انتابتني الرعشة ، وانساب السواد على الدنيا من السماء، حتي سقطت 0رضا مفشيا علي، وحين عدت الى . وعيي بعد ما يقارب الساعة من الغياب عن هذا العالم كله ، أعدت السؤال بحذر ، وجزء من وجهي اشعر به ساحة وغى لجيش من النمل ، اعدت السؤال بصيغة راوغت فيها الحقيقة ، جذبت الخالة أم رابح وهمست لها بخوف "أين الغول ؟" ولم اسمع منها كلمة ،
أنفجرت دموعها كالشلال ، وارتوت تضاريس وجهها المشقي بملوحة ألمها وفجيعتها ، ثم شهقت وابتلعت غمغماتها بقوة . وراحت تربت على صدري.
– مات ياام رابح؟
دموعها كانت نفسا ،شجاعا لي لأطرح هذا السؤال بهذا الصيغة الجريئة .
لكنها لم تجبني ، ظنت دموعها تجري في هدوء وانفاسها بين الحين والحين تتعثر بشهقة بكاء
– مات الغول يا ام رابح ..
لم اصدق .
كانت رجلاي ثقيلتن ، كبلتهما المفاجأة فقد كان بودي أن اركض في كل أورقة البيت ان افتش عنه في . كل اركانه في كل زواياه ، علني أجده يختبيء في ركن ما ويطرق السمع لما نقوله من ورائه . اردت ان اقف ، وألمس جثته باردة احياة فيها ولا صراخ ، باردة لا فرق بينها وبين قطعة من الثلج باردة لا فرق بينها وبون سوطه الذي احضره من تركيا خصيصا لتأديبنا.
كان مقبض هذا السوط يشبه الحية الرقطاء ، وكانت قبضته هو كالموت ،
– كالموت ياام رابح ، كان مخيفا كالموت ، فلمم تبكينه كل هذا كالموت،
كان يدخل كل مساء بطوله الذي لا انحناء فيه ، بضخامته الزائدة ويبرم شاربه شديد السواد وابتسامته الخبيثة لا تفارق كل ملامح وجهه ، يتقدم من أم رابح ويرمي عند قدميها بكيس الخضراوات واللحم والفاكهة ، ويمازحها بأسلوبه العفن :
– خذي يا أم اللعين ، واصنعي لي عشاء كعشاءات الملوك واطعمي نفسك إنك تشبهين فزاعة الطيور.
ويتركها في المطبخ ، ثم يتوقف في ردهة البيت برهة من الزمن ، حتى يخيل الينا نحن نساءه الأربع أنه خرج أو أنه نام في قاعة الضيوف ، لكنه فجأة يفتح علينا الباب ويبدأ في قرص هذه ، وضرب تلك وشتم الأخرى، ويصرخ فينا جميعا.
– تتفقن علي بالشر يا حطبات جهنم .. تتفقن علي يا ضرات النحس.
ونحن نصرخ ونقفز في أركان الغرفة ، ثم تهرول الأخريات نحو غرفهن ، وأبقى أنا أمامه . وينحني العملاق الي قليلا ويغرس نظرته الحادة في بؤبؤ عيني ويقول لي بصوت خافت .
– أنت رأس الأفعى يا قارئة القرآن ، لقد كن كالنعاج في بيتي، وحين تزوجتك نفثت السم في رؤوسهن الشبيهة بالبطيخ . . سأؤدبك .
ضربة ، اثنتان ، ثلاث ، ثم لا ينتبه لنفسه وهو يخلع عني ثيابي ، ويلعب معي لعبة العاشق الكذاب .
– مات يا أم رابح .
ماتت يداه ، خمد صوته للأبد، وانطفأت شعلة عينيه من هذا البيت القديم القديم .
– مات يا أم رابح .
مات وانهارت كل أسراره التي صنعها حولنا، كنت ما أزال معددة في الفراش ، أتأمل ، دموع أم رابح ، والبيت الخالي من الغول حين خاطبتني رهيفة زوجته الثانية : "لن أحتمل العيش بدونه " وظلت صامتة .
المغفلة
كلنا مغفلات
أنا الأخرى لم أتصور بعد كيف سأعيش بدونه ، بدون زمجراته بدون ضرباته ، نظراته .. لا .. لم أتصور ذلك ولم أتصور أنه سيغيب لم أتصور مساءات دون أكياس الخضار والفاكهة واللحم ، ودون مزاحات العفن مع الخالة ام رابح .
مرت أيام ولم أصدق ما حدث .
مرت شهور .. وأنا (وهن ) ، نترنح في الذهول ،
والغول معلق في كل الغرف يترصدنا يطرق السمع لحكايانا ونحن نتفق عليه نجتمع ونوشوش لبعضنا في خفرت ، نخرج خفية بعد أن فتلحف ونفطي كامل أجسادنا حتى الوجه ، وندخل خفية ، ثم لم تعد (النعاج ) تحبذ كلامي، ولم تعد تتصرف بمشورتي ، وذات صباح فتحت عيني على زغاريد رهيفة ،كان العرس قائما، كن يرقصن نصف عاريات ورجال غرب يصفقون لهن ، والغول مايزال معلقا على الجدار وأم رابح تبكي في صمت ، والغول لا يزمجر، لا يقول شيئا، والسوط في ركن الصالة كأفعى أنهكها السبات . السوط التركي والغول ، وأنا ، وأم رابح والعرس قائم ..
لم أصدق ما أرى ، لكنني صدقت أن الغول مات .
فضيلة الفاروق ( قاصة من الجزائر تقيم في بيروت)