ترينو كروث
شاعر وناقد فني إسباني
“كل صورة تطفو بشكل غامض على بحر من الشكوك، والشك نفسه ينحرف في عالم غير مكتشف من اللايقين”.
جوزيف كونراد.
ندخل إلى مرسم حنوش، وهو بوتقة حميمية لعالم من الصور مزودة بالكلمات، وكلمات منغمسة في الصور، ولغات تتعانق لأن كلًا منها يحتاج إلى الآخر.
في هذه المساحة من الحرية والصدق التي ترحب بنا، تنسجم الأشكال مع الألوان، يتبادلان التفاهم، وتفتننا.
تحيط بنا لوحات تتشكّل في هذا المرسم بـ أتوتشا، إنها أماكن للالتقاء تتداخل فيها فترات بعيدة وتتقاطع فيها أزمنة وجغرافيات، وحيوات تبدو في الظاهر منفصلة. يُغزَل تزامن الأزمنة والأحداث في صور هي مفترقات طرق تؤدي إلى نهايات مختلفة كل ما لم نفكر فيه يغدو ممكنًا. وراء كل صورة تبدو مسطحة بمراوغة يكمن عالم حافل بالعمق والتعقيد. وبين كل ذلك تتدفق الحياة اليومية، والوجوه المجهولة، وعصارة الحياة، وكل ما هو عفوي وتلقائي.
وكسارد حكيم متواصل مع الصورة، يبحر حنوش في محيط من الحكايات، والحيوات المجهولة التي تنزلق بأحياء الذاكرة وضفافها. بهذه الطريقة ينقذ الغرقى ويمنحهم مأوى في لوحاته.
تتدفق الذاكرة الشفهية من عمق الزمن، تتشابك مع لغاتنا، وتفتح لنفسها طريقًا بيننا. لقد شكّل جهده الكبير في تركيب اللوحة تحديًا للبوصلات ورسم الخرائط خلال حياة كاملة. وبكل هدوء وبلا كلل، يتعمق في الفكر والإبداع الذي يرشدنا وينير لنا الطريق.
عادة ما يكون لقاؤنا احتفالًا أخويًا نتحدث فيه عن فنانينا المفضلين الذين يلهموننا، من أريخا إلى شاجال إلى هوكني. نتحدث عن شعر البياتي وأدونيس والمشاريع الجديدة التي تجمعنا.
نفتح كل الأبواب ليفيض الشعر على الرسم، ويفيض الرسم على الحياة.
نبدأ كل يوم في التعبير عن أنفسنا مجددًا. العمق المدوّخ الذي نشعر به حين ننظر إلى داخلنا، إلى أي جانب، إنه الدليل على أن الإنسان بدأ مؤخرًا التعبير عن نفسه، وأنه يصّر على هذا الطريق. لا نبلغ أي قبلة، لا فردية ولا جماعية، فنحن، منذ الأزل، نولد كل يوم.
أتعلّم أن أسمح للفراشي أن تتحدث،
أسمح للأقلام أن تغني وترقص،
أن تلامسنا الألوان وتسلينا،
وبسلوى، بموسيقى، بشعر،
يفرش القماش والأوراق ذاكرةً
فنغدو هكذا مسكونين.
نبحث فحسب عن ذريعة مقنعة حتى لا نبحر بمفردنا، لنعطي معنى لأشياء من الصعب أن يكون لها معنى.
أحدس أن أصل كل صورة مدفون وينبض باضطراب في عمق حاضرنا.