هنا .. وتحديدا هاهنا حيث يميل رأسي مخمورا بمسقطه البعيد تحت سقف الغرفة الأخرى التي مازالت منذ أربعة من العقود تقعي بألفة وخفة على طرف الزاروب المطل على الغرابة في خطو الغرباء والغرباء .. هذا المفضي إلى حيث لا تبدأ الأساطير الا من بقعة ضوء تلعق مهتاجة حليب المنسي من خطواتهم وتمسح بيد الرطوبة ما علق مع الوقت على جلد الذكريات ..!
هنا .. وخلف النافذة الكهلة معروقة الزجاج المشروخ بفعل الكم الهائل من أصابع العابثين بشقها المنهك وثقوب الريح تشخر في سرير الخشب الناتئ قفزت أرنبة الهلوسات …
مرّ العديدون إذا
مرت السنون إذا
…………….
كم تشبهُ العصافير على شجر الليمون أجدادها ، لكني وبحكم غربتي طويلا في الريح اعلم انها ليست هي
عيون بنية تغرق مطواعة في استدارة الحدقات والثقوب ..
وأصابع ذابت في غيوم الوهم والانتظار
هنا ينمو .. ويخطو .. يعلو .. يتعرج باسقاً
.. يتسلق بخفة لص
يتحسس عنق الماء ويثمر فجا ويخر ج ثمرا مثقوبا بالديدان ووهم الانتظار .
هنا من رحم هاهنا قال الراوي …
بأي معجزة سيأتي الشعر والنثر ويصعد مزهوا بأنثاه فارس الكلام على صهوة الأغنيات !!
…………….
هنا وبقرب صفصافة عجوز تبحث عن غيوم مرّت قبل سنين خلت وروت اوراق الوحدة فوق سريرها وغابت في شمس النهار البعيد
هنا وبقربها في المساءات على اول صيفها يوغل
المتمكن من سرد الحكايات على مسمع الغرباء والقبرات حكايته
…
أعرف الأرض
اعرفها من خطو العابرين عليها في درب الغبار العالق
فوق ثياب من مروا في ذات آيار
ولم يحمهم تينها الشوكي
ضلّ ماعزهم نحو الجبال وجاءوا حفاة
يلهثون خلف المستحيل
هبطوا الى الشرق ضمهم رمله
قبّلهم على جفاف شفاههم وملأ جيوبهم ذهبا وفضة ، من سراب النخل عصروا عرق البلح وجاءوا الى القيعان امتلأت بهم
والثرثرات عن الوعود والجنود وقرآن الماء «وكل شيء حي»
وألواح الكلأ المحفوظ بدبق الأمنيات
كان نمل الصغار يدب على الوحل
عراة كانوا وسواد كلّل زوجات مصفرات الوجوه
وأمهات فقئن غيوم الدمع فأمطرت دما ونحيبا سيدوم الى أخر الدهر
حتى تفيض بهم ارض المدافن في الأرض المنخفضة
ويتوب الله على الهاربين.
…………….
هنا
ومن على شاهق ينوس ضوء اصفر مثل حبة ليمونٍ تتكور في سقف المشهد
وأراهم في الشتاء الأول صبغوا بالطين اللزج ذبيحته ينامون نهارا ..
وفي العتمة يبنون الجُدر المنقوعة بالقصب
الذهبي ويخفون بحذر عناكب مذعورات عورات نسائهم!
بعيني هاتين اللواتي اقتات عليهم رمل المنفى صيفا «و يكمل سيرته»
و رأيتهم
يدفنون عميقا جثث هزائمهم عن عيون الآخرين
ولهذا ظلوا لسنين طويلات لا يدرون كم كانت سقوف البيوت مثل ارض القطيعة سوداء ومنخفضة
.. وفي كل شتاء كانت تحيض
دما وتفيض ممتعضة !!
أرض منخفضة ..
مالت على كثبان أصابعها حين دحاها الرب ، فلما انحسر الماء خطا بتثاقل من أنهى في الليل جريمته ..
واتسعت خلف شآبيب صلاة الأول من بعد الطوفان الحفرة
وترامت قبرا كونيا لا يغلق فاه
وقيل بأن تنخفض الى أن يلفظ آخر نُطفةِ قهر خلفها في الأرض وكان نشيجا يصعد نحو العرش المبتل بماء الخلق دخانا وتراتيل وسرب غمام..
إن هي إلا طرفة عين ثم استرخى بشفيف الفجر العسلي وراحة من فض عروس العتمة
دافئا
.. هانئاً
ضم كفيه الى تاج رأسه وقرير العين نام .
