لندع قليلا النظرة تنساب فوق مفلحة الجدران, لندعها تتدفق من المرمر، من الجص أو من الخشب, فوق كل مادة تتوهج بفوران من الحنين. يتقدم الفسيفساء بدوره في حلة المغيب. فوق الكتابات المخطوطة بعناية على الجدران. بذخ نفيس منح من كل الأزمنة لهذه الزخرفة التي أبدعتها أياد دقيقة. الى أين إذن يفضي هذا الخيال الرفيع ؟ انتقال الحجر بين السماء والأرض. من الحظوة العظمي أن نحلم بالزوايا والجدران والأقواس وهي تنقلع من أسسها لتتجه نحو السماء.
أيها الطفل الذي لا ينسى، تقدم نحونا مبتسما، تقدم بنفس التواطؤ السري. اخلع خفيك ومناك اجلس القرفصاء، هذه الحركة البسيطة ستكون دائما بالنسبة لنا متحلية بالغنج, رشيقة, مزهوة. وكأن جاذبية الأرض لا تخضع إلا لخطوات الحبيب المتهللة. تعال ! واخترقنا في الجسد النوراني لملاك حي!
في – حديقة الملجأ كان ماء الحوض لازال, مستيقظا بوداعة ضياء المساء، ينبع في وسط الفناء. بين خطوتك وخطوتنا ليقيس إيقاع الكائن. أليس نبعنا السري مأخوذا، بنفس الهالة الجريحة نعم,لتداعب يدك الماء قبل أن تشرع في تأمل وجهك ! خلال هذه المسافة, تكفي أغنية الماء لتحمل الزبد حتى بريق حدقتك لكي يكون الماء مطلقا، بشكل غريب. إننا نتصور مدى الرعب الكامن في اختيارك. نعم سوف تكون واقفا أمام الحوض, عاريا من ثيابك الخفيفة, متبخرا، ومع ذلك سوف تكون قريبا جدا منا. سوف تخضع للاختبار، سوف نعرف كيف نحبك في فنائنا الخاص. هكذا تنتهي جلسة المساء. لكن يتعذر علينا مسبقا أن نجيب على شتات اللامفكر فيه. من خلال هذه الشهادة ربما يعود الينا أولئك الذين يشاطروننا مجازفة الروح, ثمالتنا في الموت. أيها الطفل الذي لا ينسى. نطالبك تماط بضرورة قانون الصمت قبل أن نجرك.
في القاعة المعتمة كان الشيخ جالسا، الى جانبه المريد. من خلفه يجلس الأتباع قبالة الجميع. النديم صمت, صمت مثنى بهبات مشتتة. أي قدر اختار أن يحيا هذا الملاك بين ذراعينا وقد أغبش بتمارين روحية عديدة ؟ ألم ننتظر إشارة إشارة واحدة لظهورك ؟.
يأخذ النديم الناي ثم يشرع في عزف بعض الترانيم المتناثرة, متناثرة بشكل متزايد وكأن الصمت بشفافيته, يتشرب كل وميض الليل. قد تكفي حركة واحدة لتصبه موسيقى العالم حقيقية مجسدة بذاتها في تصور جسد أندروجين. ممزقا بلبابته الخاصة.
هبوب خارج هذا المشد يساير ترنم الصمت اليومي. لقد بدأنا نعانق روحنا لكي نستمع اليك. مازلنا غرباء حيال رقتك الموسيقية. من يمنعنا لكي نموت ثمالى؟. لقد فككنا شرخ صدرنا لكي نستقبلك رجلا وامرأة منفيين من انتظارنا الطويل. انظر: سنسرح الى الابد عقلنا ونومنا. سنتعلق بعتبة يدك الى الأبد. أيها الطفل الذي لا ينسى. لقد ظهر ملاك مثل رعشة الموت. بهاء، بهاء، محبيك بألم شاروفيمي. ماذا تخفي تحت ضمة أصابعك ؟ هل أحسسنا بتموج لمسة يدك على الناي دون الاحتراق في مرآة ايقاعه. فلتتمزق جلاليبنا من نفسها لكي نولد فيك هن جديد!
إن الموسيقى تستهل قدرنا فنؤمن بعقابنا. يقوم الشيخ فى بإشارة يقف المريد ويشعل الشمعة الموجودة على نفس المسافة بين المريد والآخرين. يصب الجميع اهتمامهم على النديم من خلال إشراقة اللهب. يبدأ الاستغراق في تأمل الوجه وفقا للطقس احقاد، شد مغيب الشمس. يلزمنا بزمن لا يحمى لكي نسير حتى نسمة الصباح علينا من خلال مجهودات قصوى، أن ننفك من كآبتنا،أن نقصي رغباتنا الأكثر حسية وأن نتجرد شيئا، فشيئا من هذا التيه المرتج لفكرة الناي، الماء والشمس. وان كنا نتخيلك في بريق غمزة العين تطير مثل ملاك شفاف. وقد تجردت من زينتك الواحدة تلو الأخرى وفقا لنعومة تلاش سماوي. سوف نكون رفاقك في الطريق نحو ثمالة الموت.
