السنتور بين عشق الغجر وجنون زوربا
مازال هناك خلاف على الموطن الأصلي لآلة السنطور (أو تلفظ السنتور) بين علماء الآثار وعلماء الاثنوغرافيا وبالذات علماء الاثنوغرافيا المختصين بالات الموسيقى غير أنهم يرجعونها الى مرحلة تاريخية قديمة لما قبل الميلاد. فاذا كانت هناك أراء تصر على أنها آلة تنتمي الى الشرق القديم. فانهم أيضا لا يختلفون عن أنها ابنة حوض الأبيض المتوسط والحضارة الفرعونية.
وهناك رأي أنها قدمت من حضارة الا غريق ورحلت مع مسيرة الغزو والجيوش نحو الشرق. أما كيف رحلت فهناك اختلاف في الزمن والمسار ودقة التوقيت. البعض يعتقد أنها مرت الى تركيا ثم ايران مرورا بمنطقة حضارة الرافدين وبلاد الشام. أو ان العكس هو الصحيح. أي ارتحلت من ايران الى حضارة الا غريق عبر المنطقة الثرية بالحضارة وهي بلاد الرافدين وبلاد الشام. حيث استوطنت فيها الحضارة الآشورية والأكادية والسومرية والبابلية. كل تلك السلالات محفورة حقائقها في الحفريات والآثار والنقوش.
وتعتبر آلة السنطور أو السنتور بلفظ التاء بدل حرف الطاء. كما هو في اللغة الفارسية واليونانية آلة وترية شبيهة بآلة القانون, إلا أنها تختلف عن القانون في طريقة العزف. فالقانون يعزف عليه بريشتين مصنوعتين من الفضة أو ما شابهها، يضعهما العازف في سبابتيه اليمنى واليسرى، ثم ينقر بهما على الأوتار التي يضعها أمامه وقد استقرت بشكل أفقي.
أما السنطور أو السنتور فان العازف يأخذ بالضرب على اوتاره بعصوين من الخشب. ويقوم بتبديل الأصوات بتحريك الحمالات التي تسند الأوتار من تحت, وهي مصنوعة من الخشب. بعض المختصين بتاريخ الآلات الموسيقية يرون أن السنطور انبثق من تطور موضوعي لآلة الهارب الآشورية. وهذه أحدى الفرضيات. ولكن هناك رأيا يرجعها الى الحضارة الفارسية. اذ أن لفظة السنتور فارسية مما يفرض احتمال أن أصلها المادي جاء من هناك. بالاضافة الى النقوش الجدارية وحضورها المنتظم في القرن السابع عشر.
وتحتوي آلة السنطور على خمسة وعشرين وترا معدنيا. وتكون مقسمة ومشدودة بشكل رباعي، فكل أربعة أوتار لها درجة صوتية واحدة. بذلك يبلغ عدد الأسلاك أو الأوتار في السنطور مئة وتر مع مفاتيح يبلغ عددها مئة أيضا. وتقع على يمين الآلة ويتوزع كل مفتاح لوتر منها مخصص للدوزان أو التيونك.. لتضبيط الانغام والدرجات الصوتية.
وظلت الآلة برغم قدمها محصورة بين بعض البلدان كإيران وتركيا واليونان. وبعض بلدان المنطقة العربية والقفقاس, الا أنها محدودة الاستعمال. ولم يتم ادخالها الى الأوركسترات العالمية. ونتيجة لتشابهها مع القانون فقد انكمش استعمالها أيضا وانحصرت بين المهتمين بالعزف على الأغاني الفلكلورية والقديمة والتراثية وطائفة الغجر في منطقة البلقان.
ومن شاهد فيلم زوريا اليوناني الشهير،والذي مثله الممثل الأمريكي المعروف انتوني كوين, فإنه سيرى العلاقة الحميمية بين زوريا وآلته السنتور، والتي تلفظ في اللغة اليونانية "سنتوري". وقد ركز على أهميتها الكاتب نيكوس كازنتزاكيس كونها تحمل دلالات انسانية وروحية بين شخصيته في الرواية وهو زوريا وعلاقته بالآلة والعزف والرقص.
ومن المعروف ان السنطور تستخدم اكثر في الجزر اليونانية القريبة من الحدود التركية, مثل جزيرة مدليني نتيجة العلاقة التاريخية بهذه الجزر والحضارة الهيلينية. ومع التأثر والتأثير كانت رحلة آلة السنطور من شرقنا القديم الى حضارة الأغر يق. في الوقت الذي انكمش حضورها في موطنها الأصلي ايران وجدت لها مكانة مرموقة بين الفجر والجزر اليونانية.
السيتا والسلم الموسيقي الهندي المقدس.
تعود جذور آلة السيتار من الناحية التاريخية الى أصل فارسي. وكانت كآلة وترية تحتوي ثلاثة وأتار شبيهة بالعود الفارسي. أما الآلة الهندية الحديثة فقد أصبحت بعتبات ونقوش ولها سبعة أوتار معدنية بعضها يتم استعماله للحن والبعض الآخر يستعمل كدندنة. وهناك مجموعة من الأوتار المتجانسة في السيتار.
