وقد فاتني: أيها السادة الحاضرون
أن أدق على بابكم; عند هذا الصباح-
وأن أنهض الفجر من ليل أحلامكم
ثم أرفع من فوق أنقاضكم سقف عصف الرياح-
وأنبئكم
أن في كل بيت لكم
إرث حقد , ووسواس شك,
وأشياء لا أستطيع التفلت من سجنها كي أبوح بها
وأقول: احذروا من مداخل ابوابكم
واحذروا من مخارج أفواهكم
قبل أن تستطيل خيالات أحلامكم
وتضيء رؤاكم محيط المنازل,
أو تمطر الغيم
ما يستطاب لكم من سماء الفتوحات
والانتصار
وإلا! لماذا تركتم منازلكم وأتيتم إلى مأتم
كنت صاحبه
فافسحوا بينكم
واسمحوا لصريح الكلام
بأن يقرع الباب في وقر أسماعكم
لوصايا القتيل لكم, أيها القاتلون
فاتني, أن أهز دوالي كرمتكم; في المساء
وإن حزنت أن تهاطل فوقي كؤوس معتقة
من مدائح أنخابكم,
وأن أتسلق أغصانها, وأواري خيالات
ما مس قمصانكم من دماء وماء.
وقد فاتني,
أن أمازج بين ضجيج كلامي
وصمت منازلكم,
وأبوح لكم
عن قتيل أبرئ نفسي من قتله عند هذا المساء
وإن كان قد فاتني,
أن ألملم عن شجر الليل نجوى خواطركم
ثم أبسط فوق التلال, خيول الوصايا,
فهأنذا أفتح اليوم سفر معاركنا,
والضحايا كما تعرفون,
أمام بصائركم,
ها قد خسرنا,
ولم يبق في ساحة الحي غير خطاكم, وصعفي
وقد قدتكم كي أحرر أرضا
تهاطل في مهدها سر مجد الكلام
ولكنني ما استطعت,
ولكنني ما استطعت,
وأقسم: كنت الوفي لكل العهود
التي عرفتها البلاد
وكل الدروب التي عبرتها الجياد
وكل الذين مضوا للجهاد كراما
وما في غبار المعارك عادوا
وقد فاتني; أيها السادة الحاضرون
أن أبوح لكم
أنه ما التقى منكم في رصيف الحكاية
خصمان, إلا وكان الخصيم بكم
وما ضاق في صدر خصمين منكم إلا وقلب بكم
راقه أن تضيق البلاد بآخر منكم
وقد فاتني,
أن أقول لكم
ما التقيتم إلا على ما يبدد أحلامكم
وحب الذين يريدون في أن تشيع الفواحش
في بهو حاراتكم,
وقد فاتني,
أن أقول لكم:
إن هذا الحضور له صفة البوح
ها قد خسرنا الكلام المقدس في معطف المهرجان
كلكم تعرفون:
بأني قبضت على النار
مستمسكا بعرى المستحيل,
هززت نخيل المدى
ثم علقت هام البلاد بسر جليل
وطوقت أسوارها بدمائي
وأنهضت من شامها بيرقا, يتلألأ
في الفوطتين قبيل الأصيل
وعلقت شمسا بكفي
ألوح بها كلما هل في الأفق ليل
وأجريت أنهار حبي في غوطيتها
وفي رمل صحرائها
وأنبت عشبي على كل حقف دنا من رؤى سفحه
ظل سيل
وطفت بمائي على أسر الغيم
أسقي به كل طفل عليل
وقد فاتني:
أن أقول لكم:
عن خفايا تراجعكم
غير هذا القليل القليل
أن أقول لكم:
لم أخف أن أخوض المعارك مهما تقاطر فرسانهم
صوب سفحي
وما كنت يوما أدير لهم ظهر راحلتي.
قبل تبديدهم فارسا .. فارسا
وما مرة فارس هز رمحي
إلا أفنيت قبضته بالحراب
وما شك رمح بخاصرتي في صميم المعارك
إلا وكانت يد منكم طعنتني من الخلف
كي أتراجع
لكنني ما انكسرت
هادمي.. حارقا يتسلل في نسغ أوصالكم
ويبوح لكم, بالعهود التي عرفتها القلوب
وها نبض قلبي على كل ثغر يلوب
فمهما رميتم بسجيل انكاركم للعهود القديمة
إني لكم كالوميض المكلل بالغار
فوق ذرا المستحيل الحبيب
ومهما جفوتم, وبدل أصواتكم حب تلك العروش التي ورثوها لكم
فإني عن حبكم لا أتوب
فلا تسألوني, لماذا أتيت وحيدا
وعلقت رمحي على عنقي, بعد أن أتعبتني الدروب
ووجهي كتاب, لكل فتى منكم صفحة في رؤاه
فهل تسألون لما يعتليه الشحوب
غريب.. غريب
كيف تمضي رفوف القطا من ذرا قاسيون
إلى جبل الشيخ عريانة
ثم تسقط بين رصاص العدو
ولا يستفيق النوب
غريب.. غريب
كيف تهطل كالعاصفات قنابلهم في الجنوب,
وتحرق شال الصبايا
وورد الحدائق في سفح صيدا
الى شط صور , ويصرخ في الليل أرز الجنوب
وعم ان لا تستجيب
غريب.. غريب
كيف تقبض أسنانهم عنق القدس
ثم تصرخ, وأهل بيت النبوة
وأهل بيت المسيح..
واساكنا في خيام العروبة وا…
كالفريق بهم تستجير
وما اهتز فيهم دم أو تحرك نبض
ومصر التي حملت راية السلم,
تعرف كيف تمزق أنيابهم وجهها
وتبدد أشلاءها, ثم تمحو عرى اسمها
وحين يسائلها برتقال الجليل
لما لا تدافع عنه تقول:
عجيب.. عجيب
وهل كان غيري الطبيب
إذا مس يافا على الدهر حرج
وحاقت بحيفا الكروب?!!
مفيد خنسة شاعر من سوريا