إذن دع نظرتك الصافية شديدة الصفاء تسرى تشعل كأس النبيذ. لقد عدنا الى الليل ونحن نخشي أن نفاجئك في هيئتك الهشة واليائسة: لقد أشرعنا حواسنا الخمس لزينتك, لهدبك الشبيه بكنز من السماء. أفنينا قبل نهايتنا المحتومة لموتنا. أيها الطفل الذي لا ينسى! أفتنا في تحوشنا!
لكي يعكس وجه بهذا الشكل كل هذه المجموعة من الأتباع وقد حمل قلوبهم الى درجة انخطافهم بهذيان ملائكي. يجب أن نتصور مراسلة كاملة, خفية من الجرائم والتضليل والمجازر المحبكة. شي ء يقارن انفجارا أحمر للشرق. حين يصيب التاريخ بمثل هذا الغضب يناصر الشعر التمثل الفائق لكل واقع, متهاويا في افتتانه بالعالم. في هذا التاريخ المتفجر سوف تنبثق خرافة صوفية جينجيس خان "الامبراطور الاوقيانوسي ", الذي هيأ قبائله الرحالة من أجل غزو العالم. مبددا الدول والمدن. مسخرا الناس وفقا لقانون الترحيل الفظ. ما كان يصبو اليه هؤلاء الفرسان في عبور مجنح يفوق كل إرادة بشرية. ذلك من أجل الذكرى الغابرة في التوحيد بين السماء والأرض, الى أقاصي قبة أثيرية زرقاء.من يدري ربما لازال فينا جميع هؤلاء الأموات الغابرين؟ لايمكن مقارنة هذا الحدث إلا بزلزال… أيها الطفل الذي لا يئسن, بهاء غريب يدعونا الى شرخ كلمتنا. حين يمزقنا الصمت هل منك أم منا ترتجف تراتيل الدم:: يتذكر الشيخ رؤيته الأولى قبل ذلك, أحسسنا به متضررا من محنته,مهجورا برغبته من الخلود،ومن يدري ربما مزق جلبابه وهو يبكي بعيدا عن نظرتنا,إنه يقودنا بشجن لك ن بغضب مفتعل, يضاعف من بلبلتنا.
هكذا غادر العالم ببطء فأتيت أنت عابدا صوفيا، لتدعونا اؤ الألم وفق طقس ضيافة انتشائية. يتذكر الشيخ رؤيته الأولى. كان ذلك بمثابة الحلم لتجل خالص.
لن نعرف أبدا على أية مسافة متحركة لمحك الشيخ وهو يتراءى في الحمام الشعبي، أنت بالذات مدد في شكلك العاري ثابت ملفوف بالبخار، تدير رأسك ناحية حوض الماء الساخن. وإن كانت كل غرفة تعكس الأخوين – مثل لعبة المرايا المغشية بالبخار – فلأن البهاء يشعل البخار الذي يرف فوق أجسادنا. لقد رفرفنا من خطواتنا لكي نخبئك, ونحن نتناثر وهناك في الهمس وعب ر استنتاجات غير متوقعة. حين انتصبت واقفا تمزق المشهد.
هذا التجلي المحتفل به عبر نقل الماء سوف يحدث. حسب مصيره في – اغتسال من الدم. إننا لا ندري كيف اقترب منك الشيخ في كواليس الحمام ليناديك الينا وليدعوك الى ملجئنا. ليس للروح مكان محدد. والقلب منفي تائه وسنتقدم الواحد تلو الاخر سنمر باقتراب الدم وقد نسينا ديأرنا ونساءنا ذوات البشرة المصفرة. لكن ماذا يعنينا من هؤلاء الأموات المهجورين الذين الا يثيروننا! ماذا يعني كل رونق مجرد من الوجه ! سوف نتأهب للمضي بدون رؤوس حتى نقتلع من الأرض.
أيها الناسك الصوفي، سوف تضف ي بهاءك على ملجئنا حسب حظوة خطوتك وغمزات عينيك. لطافتك بصمة شر، إننا نقسم إننا سننهد حين تمرئي ضفيرتك شمس المغيب, أمام الشمعة المشتعلة لحظة التأمل. في عراء الكائن, من لحظة لأخرى، سوف نفذت شرايينك – الأكثر اقترابا من التمزق – بالصلاة المطلقة وبولع دون حد. سيكون النشيد. ثم الرقية االاختلاجية, فالصمت. فالمرور, التيه, الإشراقة, التصريح, فالتوحد، وبعد ذلك القطيعة, ثم التحول, فانفصال العناصر والأشكال. ثم انسياب جسدك.
أيها الطفل البعيد، ماذا ستغني لتفك شرك تملكنا؟ أية موسيقى من يدك المبتورة ستستقبلنا على عتبة ضياعنا! سنراك دائما متخفيا، أخا وأختا، ملاكا وشيطانا، طفلا وحنجرة مبتورة, موسيقى ويدا مقطرعة. أيها النديم الوهيج سوف نهديك للقد اس. لكل الأموات الذين يلدوننا. سوف ترتقي عب ر الفكرة السامية للجسد الأرفيوسي.
نعم, لتلتهب هذا الصفحات في وهمياتها ولتطر الكلمات الأكثر فجاءة في البريق ! أيها الملاك المتخصب, سوف تكون عريسنا باللغة السرية, ولكي نحتفل بخطوبتنا سنحتفي اليوم بالذات بميثاق العفة.
ترجمة:ابتسام أشروي (شاعرة من المغرب)