"… في اليوم الثامن عشر من شهر شوال من سنة واحد وثلاثين وثلاثمائة وألف، في حصن سمايل، أقرت سعدة… وهي محصنة أنها زنت… وذلك في حضرة إمام المسلمين.. وفي اليوم الثاني..أقرت مرة أخرى بالاحصان بزوجين.. وكان قد هيىء موضع الرجم منذ الأمس بين السوق، والحصن.. وأقاموا عليها الحد وفق السنة وهم يكبرون على كل رمية.. والله يتقبل من المسلمين التائبين… "
مؤلف عماني
خارج الغرفة:
بابان: خارجي وداخلي، وطفلتان بضفائر مرسلة حتى الظهر، كانتا منبطحتين على بطنيهما..
تعركان عينيهما بكفيهما الغبراوين، بدت ملابسهما مغبرة بالتراب وصوت الخلاخل في أقدامهما يبعث مع كل حركة لهما نوعا من الاشارة الباهتة يصل صداها مجلجلا الى نهاية الغرفة..
في البيت الذي احتو اه الأنين فصرت جدرانه كان يقف شاب مربوع بمنكبين غليظين وساقين
كالخيزران يحمل عصا طويلة لامعة مدفونة بالسمن البلدي.. وجهه مشرب بحمرة.. يهز بين الفينة والأخرى العصا وهو يلوحها في الهواء قبل أن يركزها على مؤخرتي الطفلتين وهو يرعد، زاعقا بانفعال: "بس.. بس وإلا ها العصا بتشتغل.."،
ثمة ثقب يتوسط الباب الداخلي: ينحني برأسه.. صوت هادر يحدث جلبة.. تهوي عمامته البيضاء ذات الردون الطويلة على الأرض فترتعد فرائصه قبل أن يتناهى الى سمعه نهيق الحمار المزروع على الباب الخارجي.. يتنهد وهو يمسح على وجهه الذي خطته شعيرات سوداء فبدا كشكل هندسي مقلوب وأردف: "لحمد لله.. صحيح أنك حمار..!".
على بعد مدن الدهلبز تقبع غرفة أخذت شكل مستطيل.. طينية كالغرفة الأخرى، بل ككل البيوت في القرية.. أغنام مربوطة في حبالها المركوزة على الأرض.. ثمة بقايا طعام متناثر بينها.. لكن صياحها لم يهدأ طيلة نهار ذلك اليوم..
الضحك يملأ البيت كالعادة. فناء واسع.. أنين مكتوم ينسحب كما الدخان رويدا.. رويدا..
خارج البيت:
وتم الحياة يسير وفق المعتاد.. نساء يحملن جرارا على رؤوسهن.. أخريات يتداعبن في الفلج الذي يخترق القرية فيقسمها نصفين.. رجال يتسامرون خارج المسجد.. أطفال يلعبون بحجارة منصوبة على الأرض.. لم يلحظ أحد أن شيئا ما غير معتاد يمكن أن يفتك بالقرية كما جرت العادة.. لا شيء هذه المرة.. مر "العصيان الالهي" دون مقدمات العادة "هذه المرة ما صار حتى شيء: لا ريح عاتية.. لا أمطار تطيح البوت.. لا بروق تقصف النخيل.. ما مات حد من الشيوخ.. لا حريق شب.. أبدا.. أبدا.. سبحان الله:
لا بوم صدح ولا غراب نطح.. حتى الحريم ما قالن شيء كما كل مرة.. هذه المرة فاتتهن.."!
خارج الغرفة:
الظلام يقترب بسرعة من الغرفة الداخلية، وبدا الشاب الواقف على بابها قلقا.. لقد مرت عليه ساعات النهار وهو واقف،وحتى تسليته الوحيدة لم تعد موجودة، ما عاد قادرا على اللصص رغم أنه أشعل شمعة وقربها من الباب.. لم يعد قادرا إلا على سماع التنهدات والهمس وحفيف الخيزران..
"وأنا طالع السطح أتناول دشداشتي، شفت المرق ينفتح.. سمعت كأنه صوت مبحوح يطلع بقوة.. يطلع بلفوق.. فوق.. وتعجبت وجلست أسمع.. ما قدرت أروح أطل براسي.. تراها السطوح مكشوفة..".
داخل الغرفة:
المشهد مروع: جثة طويلة مصلوبة على جدار الطين.. يدان مشدودتان كاللوح المستقيم.. يلفهما من الرسغ حبل صلب مربوط على وتدين يمينا وشمالا.. فم ألقم قطنا وسد بخرقة سوداء لفت على الرأس بشكل دائري.. دم قان يقطر بمهل يحدث صوتا أقرب لنفس وهو يتكسر على الصخرتين اللتين ظهر نصفهما وهما محفورتان بالأرض ومصوبتان بعناية بين الساقين المنفرجتين على هيئة 8.. أنقاس متلاحقة.. عنيفة.. متتابعة تتشكل لولبيا وهي تصعد للسماء عبر الفتحة الضيقة في أعلى السقف. رقبة تتمايل كنخلة يهزها الاعصار.
في مقابل الجثة كان يتحلق ثلاثة رجال بيد كل واحد منهم خيزران معكوف من رأسه، كان العرق قد غسل ثيابهم البيض فصور الكروش المتهدلة، يصرخون بتوا في وجه الجثة المصلوبة
قبل كل جلدة…
خارج الغرفة:
رافق صوت المؤذن صرير الباب الذي فتح فجأة.. دعك الشاب المنتصب على الباب عينيه.. هدأ ثغاء الشياة.. لف الحمار جسده بين أرجله وأغمض جفنيه.. كانت الطفلتان قد همدتا بعد نحيب طويل ولم يعد يسمع صوت الخلاخيل..
تناول أحدهم بندقيته المعلقة على الوتد في الدهليز.. حشاها برصاصات ثلاث.. خرج لفناء البيت وأشرع الطلقات في السماء.. تقاطرت القرية فرادى وجماعات.. علا الغبار السماء.. ترك الصبية لعبهم.
"خليت السطح وفتحت الباب بقوة ورأيتهم يغطونها بثوب أبيض. وكان باب الحجرة مقفولا..".
كانت القرية وهي تحمل جثة على اكتافها تنشد مجتمعة "الله اكبر.. لا إله إلا الله".
مرهون العزري(قاص من سلطنة عمان)