي
نحو تدفقات الذهن أو في اتجاه عمق الروح)(22).
بالقلق الوجدودي الذي يهب للمكان حركيته في مخيلة الشاعر، يتجسس منصف الوهايبي على تفاصيل مدينة فاس وعلى أسرارها وسيرتها أيضا جاعلاً من العالم الجواني للذات الشاعرة محَفَّزاً أساسيا للاحتفاء والحنين للمدينة.
هكذا تنهض قصيدة منصف الوهايبي «تلك فاس» على استجماع واسترجاع الذكريات ولحظات الألفة مع المكان/ المدينة بلغة مشبعة بالخيال والحنين ومتشبعة بشعرية تمجيد المكان.
4.2. الحنين للمدن الغربية
ركز الشاعر منصف الوهايبي في ممارسته النصية على الحنين للمدن، متجولا بخصوبة متخيلة في ذاكرات مدن عربية وغربية يلامس سلطة شعرية المكان على الذات الشاعرة من خلال الافتتان الآني أو التذكر الاسترجاعي المعتمد على الحنين والألفة في مقاربة الأشياء والكائنات والحياة اليومية الموجودة في فضاءات هذه المدن إلا أن زيارة الشاعر المتكررة لمدن غربية تركت في خياله أثرا وذكرى لا تزال ساكنة في عمق ذاكرته. تلاحقه هاته الأمكنة/ المدن المتناثرة في دواوين الشاعر بدءاً من ديوانه الأول «ألواح» الصادر سنة (1982) حتى آخر دواوينه «ميتافيزيقا وردة الرمل» الذي صدر سنة (2000). يحتفي الشاعر ويَحِنُّ للمدن الغربية مثل (سراييفو، سان جرمان، مرسية…) ليؤسس مع هذه الأماكن صداقة الحنين والتجوال والشعر والحياة. و(تمثل المدينة الغربية في التراث المسيحي نمط نشوء وسقوط الحضارة، فإذا أراد دارسُ تقصي المنحى الحضاري في حقبة تاريخية ما فإنه يلجأ مثلا إلى دراسة أحوال روما (أو البندقية أو ميلان) في تلك الحقبة، وتصبح تلك المدينة نمطاً حضاريا مميزا بما تمثله من علاقات ثقافية ودينيه واجتماعية وحكومية. في القرون الوسطى تحولت مراكز المعرفة والشريعة من الأديرة إلى الجامعات،
وفي هذه التحول اندمج المنحى السامي للمدينة بالتراث الغربي فالتصق الرمز الروحي لها بوجودها المادي، وأصبحت المدينة، كما في عرف القديس أغسطينوس، دير الرب)(23).
الحنين للمدن الغربية في شعر منصف الوهايبي ليس حنيناً إلى أماكن جغرافية أو فضاءات هندسية بل حنينا يقترن باحتفاء واحتفال الشاعر بالمكان/ المدينة الحُلمي والواقعي في آنٍ معا، حيث يتداخل مع الذكرى، ألم الفراق مع بهجة التذكر للمكان الهارب في الزمن، الحاضر في القلب والمخيلة.
يقول الشاعر منصف الوهايبي في قصيدة «مرسية/ دمشق» التي أهداها إلى عبد الوهاب المؤدب ومحمد بنيس، ذكرى ضريح محيي الدين بن العربي:
كان ليل الحديقة في بيته
يتحدر من قاسيون
يورق منها تويج المصابيح..
كانت أزاهيرها بحدائق بابل تحلم..
أو بحدائق مرسية..
وهو في الموت، مستيقظا، يتعلم
من أول الضوء..
من أول الضوء..
كيف يكون له حجر
يستريح إليه..
حصاة من النهر
تحفظ ذاكرة الماء أو طعمه
من ينادي علي بصوتي؟ يطوف بصمتي؟
أما كان نطقي فيه
إذا ما نطقت؟
وأحوال نفسي فيه
إذا ما سكت؟
ألا بد من سلم نرتقي فيه..
أو سلم منه ننزل؟
سلمه..صاعداً فيه أو نازلاً..
ما عرفت له أولاً..
ما عرفت له آخرا..