أما طريقة العزف فإن الأصابع تعزف على الأوتار مع ريشة تلبس في ابهام اليد اليمنى، والحان عديدة متغيرة لهذه الألة يتم استعمالها. وفي السنوات الأخيرة أصبح السيتار أكثر شعبية في الغرب عن طريق الموسيقار الهندي الشهير" رافي شنكر"، المعروف عالميا بسيطرته وتحكمه بهذه الآلة. وقد منحته حكومة الهند ألقابا شرفية رفيعة واعتبرته ممثلا وسفيرا للثقافة الهندية الراقية في عالم الموسيقى الهندية الكلاسيكية.
وقد شجع رافي شنكر كثيرا من الموسيقيين الغربيين على الاهتمام بهذه الآلة وكان من ضمنهم عازف الفيولين الشهير الأمريكي اليهودي مناحين الذي التقى مع شنكر في أحدى الحفلات الكبرى في قاعات البرت هول في لندن حيث عزفا سوناتا شهيرة أطلقا عليها اسم "الشرق يقابل الغرب".
فكانت حوارا روحيا وحضاريا وانسانيا بين التي السيتار والفيلوين الوتريتين. فكانت قمة وتعبيرا عن التوحد الثقافي للغة الموسيقى الكلاسيكية.
وتأثرت فرقة البيتلز في منتصف الستينات بألحان وانغام آلة السيتار الهندية مما دفع بروادها يومذاك الى ادخال نغمات تلك الآلة ضمن أغنيا تهم العصرية كجزء من التحديث والتلوينات الموسيقية التي عاصرت تلك المرحلة من تفجر التقنيات والثورات والبحث عن الجديد مع أهمية ابراز قيمة التواصل الحضاري بين الشعوب عبر الموسيقى وآلاتها الحية حيث لا تعرف الموسيقى ولا آلاتها جسورا أو حدودا بين الثقافات المختلفة.
وترتبط الموسيقى الهندية وآلاتها من الناحية التاريخية والميثولوجية بمعتقدات دينية وطقوسية. فقد كان الهنود القدماء يعتبرون الموسيقى هدية وعطاء من الاله كما ورد في أساطيرهم. وكانوا يؤمنون بأن الاهتهم "ساراسواتي"
منحتهم آلة (الفينا) الموسيقية الوترية وصممتها لهم لتكون أثمن وأبهي الآلات الموسيقية. بل وذهبت بعند. البحوث لدى الاثنولوجيين الموسيقيين الى قولهم بأن الاله براهما منحهم مجموعة من الأغنيات والمعزوفات الموسيقية المقدسة والتي ارتبطت ارتباطا مباشرا بعباداتهم الروحية والفلسفية.
ويحمل القدماء الهنود من الاعتقاد الى درجة الايمان بأن السلم الموسيقى الهندي مقدس أشد التقديس, وأن موسيقاه ذات أثر سحري على الطبيعة. فهي تسقط المطر، وتتغلب على كسوف الشمس وعلى غضب الرياح, بل واحيانا تؤثر في النجوم والكواكب والأرواح. ومع تطور الآلات الوترية في الهند انبثقت معها آلة تسمى "مادودي" وهي آلة تشبه آلة العود المصرية برقبتها الطويلة.
وعرفت الهند في تطورها الحضاري وسيرتها الكبرى آلة الربابة والتي تشبه الربابة العربية والمصرية على وجه التحديد. ويذهب الباحثون في علم الموسيقى ال أن للهجرات التجارية والفتوحات العسكرية تأثيرا كبيرا في جلب الآلات ونقلها من الهند واليها. فقد رحلت قبائل من البحر الأبيض المتوسط الى الهند. مثلما نقل الفراعنة المصريون آلاتهم الموسيقية الى الهند حتى أصبحت من الآلات الشعبية هناك مثل آلة الفلوت والمزمار والقيثارة. لدرجة كبيرة من الشيوع والانتشار حتى يومنا هذا.
ونتيجة للطبيعة الروحية والصوفية للموسيقى الهندية فان طقوس الاحتفالات في العزف والاستماع والتواصل بحاجة الى شعائر خاصة في المجتمع الهندي. وقد قام بعض الموسيقيين الهنود ومعدي الحفلات والبرامج في مدينة نيودلهي الى اقامة حفلة للناي الخشبي البدائي وآلة السيتار في الهواء الطلق, وأغلقوا الأضواء بحيث يصبح المناخ العام تحت هيمنة الصمت المطبق والظلام المعتم بهدف تهيئة الحواس واستنفارها وتركزها بكثافة لدرجة كانت بحة الهواء والنفخ الخافتة يمكن الاستماع اليها. وتنتقل نغمات الناي الى الأذن والحواس دون جهد فتتوحد الموسيقى مع سكون الطبيعة والروح.