أرض منخفضة …
وكما المهتوك برؤية ما ابصر عراف القلب أناجي في عطش الصحراء خطيئته والريح خبيثة ليل تنقل صافية وتمر على جفون التلال معفرة بالعذاب والأمنيات مخانيق أصواتهم :
يا أبتي
أين ذهبت مع الليل
كقمر بين غيوم الليل أفلت
ولماذا تركتنا كصخرةٍ في القاع وابتعدت
قلت سآنسُ نارا ما جئت لنا بالنار ولا عدت !!
يا أبتي
زوجك..
أبناءك ..
في انياب البرد اصطكت كمناقير الريح عظامهمُ اللينة
«زغب الحواصل» يحفون ترابا ونجوم الليل تحدق فيهم حدقات ذئاب تتخطفهم وانت خلفتهم ورجعت تنام وثيرا ..
تتلفع بطمأنينة وهمك ونصائح زوجتك الأخرى!
تتوسد حلما وفحيح سماوات عمياء ونحن هنا في هذا القاع نلوب حصاً في وادٍ لا ضرع ولا زرع …
يا ابتي لاتصغ الى احلامك ذلك هجس الضرة بعد الوطء تُعفن روحك
لا .. لاتصدق ما سيخط النحت الرعوي علينا
لاينابيع تشق الليلة هذا الرمل وأمي تقتات على الصبر وشوك القيعان تفجر مثل الدمل بين اصابعها..
هانحن نضيع مع الليل وهاهي اكبادك تقضمها وبينهم ديدان الأرض المنخفضة
ياابتي لاتصغي اليها
والى اغواء مزامير الشبق الراعف من تينة فخذيها
أعدنا للسواحل
خلصنا من الأساطير اللعينة قم من وكر المخدع..
من مكر الخديعة قم
يا أبتي ارجع اوقف دولاب الحكاية وانثر في الصحراء وسائدك المحشوة بالوهم ونُتف المعجزات
يآآآآبتي
ياآآآبتي
ياآآآبتي …
وطوي الرمل الصوتَ مع الصحراء ولم يأتي في الليل سوى قمر يتثاءب خلف تلال الموت وغرق العالم في بحر الظلمات !!!
أرض م ن خ ف ض ة
ه
ب
ط
و
ا
.. لم يتخلف في موت قرى النمل احد
فرّوا في اليوم الموعود بدفق الرب
سنيناً كانوا ينتظرون الوعد وآتاهم من جوف البحر وأبدلناها قوما غيرهم …
فرّوا ..
فرّوا
من فوهات الخوف فروا
ومن مواقيت الرب فروا
ومن شهوة نصل يتقطّرحقدا مغموسا بالدمع وبالدم وخطوة القرابين
هلللويا … هللليويا
هذا وعد الله ولن تغرب شمس الله على الساحل
بعد الليلة فوق عظيمين ولو كانا إلهين لفسدتا وفسد الكون …
دنس يقذف خلف النهر طهارته أم روح الرب اختارت حسب مشيئته ثمر الجسد!
هب ..
ط
و
ا
لم يتخلف في الأفق احد !
على ظهر الدواب المتعب مثل عشب الربيع وصلوا
في وعلى بطن وظهر الحافلات المهتوكة حملوا آخر ارغفة الأرض المنقوعة بالموت وبالزيت
لم يأت في الريح المسود نبيا معهم
سوى مفاتيح احزانهم وعذروات
كن يخبئن بكوريتهن المفضوضة في ليل الخطوات الى الأرض المنخفضة … !
……
حبواً وصلوا
مثل افاع تتهيأ لتمزقَ جلد التاريخ وتخرج في عيد الرمل فرادى وزرافات
ساروا
كانت تنخفض ، تضيق وتسود
كمشنقة خفافيش في ليل التشرين الثاني سيظلون طويلا
يقلعون مع الأظافر في عيد السمك الميت شوكة
وكلما شيعوا موتا
انخفضوا قليلا خلف الباب المشرع للندب الأول يذكرونه
ويسيرون بقافلة جنازات الأرض المنخفضة
ثم يلوذون بدمع اللعنة .. والحسرة !
…………….
هنا
من هنا … والى هناك
ما زال الرأس المخمور يراقبهم ويدون سرد الحطابين عن الشجر النازف والواقف خلف النهر وخير
الخطائين التوابون …
ينخفض العمر اخيرا
ينخفض الصوت يغوص مع الطين الشتوي ويلثغ بالفرص الضائعة على جثث تتسول رملا آخر .. وتحاول أن تعلو في الفجر الأوسطي قليلا
وتحاول وتحاول
أن لا يأتي من يسرد مخمورا قصتهم
ويحدث منخورا
عن من هبطوا في لعنة البحر والسواحل من جنتهم
عن طعنة عميقة لم يأت ذكرها في سفر الأرض المنخفضة !!
وتحاول .. وتحاول … وتحاول !!!
محمــد صبيـــح شاعر من الأردن