هذا رجلٌ من السواد
ابيضَّ شَعرُهُ من المقالب
والتوجّس من كل صفير
يحسب كل صيحةٍ عليه، ويهبُّ لكلّ نفير
هذا الفتى
وقد أتى
في موكب الشّطار يحمل سرّهُ
يتبعه الصّياح حتى السرير
هذا فتى نبذته الممالك
ضيّعته المعارك
فارسٌ في مقتبل الكرّ
صادقته المهالك
وخاصمت سكّته المسالك
هذا لعنة من لعنات العصر
ماردٌ في إهاب أمير
هذا الشاحب، السائب، الضارب في الأرض
عيّارٌ في زيّ غفير
هذا الرائق، المارق، الحاذق، الخُلّبُ
هذا الأصابعُ الذهبُ
ملفوفة في حرير
هذا الجابي من دون جدول تكليف. القابض ذو الأذرع
الباسط ذو الكفّ المخرومة. الساعي بجراب الحاوي
هذا الطارق وما من باب ولا بوّاب
هذا الذي لم يرض قطُّ من الغنيمة بالإياب
هذا سبع الليل وخطّاف النهار
أَعدى من الشنفرى
(برقٌ يتبعه الرّعد إذ يُقبل)
وإذ يُدبر شررٌ في إثر شرار
هذا الخفيف الوثب، السميك الثوب، المتأهب على الدوام
هذا الناقم، الداهم، الهائم، العازم، الحاسم
الألعبان
له في كل شاردة سهمٌ يُصيب
وفي كل واردة نصيب
شريك في كل غلّة. غريب في كل ملّة
له في كل جيب هوية، وفي كل بلادٍ ملفٌّ وقضية
وفي كل مَجمعٍ عدوّ وحبيب
خارجٌ من رحم الأحجية
بطلٌ بلا سيرة. ولغزٌ بلا أسرار
هذا الشاطر الفريد. شيخٌ بلا مريد
عمدةٌ في المكائد. عدّةٌ في الشدائد
شديد اللهجة. سريع النجدة
عروةٌ من دون صعاليك
لم يقرأ ماركس ولا لينين، ولا شأن له بالآخرين
لكنه يؤمّم البيتزا ((حلال)) في الأسواق الممتازة
ليوزّعها بالقسطاس على رفاقه المغاربة والأفريقيين
لا يخلف إن وعد. وإذا ائتُمن لا يخون
ليس من الصفوة ولا من الرعاع
يشتري الحشيش للسائحات الإنجليزيات
ويكتفي من السخرة
بسهرة سُكرٍ وقبلة وداع
لصٌّ بقلب عاشقٍ
يخطف البسمة من ثغور الحسان
يسرق بجأشٍ رابط وعزمٍ ثابت
يمشي عالي الهمّة ممشوق القوام
نظيف السترة، ذا هيبة وهيلمان
فتىً من الشطّار. له مناصف وملاعيب
لكنه ليس بطالب شرٍّ ولا باطلٍ
فقط راغبٌ إذا عَرضت طريدة. لا هائبٌ ولا راهب
يقظٌ آناء الليل. متوثبٌ أطراف النهار
ولمَّا أُحيط به وهو يتفقّدُ الأسلاب
لم يجزع ولم يلُذ بالفرار
وحين همّوا به ليرحّلوه إلى دياره احتاروا في أمره
إذ لم يجدوا له خارج ثوبه وطناً، ولا خارج نعله سكناً
وطفقوا يستنطقونه عبثا
فمن يجرؤ يسأل الريحَ : من أين أتيت؟ ولا متى؟
اسمه لغزٌ. كلّه لغزٌ هذا الفتى
نينو. ناصر في الأصل وقيل منتصر. وأمّا اسمه فمنصور
كما هو مثبت في جواز سفرٍ مزوّرٍ
تضاربت الروايات بشأنه واختلفت الأقاويل
فمن قائلٍ وُلد بعنّابة، لأبٍ جزائري وأمٍ مالطية
ومن قائلٍ أمه إيطالية تدعى نورا. كانت تملك حانة ببجاية
ومن قائلٍ وُلد من أم قبائلية وأب مجهول
ومن قائلٍ لم يُشهد له صِبى. بُعث شابا في الثلاثين
لا يني يرفع راية الفتوّة
بهمّة قائد صغُرت في عينه الرتبْ
نجمه ليس ينوي الأفول
تعبت خطاه وما تعبْ
الطريق مقصدُهُ، ومسعاه الرحيل
راغبٌ في المسير
زاهدٌ في الوصول
رجل من السواد
اسمٌ بلا رسم. وجهٌ بلا ملامح
حذِرٌ كلما حلّ بواد
متوجّسٌ من كلّ بلاد.
طــــه عدنــان
شاعر من المغرب يقيم في بلجيكا