لأقل:
هذه لغة آن أن تتلامس والأرض
أن تتلاقى بها الكلمات
كما تتلاقى بصمت المرايا العيون
وكأن الذي كان بيني وبينك
رجع الجفون !(24)
يؤثث الشاعر عالمه الداخلي بالقصيدة التي تعلمه الإنصات الدقيق لنبضات المدينة/ المكان مرسية من خلال الاعتماد على الذاكرة الاسترجاعية، حيث سيتحضر تفاصيل الحياة اليومية للمدينة وفتنة الصداقة المتينة مع الشعراء وأهل الأدب (عبد الوهاب المؤدب- محمد بنيس) إن الكتابة عن المدينة ولها من خلال اشتعال الحنين إليها هو ما يؤسس لشعرية المدينة التي تتحول إلى مكان شعري منغرس في متخيل الشاعر ووجدانه أيضا. و(المدينة الشعرية ليست بعينيها المدينة الواقعية بطبيعة الحال، فكل شاعر يصنع مدينته، ومدينته تعيش داخله. وعلى ذلك قد تتولد المدينة الشعرية المتلألئة بالأضواء من مدينة أطفئت أضواؤها في واقع الحال. وحديث الشعراء عن مدن نعرفها ينبغي ألا يغرينا بتلمس المعالم المادية التي تعرفها في «الرؤية الشعرية» التي يقدمها الشعراء لتلك المدن… فوصف المدينة في الشعر إنما هو محاولة من جانب الشاعر لبناء مدينته من جديد، وبذلك تكون الصفات التي يخلعها عليها صفات خاصة – وإن تشابهت لدى أكثر من شاعر في ظاهر الأمر… يغطي موقف الشاعر العربي المعاصر من «المدينة» مساحة واسعة في مجال رؤيته، مما يبلغ بهذا الموقف أحيانا حد التناقض ففي جانب تقف المدينة الطاهرة، النقية «المعشوقة» التي تكاد تكون مبرأة من العيوب، وفي جانب آخر تقف المدينة المزيفة، القاسية، المشوهة، الموقفين المتباعدين تنبثق المدينة الرمز التي تجسِّد بصفاتها معنى شاملاً يومي، في بعض الأحيان إلى الحياة ذاتها)(25)
في قصيدة «مرسية/دمشق» يسعى الشاعر إلى امتلاك المكان عبر فعل اللغة من أجل ترميم فعلي لرحم المخيلة التي تشتهي المدينة والذات الشاعرة التي تعشق بجنون الحنين إلى المدينة/ المكان (مرسية/دمشق).
إن الحنين للمدن الغربية في شعر منصف الوهايبي فسحة لتأمل واستنطاق الذات والحياة والكون. انخراط لحركية القصيدة في تفاعلها مع المدن المشتهاة في القلب والذاكرة أيضا. وانفتاح عميق لما يملكه الشعر والشاعر من حدوسات استشرافية تَسْتَعِيدُ مجد الأمكنة الهاربة من أقاصي الزمن. لكن ما يميز ديوان «ميتافيزيقا وردة الرمل» هو بحثه عن شعرية خاصة، شعرية المكان وبلاغة المدن ضمن رؤية الذات المبدعة للعالم الخارجي والمجال الإدراكي. تقول قصيدة منصف الوهايبي حداثتها من خلال حنينها واحتفائها العاشق بالمدن متمردة على الأنماط الكتابية السابقة. و(لم يعرف المغرب العربي، بعد الشابي ممارسة شعرية بالعربية تحتمي بالسؤال والجسارة إلا أن في السبعينيات. والمغرب كان حاضراً هذه المرة في السبعينيات اكتشف شعراء شباب أن قصيدة المغرب العربي تقليدية، لأنها قنوعة، لا تسائل ولا تواجه ولا تتأمل. وشعر السبعينيات، من هذه الناحية، مثل خطوة نحو تجربة عبور الخطر، حيث الشعر يهدم حدوده التقليدية. صخب الحياة وصخب الجسد أصبحا عنصراً حيويا في إعادة بناء القصيدة. تمحي الحدود بين الشعر والنثر. يخرج البيت الشعري على تقعيده القبلي، يتولى التنافر مصاحبة الكلمات، يتدخل الحذف في صوغ الترابطات، وتعثر العين على تاريخها المنسي في الخط المغربي ومشهد الورقة البيضاء المواجهة أساس هذه التجربة، وبالدم الشخصي كانت القصيدة تعثر على إمضائها.
