مشكلة الإعداد السينمائي للمسرح
إذا كان بالإمكان إعداد الرواية إلى السينما أو القصة القصيرة أو الظاهرة الاجتماعية، فبالإمكان أيضا إعداد وتكيف العمل المسرحي إلى السينما. وقد لجــأت السينما في بداياتها إلى الإرث الأدبي المسرحي، حيث لعب هذا الأخير دورا أساسيا في تطوير وبلورة الإنتاج السينمائي. عند هذه النقطة، بإمكاننا الإشارة إلى قول أندري بازان في كتابه (ما هي السينما) 🙁 إلى أن السينما شابة، في حين أن الأدب، المسرح، الموسيقى، والرسم، قدماء بقدم التاريخ نفسه)(1). وهذه الإشارة في شكلها ومضمونها، تشابه ما بين السينما في طفولتها الأولى وحالة الطفل الذي أول ما يبدأ بتقليد الكبار الذين يحيطون به. حيث اتخذت السينما في بدايتها الفنون الأخرى كقدوة لها، وبدت منذ الطفولة الأولى مثل نتاج ونتيجة لمحددات معينة في تطور الفن وخضعت لجميع التأثيرات التي مورست عليها من قبل الفنون المتقدمة عليها والسابقة لها. أي إن السينما هي محصلة الفنون جميعها، بعناصرها من صوت وصورة، وكلمة وموسيقى وإلى آخره.
إذن، إن الأدب المسرحي أخذ نفس المسار الذي اتخذته الرواية في طريقة إعدادها إلى السينما. ولكن الفارق بينهما، هو أن الرواية بطبيعتها تحتاج إلى صياغة وتحضير جديد لتحويل الكلمة إلى صورة، في حين أن العمل المسرحي يعتبر في حد ذاته عرضا ولا يحتاج إلا أن يكون مصورا. وهذا ما يشرح لنا سر الفتنة والإغراء الذي مارسه المسرح على المخرجين السينمائيين، الذين انتهوا أو توصلوا إلى خلق ظاهرة أطلق عليها النقد آنذاك ظاهرة ( المسرحية المصورة) التي دفعت بالسينما نحو السكون والخمول الإبداعي، إذ جعلت دورها ينحصر في حدود أرشفة المسرحية أرشفة بسيطة، خالية من الإبداع. وقد حكم على هذه الظاهرة بالفشل منذ البداية لأنها كانت تقوم بتصوير العرض المسرحي تصويرا فوتوغرافيا، على الرغم من الكاميرا التي كانت تحاول أن تنسينا مقدمة المسرح (الرمب) والكواليس.
إن الأفلام الوحيدة التي عرفت بعض النجاح، هي تلك التي قام مخرجوها بأنفسهم بعمل اعداد ابداعي وتحضيري للعمل المسرحي، بتعاملهم معها بنفس الطريقة التي كانوا يتعاملون فيها مع القصة، وهذا يعني أن المخرج السينمائي لم يبقِ من العمل المسرحي إلا على الشخصيات والحدث. وهنا ظهرت مشكلة الامتثال (أو عدم احترام) الطبيعة المسرحية للعمل من قبل المخرج السينمائي. وإن هذا الأمر لا يعتبر ضارا بالنسبة للسينما بقدر ما هو ضار، بكل تأكيد، بالمسرح، مما شكل واحدة من المشاكل التي واجهت الإعدادات السينمائية للأعمال المسرحية. إن هذا التجديد أو التعديل، إن صح التعبير، جعل النقد يحتج على طريقة التدخل السينمائي في روح العمل المسرحي، ولكن بلا جدوى، لأن نسبة الأعمال الكثيرة التي عرفت النجاح والكمال السينمائي قد قلل من حدة واعتراض النقد، وجعلت السينما تقترب كثيرا من الأدب، ببقائها مخلصة للمناخ الخاص للعمل المسرحي والسينمائي بشكل كلي.
