هدية من بسمارك الى سلطان زنجبار
الهدية تعبر عن رابطة العلاقة وتعكس الذوق العام السائد في تلك المرحلة
حصلت وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عمان في عام 1984 على ابريق أثري معدني "دالة " متوسط الحجم ومزين بنقوش وزخارف ونحت لوجه الاله الاغريقي "بان " كان من المفترض ان يقدم هدية من المستشار الالماني البرنس أوتو بسمارك الى سلطان زنجبار خليفة بن سعيد في عام 1890 مما يعكس الصلات التاريخية الوثيقة بين المانيا وزنجبار في نهاية القرن الماضي.
ومنذ عام 1870، ازداد نطاق التجارة الالمانية مع زنجبار حتى فاق حجم التجارة الامريكية والفرنسية وكانت بريطانيا الدولة الاوروبية الوحيدة التي لها تجارة اكبر مع زنجبار مقارنة مع حجم التجارة الالمانية .
وبنهاية القرن التاسع عشر صارت تنجانيقا محمية المانية وقد احتج سلطان زنجبار على الخطوة الالمانية وتأزمت العلاقات ، واخيرا تراجع السلطان عندما ظهرت طلائع البحرية الالمانية على الشاطىء في اغسطس 1885 .
وأجرى سلطان زنجبار برغش ( 1870- 1888) مفاوضات مع السلطات الالمانية ولم تكتمل حتى وفاته … وقد تولى الحكم بعده أخيه سعيد بن خليفه الذي ارسل وفدا الى برلين في عام 1889.. وكان من المفترض ان يرسل المستشار الالماني بسمارك هدية لسلطان زنجبار عبارة عن ابريق وهو موضوع هذه المقالة … وقد برزت ظروف طارئة حالت دون ذلك هي الوفاة المفاجئة للسلطان سعيد الذي خلفه في 13 فبراير 1890 أخيه السلطان سعيد بن علي … ثم قامت بريطانيا في الرابع من نوفمبر 1890 بأخذ محمية زنجبار من المانيا مقابل جزيرة هيلجولاند الواقعة في بحر الشمال بالقرب من الشواطىء الالمانية وكانت جزيرة هيلجولاند تابعة لبريطانيا منذ عام 1807… وتم توقيع معاهدة على تلك المبادلة بين المانيا وبريطانيا في أول يوليو 1890 ولم يكن الرأي العام الالماني راضيا عن تلك المعاهدة وقد تسلم السلطان سعيد بن علي مبلغ أربعة ملايين مارك الماني وعلى أثر وفاته في الخامس من نوفمبر 1893، تسلم الحكم حمد بن ثويني الذي توفي فجأة في 25 أغسطس 1896. وحاول سعيد بن خالد الجلوس على العرش الا أن بريطانيا أبعدته بالقوة وهرب الى القنصلية الالمانية وحملته بارجة حربية المانية سالما الى دار السلام حيث أطلق سراحه رغم اعتراضات بريطانيا. وتولى السلطة في زنجبار ابن عم حمد بن ثويني وهو السلطان سعيد بن حمود .
ومنذ عام 1892، كانت زنجبار ميناء حرا وتسجل احصاءات عام 1895 عن رسو نحو 214 سفينة ذات حمولة تبلغ طاقتها 330.000 طنا ومن بينها نحو 81 سفينة المانية وهناك نحو 1275 مركبا شراعيا تحمل نحو 8867 طنا، ترفع العلم الالماني، واشتملت الواردات على الاقمشة القطنية والاسلحة والاواني الزجاجية والفحم والاسماك المجففة وبضائع أخرى ثقيلة ، وسن الفيل أما تجارة .الرقيق فقد أمر بابطالها السلطان برغش (1866-1888) .
وكدليل على العلاقات الجيدة مع المانيا، أرسل السلطان خليفة بن سعيد وفدا لبرلين لتهنئة القيصر وليهام الثاني بمناسبة اعتلائه العرش الامبراطوري … وقد وصل وفد السلطان الى برلين في 25 سبتمبر 1889 وكان من بين اعضائه قاضي زنجبار محمد بن سليمان وقد وضع برنامج زيارة للوفد شمل مدن فايمي ودر يزدن وبادن / بادن وفريد ريشروه وهامبورج وكان بصحبتهم القنصل الالماني العام في زنجبار الدكتور جوستاف ميشاهيلز وعدد آخر من كبار المسؤولين .
وفي برلين ، استقبل القيصر وليهام الثاني ون وزوجته الوفد العماني في قصر بوتسدام وذلك في الثلاثين من سبتمبر 1889 وقد قدم الوفد هدايا قيمة باسم سلطان زنجبار للقيصر ويلهم كانت عبارة عن أسلحة وذهب ومجوهرات وفي 32 أكتوبر 1889 استقبل الامير بسمارك وزوجته الوفد العماني حيث قدم الوفد للامير هدايا قيمة .