بدءاً من الشابي كانت أقنعة القضاة تتبدل. وفي تونس والجزائر والمغرب تعدد الخروج على البنية الشعرية التقليدية. بالفائض الحيوي كان الشعراء يهتدون إلى السكن على حدود الخطر. والقصيدة في هذه الحالة تجربة لأنها كانت تستنفر جَسَداً بكامله، وثقافة ومجتمعا بكاملهما. والقضاة الذين بدلوا أقنعتهم من الثلاثينيات إلى الثمانينيات، كانوا يقتصون من كل شاعر اكتشف أن الشعر أبعد من الشعر. والقصاص لا تسألوا عنه، لأن خطاب المجد يعلمنا آداب نسيانه على الدوام. انظروا إلى أكفكم جيّدا وانظروا. ولا تخبروا أحداً. بما رأيتم، و لا تخبروا حتى حواسكم الأخرى بما رأت العين أو سمعت الأذن.)(26)
عندما نستعيد الإحساس بالمكان، فإن تفاصيل الحنين للمدينة يبقى ساكنا في خيالنا. بالحنين إلى المدينة الغربية يختبر منصف الوهايبي قوة ذاكرته ووجوده الشخصي والشعري والجمالي عبر الذاكرة الاسترجاعية التي تحتفي بالمدينة وحمولاتها التاريخية والثقافية والحضارية والرمزية. يقول الشاعر في قصيدة «سراييفو»:
حِينَ غَادر فُنْدُقَهُ
في سراييفو
ذَاتَ صَبَاٍح خَِريفْ
لَمْ تُلَوِّحْ له امرأةٌ
أو صَدِيقْ
لَمْ يُلَوِّحْ له عابرٌ
في الطريقْ
…………………….
كان يسلُكُ والنهْر
تَحْتَ رَذَاذِ الخريفْ..
…………………….
هَلْ سَيَذْكُرُ تِلْكَ الصًّبيًّةً
تَشْرَعُ تَحْتَ الرَّذَاذِ مِظَلَّتَهَا ؟
وَتُنَاديهِ أن يحتمي مَعَهَا ؟
…………………….
هل سيذكر تِلْكَ المساجِد ؟
تلك المنازل ؟
تِلْكَ القُرى الهاِربَاتِ وراء التِّلالْ ؟
…………………….
لَمْ يُلَوِّحْ لَهُ أَحَدٌ
غَيْرَ سَرِْو الْجِبَالْ
بِمَنَاديِلِهِ الخُضِْر
خَافِقةً في رَمادِ الخَريفْ !(27)
بين الاغتراب الداخلي والعزلة هناك في سراييفو ما يدعو الشاعر إلى مطاردة هذه الوحدة القاسية بالقصيدة حيث اللغة تسمح باقتناص التفاصيل الصغيرة للحياة في هذه المدينة. فصل الخريف كعادته الأبدية دائما يشعل في مخيلة الشاعر سفره المنسي، حيث الشوارع فارغة من النساء والعابرين. لكن الطفولة المخضرة بألقها المتمثلة في الصبيَّة ما يجعل الشاعر يظفر بصداقة عابرة معها ليحتمي من رذاذ المطر تحت مظلتها. في الاحتماء ينسج الحنين للمدينة سيرته الأولى. ولهذا فالإبداع رؤية للذات والكون والعالم و(الشعر ميتافيزيقا لحظية، في قصيدة شعرية قصيرة عليها أن تقدم رؤية الكون وسِرًّ الروح، الكائن والأشياء في نفس الوقت. إذا كانت تَتَبِعُ بباسطة أثر الحياة، فهي أقل من الحياة. لا يمكن أن تكون أكثر من الحياة في نفس المكان إلا بتجميد الحياة وبمعايشة جدلية الأفراح والآلام. فهي إذن مبدأ لتزامنية جوهرية حيث الكائن الأكثر تَشَتُّتاً والأكثر تَفرُّقاً يظفر بوحدته.
ففي كل قصيدة حقيقية، نجد عناصر زمن توقف، زمن لا يخضع للقياس، إنه زمن نسميه عموديا لتمييزه عن الزمن العادي الذي يَفِرُّ أفقيا مع ماء النهر ومع الريح العابرة، ومن ثم المفارقة التي يجب الإعلان عنها بوضوح، بينما زمن العروض أفقي، فإن زمن الشعر زمن عمودي. فالعروض لا ينظم إلا الأصوات المتتالية، وينظم إيقاعات التأثيرات والانفعالات التي غالبا مع الأسف تكون ضد الزمن بقبولها عواقب اللحظة الشعرية، العروض يسمح بالالتحاق بالنثر، بالفكر المفسر- العواطف المعيشة، الحياة الاجتماعية، والحياة العادية، الحياة العابرة، الخطية، المستمرة. لكن جميع القواعد العروضية ليست إلا رسائل ووسائل قديمة، الهدف هو العمودية، العمق أو العلو، هو اللحظة الثابتة حيث التزامنيات بتنظيمها تبرهن أن اللحظة الشعرية لها بع ميتافيزيقي)(28).
