الكوخ
أغراهما المكان بالتوحد معا، بالتواجد بين جدرانه في تلك الساعة من النهار وفق موعد مختلس، مسبق قد ضرباه بينهما بعد تحين للفرص الشحيحة التي ما كانت يواتيها الحظ السعيد للتحقق على شحها وندرتها، والتي ربما الفرصة تلك الذهبية المعدن من ندرتها ما كانت تحسب انتصارا يتحقق أخيرا لقضية لقائهما الذي تحرقا شوقا الى تحققه، لولا أن تركا نفسيهما منساقين بفعل دافع التلهف اللحوح واللجوج في أثره عليهما، يدفعهما من خلفهما الى ذلك المكان من غير ان يحسبا للأمور حسابها مثلما يتم عادة في أمور حوذيها العقل ليسوسها بسوطه لا شيء آخر من جوارح الجسد. لقد اغراهما المكان بالتوحد معا بين جدرانه اذن مثل علاج يكتشف لمرض يأخذ بالمريض به مكابدة وتألما، من نبتة ما كانت قبل ذلك تخطر على بال. لقد أغراهما كوخ السعف على ما يوفره من خلوة بعيدا عن أعين الناس بالالتقاء في داخله ذلك النهار بعد أن اعيقهما الحيلة في توفير المكان للقائهما، فهو (الكوخ ) ما كان يناسب ظرفا طارئا ومختلسا كهذا اللقاء، طالما كان مكانا مهجورا منذ زمن مستباحا للاهمال متاحا للتداعي والتقادم ان يسكنه على مهل. فها هو في ذلك النهار يستقبل فجأة وعلى عجل زائرين لاذا تداريا من أعين الآخرين تحت سقفه، وعلى ما يفترض من رثاثة حال وتداع في مكان يتمطى في جوانبه الاهمال، اندسا بلهفة غير عابئين بما حولهما سوى الذي هربا به من أعين الناس في جرأة لاقتسامه بتلهف ومتعة برقة وخوف بألم ورحمة. لكن في مكان ناء ومهجور بالمرة مثل هذا المكان قد يعن للفضيحة ان تمشي على بطنها رويدا رويدا كأفعى تباغت ضحيتها، وقد يعن للفضيحة أن تنقض كصاعقة لا يملك حيالها سترا وقد بلغ افتضاحها العظم. فربما أفضى الى نتيجة محققة مثل هذه فضول عصفور استرعى نظره نوع غريب من العراك والمخاصمة صفته على نحو الحظ المتبادل على ايقاع الالم بين الطرفين والسعي اليه وطلبه هذا، الألم وايصاله الى ذروته بينهما مع المعاودة في تسلقهما الذروة والوصول الى منتهاها كجبليين عنيدين المرة تلو المرة (ما يضاعف الفضول ). وبحسابات عصفور يتجاوز المشهد من أمامه الى السماء الرحبة لم يتبق منه هذا المشهد من اثر في ذاكرته الا غرابة توسل العراك بين خصمين والحظ المتبادل عليه وطلبه بينهما. إلا أن حسابات صياد أهوج يتقدم بغريزة سلوقي في أثر ما يعتبره مغنما وصيدا سانحا لسيدته التي تعتلي ظهره، يلقمه لفوهتها، غيرها تلك عند العصفور. فالصيد ليس سوى انتهاز الفرصة السانحة والاستفادة منها واستغلالها هذه الفرصة بالكيفية التي تفيد منها حسابات صياد فوهى نهم الى اقتناصها.
جثة
أنت ايتها الجثة انهضي، آمرك عودي من حيث جيء بك، عليك ان تسيري في الطريق كما يجب بلا ترنح. لا تثرثري مع المتسكعين في عطفات الطريق عما مر بك لا تثيري حفيظتي عليك. أديري ظهرك واختبئي من كل معارفك الذين تصادفينهم، فهم بحاجة الى منطق من التفسيرات للجم دهشتهم، لا تملكينه في وضعك هذا ستقتحمين عتبة الدار بخطوات متعثرة فيما مجلس الشحناء والبغضاء منعقد حول موضوع تركتك. أطلي عليهم بابتسامتك البيضاء الفاغرة كما رسمها على محياك النزع الأخير، واستميحيهم عذرا في اضافة جملة قصيرة الى وصيتك.
اقتحام
احتاجني من الجهد الكثير جهد محموم دفعت بأطراف أصابعي على غير هدى.. أعرف الطريق الى العش عين المعرفة لكن آه من اضطراب الرؤيا في السرابات البعيدة للسبخات، من دوار المشي على الحواف الشاهقة. خاطب ليل تبعت أثر أصابعي تدب بين انثناءات وتغظنات القماش.. سأخترع للقفل مهما كان عصيا ومحكم الإقفال، مفتاحا. انفراجة بسيطة لظلفة الباب تكفي تمكنني من الدخول بظفر والتمتمة بصلاتي لاثما رخام الصحن الداخلي للمحراب. لن يصدني لن يوقف تقدمي أعلنتها، استبسال حجاب المقام.. كانت رشوتي لهم جزيلة هؤلاء الحجاب فكان تواطؤهم، ماكرا بما يكفي لتحويل تهمة الخيانة العظمي بعيدا عنهم الى آخرين : عسس أهملوا نوبتهم في الحراسة. مدفعيتي الثقيلة توالي إمطار التحصينات بقذائفها لا مجال للمقاومة، قد استوعب الجنرالات في الجانب الآخر ذلك على ما يبدو فهم يسارعون بحمية الى الدفع بالجيش الى حتفه الى آخر جندي مما يقرأ بعد ذلك في مذكراتهم بأنه تكتيك ألهمته الهزيمة لهم، لمحاولة استعادة المبادرة في المعركة. ثلمات بعض ثلمات في السور.. ثغرة في السور ثغرات في السور.. بأصابع مرتعشة.. لصه انتهيت من لـ ز ر ا ر لـ أ و ل.
لقطة
على مقربة منهما لصيق بمشهد خلوتهما كنت، لا أمنع نظري من الاستمتاع بما أرى أمامي فضول أو تعويض لمتعة ليس بالسهولة الحصول عليها وورودها أو هي غير متوافرة بالمجانية التي أراها ممارسة بقربي، تابعت بشغف لهفة إقبالهما على بعضهما البعض ركزت جل انتباهي في اللحظة التالية، عطلت خيالي وتخليت بكسل عن المشاركة في تخيل اللحظات في تصاعدها خلال سيل من القبلات الحارة التي يقبلان بهما وأحدهما على الآخر، بانتظار الذروة التي لم أشك إنها آتية بسخاء تهتكها وافتضاحها لغلواء الفعل الغريزي إن ي يعقب لحظة حميمة كتلك. بسلبية استعجل الأمر لصعود الذروة لهذه الممارسة التي اندمجت فيها أتمتع أيما متعة بمتابعتها، وأتذمر في داخلي من تلكؤ وبلادة حمار أحمله مسؤولية التأخير في مشارفة الذروة، أصب عليه اللعنات : تبا للحمير هي وراء كل فعل لا يكتمل، أجده يحرن يظل لابثا على المنحدر لا يتقدم خطوة إلى الأمام إلى أن تزل أحدى قدميه ليسقط في الحضيض. فجأة تغيم الشاشة لتنتقل إلى لقطة أخرى أكثر حشمة.
أحمد الرحبي (كاتب من سلطنة عمان)