بلا شك إن للمسرح وسائله الخاصة والمختلفة عن السينما، لاسيما أن الأداة الأساسية للمسرح كانت دائما هي اللغة وليس الصورة، فضلا عن أن تأثير العمل المسرحي على المتفرج ليس هو نفسه تأثير السينما عليه وهو داخل صالة مظلمة. لهذا السبب بالذات إن الاختلاف في مجال التكوين الجمالي بين السينما والمسرح، جعل عملية البحث عن نقاط التقاء وتقارب وتعادل في القيم، يكاد أن يكون صعبا وحساسا جدا. لأن هذه الاختلافات الهيكلية تحتاج أيضا إلى شعور إبداعي ومخيلة خصبة من جانب المخرجين السينمائيين الذين من أجل أن يصنعوا فيلما ناجحا، يتوجب عليهم، أولا وقبل كل شيء، أن يخلقوا لغة تعبيرية أخرى وأن لا يكتفوا بمجرد تسجيل بسيط ومسالم للعرض المسرحي. وذلك لأن احترام العمل المسرحي، مثلما يقول أندري بازان، في كتابه: ماهي السينما؟: ( لا يعني فقط تصويره مثلما هو، لأن القيام بـ(عمل المسرح) بطريقة صحيحة، أصعب بكثير من القيام بـ(عمل سينما)(2). وبالنسبة لأندري بازان، إنه لا يمكن فصل السينما عن المسرح بسبب فجوة جمالية لا يمكن تخطيها، علما أن المخرجين في مثل هذه الحالة، سيواجهون نوعين من المواقف النفسية، الذي يتوجب عليهم أن يحكما السيطرة عليهما. إن المسرح يعزز المفاهيم، في حين أن السينما تنطوي على تحديد الهوية. فالممثل على سبيل المثال، يكون حضوره في المسرح مباشرا وفي السينما غير مباشر. بما معناه، إن الشاشة السينمائية تعيد عملية حضور الممثل بطريقة الانعكاسات المختلفة التي تحصل في المرآة بعرضها للصورة على واجهة سطحها المصقول، أي إن ما نفقده كشاهد مباشر في المسرح، نحصل عليه في السينما بتأثير مختلف كل الاختلاف، بفضل التقارب الاصطناعي الذي يسمح به التكبير في الكاميرا (في اللقطات المقربة واللقطات البعيدة، والخ). وإن الشخصيات التي تطالعنا بها الشاشة، هي بطبيعة الحال لتحديد هوية الكائنات بينما تلك الموجودة فوق خشبة المسرح هي كائنات مُعَارضَة عقليا. وإن الحضور الفعلي للممثلين في المسرح يعطي واقعا موضوعيا، ومن أجل تبديلها وقبولها ككائنات قادمة من عالم وهمي، يجب أن تتدخل رغبة المشاهد بنشاط وأن يكون مستعدا هذا الأخير لتجاهل واقعهم المادي. إن المتفرج في السينما يتجه بشكل عام إلى التعاطف مع بطل الفيلم من خلال عملية الانصهار بالحدث بشكل نفسي تكون نتائجه تحويل جمهور الصالة إلى (حشد) وتوحيد مشاعرهم، لأن قوة الصورة، مثلما يقول بيتر بروك: ( تبلغ حدا أن تغمر المتفرج تماما، ولا يمكن أن يفكر فيما يراه، إلا قبل أو بعد حدوث التأثير، أما في لحظة حدوثها فلا يمكن أبدا، فحين تكون الصورة حاضرة بكل قوتها، وفي تلك اللحظة الدقيقة التي يتم استقبالها، لا يستطيع المرء أن يفكر أو يحس أو يتخيل أي شيء آخر)(3)، لهذا يمكننا القول أن السينما تهدئ وتسكن المشاهد، في حين أن المسرح يثير ويهيج المشاعر. وحتى لو أن المسرح ناشد الغرائز الأكثر قربا من المتفرج، لا يمكن أن يحول الصالة إلى (حشد) ولا يمكن أن يوحد المشاعر، لأنه يحتاج دائما، إلى ضمير الفرد النشط، ومشاركته الفعالة في الحدث مباشرة، في حين أن مشاهدة الفيلم السينمائي لا تحتاج إلا للمشاركة العضوية السلبية الساكنة. وإن الفيلم عندما يروج ويفضل عملية التماهي مع البطل فإنه يعارض المسرح. إذن، إذا كانت السينما تشجع وتفضل المتفرج السلبي الساكن، فإن المسرح على عكسها، يعمل على إثارة وعي المشاهد ويسعى إلى تخفيف حدة التعارض النفسي بين المشاهد والبطل.