وعاد الوفد العماني الى زنجبار في 30 نوفمبر 1889 بعد رحلة بحرية … وقد بعث سلطان زنجبار برسالة الى القيصر الالماني يشكره على حسن استقباله وضيافته للوفد وقد بعث القيصر وا لمستشار بهدايا قيمة كلف الجواهرجي فريد ليندر الشهير في برلين بضربها ووصلت الهدايا بالباخرة الى مكتب القنصل الالماني في زنجبار في 26 مارس 1890 وقد اشتملت الهدايا على نحت لشخص القيصر وتمثال يرمز الى وحدة المانيا وابريق وهدايا أخرى عليها كتابات باللغتين الالمانية والعربية تعبر عن مشاعر الصداقة والاحترام لسلطان زنجبار وبعث المستشار بسمارك بخطاب القنصل العام الالماني يأمره فيه كيف يقدم الهدايا للسلطان باسمه ردا على الهدايا القيمة التي سبق وأن تسلمها من السلطان لشخصه ولزوجته .
ولكن عندما وصلت الهدايا الى زنجبار كان السلطان خليفة بن سعيد قد توفي وفاة فجائية ، وخلفه سلطان آخر لم تتضح علاقاته مع المانيا ولذلك رأي عدم تقديم الهدايا وبعد احداث توقيع معاهدة هيلجولاند/ زنجبار مع بريطانيا في صيف عام 1890 وما تبعها من حماية بريطانية على زنجبار استقر الرأي في المانيا على صرف النظر نهائيا عن تقديم الهدايا، ومن بين الاسباب الاضافية لذلك حادث اعفاء بسمارك من مهامه في 18 مارس 1890.
وبأمر من القيصر ويلهم الثاني تم ارجاع الهدايا لالمانيا في يناير 1891 حيث تحفظت عليها وزارة الخارجية الالمانية وتفيد المصادر ان الابريق الذي كان من المفترض ان يقدم للسلطان قد ضاع وكذلك بعض الهدايا التي بعث بها السلطان خليفه للقيصر ويلهم الثاني.
وقد بلغت قيمة الابريق نحو 1350 مارك الماني ومع مرور الزمن وبسبب النقوش المحفورة والتي تتضمن اسماء لم تعد في السلطة اشترت عائلة ارنست كونترا الابريق في ابريل 1907 بمبلغ 0 30 مارك فقط وكان في حوزة الاسرة حتى قيام الحرب العالمية الثانية واخيرا تم بيعه في عام 1983 لوزارة التراث القومي والثقافة في عمان واخيرا وبعد مضي قرن كامل من الزمان عاد الابريق مرة أخرى الى اصله ،، ويبدو ان هدايا السلطان بسمارك وزوجته قد ضاعت الى الابد خلال الحرب العالمية الثانية وقد ظلت معروضة في متحف بسمارك لعقود من الزمان .
لا شك ان شكل الابريق الفضي المزين بالعملات الالمانية وبالنقوش والزخارف يمثل قمة فن صناعة الفضة خلال ذلك العقد الاخير من القرن التاسع عشر كما يعكس الذوق العام السائد في تلك الفترة .
وقاعدة الابريق الانيق مربعة الشكل ومصنوعة من خشب الابنوس وتتكىء على اربعة ارجل من الكرات الفضية الصغيرة وفي وسط القاعدة رسم لدرع مزين بزخرفة متعرجة على جانبيه وفي وسطه نقش لشعار النبالة الذي يرمز الى بيت بسمارك ،، ويبلغ ارتفاع الابريق نحو 51 سنتيمترا ويبلغ ارتفاعه بدون الغطاء 42 سنتيمتر وجسم الابريق 29 سنتيمترا وقطره 15 سنتيمترا ويزيد وزنه عن ثلاثة كيلو جرامات و 950/ 0 100 من الكيلو جرام .
وعلى حافته العليا كتابة باللغة العربية تقول (السيد خليفة سعيد بن سلطان زنجبار من عند مستشار الرايخ الالماني البرنس فون بسمارك ).. والجزء الخارجي من الابريق مزين باربعة صفوف من العملات الميدالية ونقشت في احداها اسم السلطان خليفة بن سعيد .. ووضعت الميداليات في قوالب مستديرة عليها زخارف متنوعة مثل شعارات النبلاء والفؤوس الحربية واغطية الرأس الحربية والصولجان والسهام .
وغطاء الابريق مثبت بمفصله ومحلى بزخارف متنوعة مثل رمز التاج الامبراطوري والصليب،، أما غطاء الابريق فهو مزين بز خارف من الميداليات المصنوعة من الذهب وزخارف أخرى مثل نجمة الصباح ومجموعة الصلبان والاعلام والفؤوس الحربية .