تعكس قصيدة «سراييفو» للشاعر منصف الوهايبي رؤية شعرية لما تفعله المدينة في متخيل المبدع في الاتجاه الذي تكون فيه المدن والأمكنة مؤطرة ومجسدة وبانية لوعي جمالي وتجربة شعرية تمتاح من الذات ومن المجال الإدراكي في آن معاً. بالشعر وحده نستعيد تفاصيل الإحساس بالمكان ضمن الوفاء للذكريات التي عشناها في المدن وبقي الحنين إليها مشتعلا دوماً في القلب والخيال.
«سراييفو» سيرة مدينة يكتبها الشاعر بنبض خياله وبحرارة التجربة الداخلية للذات الشاعرة التي تؤسس قلقها الوجودي مع الأمكنة والمدن بُغية استنطاق أسرارها وألغازها.
بالكتابة الشعرية وحدها المحتفية ببهاء المدن وسلطتها الرمزية يعلن الشاعر منصف الوهايبي انتسابه لحداثة السؤال والقلق والإبداع بانيا متخيلا شعريا يستند فيه إلى ما تفعله الأمكنة في خيال الشاعر وقلبه ووجدانه حيث القصيدة تجسد العلاقة المتينة بين النص الشعري والفضاء المكاني الذي يؤثر في أعماق المبدع و(لكن الشعر يقال بالكلمات ,فاللغة إدا هي مجال « أكثر المشاغل براءة » وفي نفس الوقت أخطر ما وهب للإنسان من خيرات لأنها هي الشهادة على انتمائه للموجود بكليته؛ أي الشهادة على إمكان التاريخ نفسه , وهي كذالك أخطر ما وهب للإنسان , لأنها تتحمل مسؤولية الكشف عن« الوجود » فتشعله حماسا إدا حضر أو نملؤه إذا غاب.
يقول هيلدر لين في ختام قصيدته « ذكرى »
أما ما يبقى فيؤسسه الشعراء.
يرى هيدجر أن العبارة السابقة تكشف عن ماهية الشعر ؛ فالشعر«تأسيس» بالكلمة وفي الكلمة , وما يؤسسه الشعراء هو ما يبقى ويدوم , وهو يؤسسه حين ينتشل هدا الشيء الثابت من تيار التغير الجارف , ويستنقذ البسيط من المعقد , ولابد له أن يكشف الحجاب عن«الوجود» حتى يظهر, وما يبقى« يسمى» كل ما هو موجود حاضر.
إذن القول الشعري« يؤسس » ما يبقى أي«الوجود» , ويوقظه , ويحقق له الحضور فضلا عن انه«يحدد» وجود الإنسان وغيره من الناس لأنه «يحدد » في أي عالم يجدون مستقرهم.)(29)
وحدها القصيدة عند منصف الوهيبي تنتصر لعشق المدن وتحتفي بالأمكنة الحميمة لحظتا بالتدكر والحنين ولحظتا أخرى بقتناصها ومطاردتها بالكتابة الشعرية المنفتحة على القلق والسؤال والإبداع.
بناء متخيل المدن في شعر منصف الوهايبي سفر شهي ومتعب غي أن معا حيث يتم تأبيد الزمن وتجميده بالكتابة لنعاتب أو نضيء عتمة تلك الأمكنة والمدن الغارقة في منفى الروح. بالقصيدة يراوغ الشاعر سلطة المكان بلغة تروض شساعة وفداحة المكان الذي يبقى ساكنا في المخيلة والوجدان الإنسان
إنها سيرة المدن في متخيل شاعر خبر السفر والتيه الأنيق في الحياة والعالم. وجسد تجربة شعرية تعتمد على المدن كمرجعية أساسية في خياله وفي بناء الخطاب الشعري الحديث.
الهوامش
1- منصف الوهايبي،من البحر تأتي الجبال، منشورات دار أمية، تونس، الطبعة الأولى 1991، ص. 9-10
2- محمد بنيس، الشعر العربي الحديث3، الشعر المعاصر، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء،ط2، 1996، ص155.
3-حوار مع الشاعر منصف الوهايبي، أجراه حسن أحمد بيريش، الملحق الثقافي للعلم، السبت 3 أبريل 2004 ص7.
4- محمد صالح بن عمر، الشعر التونسي في النصف الثاني من القرن العشرين، مجلة «البيان» الكويتية العدد 403، فبراير 2004، ص33.
5- الورل نوع من الحيوانات تشبه الحرباء، لكن حجمها كبير وطولها يمتد إلى أكثر من مترين يعيش في أوروبا وإفريقيا وهو حيوان برمائي.
6 – Federico Garcia Lorca, ciudad sin sue?o, Antologia del grupo poetico de 1927, Ediciones caterda,Madrid,1983, ,p.p. 128-129.
7- محمد بنيس، حداثة السؤال، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1985، ص36.
8 -منصف الوهايبي، مخطوط تمبكتو، دار صامد للنشر والتوزيع، صفاقس، ط 1 أبريل 1998، ص 99-100-101-102.
9- محمد بنيس، الشعر العربي الحديث، بناية وإبدالاتها، التقليدية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء الطبعة الأولى 1989،ص77.
10- ماريا لويزا برنيري، المدينة الفاضلة عبر التاريخ، ترجمة عطيات أبو السعود، مراجعة عبد الغفار مكاوي، مجلة عالم المعرفة الكويتية، ع225، شتنبر 1997، ص455.
11- منصف الوهايبي، ميتافيزيقا وردة الرمل، القيروان، تونس 2000، ص71-72.
12 – JEAN BURGOS, POUR UNE POETIQUE DE LIMAGINAIRE, ED.du seuil, paris, 1982,. P.9.
13- ابراهيم رماني، المدينة في الشعر العربي الجزائري، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 2002، ص5.
14- منصف الوهايبي، من البحر تأتي الجبال، منشورات دار أمية، تونس الطبعة الأولى 1991، ص39-40.
15- يوري لوتمان، مشكلة المكان الفني، تقديم وترجمة، سيزا قاسم دراز، من كتاب، جماليات المكان، منشورات، عيون المقالات، الدار البيضاء ط2، 1988، ص63.
16-منصف الوهايبي، من البحر تأتي الجبال، منشورات دار أمية، تونس، الطبعة الأولى 1991،. ص42.
17-اعتدال عثمان، إضاءة النص، دار الحداثة، بيروت، الطبعة الأولى 1988، ص5- 6.
18-يوسف ناوري، الشعر العربي الحديث في المغرب العربي، أطروحة لنيل دكتوراة الدولة في الأدب العربي، إشراف: الدكتور محمد بنيس، السنة الجامعية 2002-2003، خزانة الكلية-الرباط.
19- مصطفى الحسناوي، في العلاقة بين الفلسفة والمدينة، الملحق الثقافي لجريدة العلم بتاريخ 1-3-1997 ص12.
20- منصف الوهايبي، حوار معه أجراه جهاد فاضل، أسئلة الشعر، الدار العربية للكتاب، ص.42.، بدون ذكر تاريخ النشر ورقم الطبعة.
21- نازك الأعرجي، إدراك المكان في الرواية النسوية العربية، مجلة ثقافات البحرينية، ع7/8، صيف/ خريف 2003، ص122.
22 –Gaston Bachelard, La Poétique de l’espace, 3 Edition, press universitaires de France, Paris, 1961, p.6-7.
23-محمود شريح، تجربة المدينة في شعر خليل حاوي، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت، العدد 10 فيراير 1981، ص.89.
24- منصف الوهايبي، ميتافيزيقا وردة الرمل، نفس المرجع السابق ص61-62-63
25- محمود الربيعي، الشاعر والمدينة، مجلة عالم الفكر الكويتية، م19، ع 3، أكتوبر- نوفمبر- ديسمبر- 1988، ص132-133.
26 – منصف الوهايبي،من البحر تأتي الجبال، نفس المرجع السابق، ص55-56.
27- محمد بنيس، الشعر كتجربة في المغرب العربي، مجلة آفاق المغربية، ع 3 نوفمبر 1990، ص107.
28 –Gaston Bache Lard, L’intuition de L’instant, Edition stock, Paris, 1932, P.P ,.103-104.
29- صفاء عبد السلام جعفر،الشعر والفكر عند هيدجر،مجلة مدارات فلسفية،العدد العاشر، شتاء 2004،ص.157.
أحمـــــد الدمنــــاتي
شاعر وناقد من المغرب