ثم إن نجاح (المسرح المصور) لا يمكن أن يتم من خلال عملية التبديل والتحويل التي تمر عبر النص والممثل، هاتين الركيزتين الأساسيتين، وإنما المشكلة تكمن في تحويل ونقل الفضاء المسرحي الى المعطيات الاخراجية السينمائية للتعبير عن المسرحة الدرامية. إن المشهد في المسرح هو المكان الذي تقدم فيه المسرحية الدرامية والمحمولة من قبل الكلمة التي يؤديها الممثل. وإن صالة المسرح، والديكور، يستخدمهما هذا الأخير مثل صندوق لصدى ترددات صوته. في حين أن الإنسان في السينما ليس ضروريا مثلما هو في المسرح، وإن الفضاء في السينما هو المهيمن. وإن عملية نقل النص والممثل في لا نهائية الأثير السينمائي، يفقد هذين العنصرين الأساسيين قوتهما الموجودة في المسرح. ويقول اندري بازان: ( ليس هناك ما هو أسوأ من المسرح المصور في الديكور الطبيعي الذي يخمد النار في طاقة الكلمة)(4). وذلك لأن اللانهائية التي يحتاج إليها المسرح لا يمكن أن تكون مكانية، ولا يمكن أن تكون إلا في وجود النفس البشرية.
على الرغم من العلاقة القديمة ما بين المسرح والسينما، واشتغال مخرجي المسرح في السينما وإنتاج تجارب خارقة للعادة، ورغم نقاط الالتقاء والتقارب بينهما يبقى الاختلاف شاخصا، ليس على المستوى الصناعي والواقعي للسينما، وتأثير كل منهما على المتفرج وإلى آخره، وإنما على صعيد مفهوم الإخراج نفسه. إن مفهوم (الإخراج حديث )، ومن الصعب حصره في تعريف أو شرح بسيط، لأنه وبكل بساطة يشتمل على أشياء كثيرة جدا. على سبيل المثال، في السينما، التي هي بمثابة معمل جماعي، يكون المخرج فيه المؤلف الأوحد والمطلق، وجميع العاملين فيه على اختلاف مستوياتهم وإمكانياتهم، ليس إلا مجرد أدوات في خدمة رؤيته. وإن العديد من الأشخاص الذين تساءلوا حول هذا الموضوع، اعتقدوا أن عمل المخرج في المسرح هو نفسه أو بالأحرى يشبه عمل المخرج في السينما. لسوء الحظ، أن جميع هؤلاء قد مروا بالقرب من الحقائق الافتراضية الغنية للشكل المسرحي. لأن العديد من المخرجين الذين اشتغلوا في حقل المسرح، اعتقدوا في البداية أن دور المخرج ينحصر في استعمال وتحريك جميع الوسائل التي وضعت في حوزته من : إضاءة، ألوان، أزياء ديكور، مكياج، حوار وتمثيل، كما لو أنه أمام آلة كاتبة أو بيانو. وإنه بمجرد ما يجمع العناصر التعبيرية يستطيع أن يبدع أو يخلق لغة الإخراج، حيث الممثل الذي هو أكثر من جوهري وأساسي يتبع ويخضع لجميع العناصر النحوية الأخرى. وهذه هي فكرة المسرح الشامل الأكثر بلوغا ونضجا.
إن المسرح كحدث يحتوي على إمكانية وضع وجهة نظر فريدة محل العديد من وجهات النظر المجاورة والمختلفة، مثلما بإمكانه أن يظهر العالم بأبعاد متعددة، في حين أن السينما، تبحث عن التأثير التجسيدي، وتكتفي ببعد واحد. المسرح يحصل على قوته وكثافته من تفرده وتكريسه نفسه لهذا العالم العجيب الذي يعمل على إبرازه والكشف عنه. مثلما ينتج ظاهرة قريبة من ذلك المنهج الأحادي التعبير الذي يرمم الشكل الخارجي للأشياء، بفضل تشابك وتداخل حزم إشعاعية. وعندما نفهم لحظة من الحياة فيه، في قمة كمالها المقنع، يحدث ويتفجر لدى المتفرج والممثل نوع من تعاقب المصادر المختلفة، التي توجه نحو نفس النقطة وفي ذات الوقت. وبمجرد اجتماع بسيط لمجموعة من الشخصيات، أول ما يظهر ويبدو للعيان الحاجز المنيع بين مختلف وجهات النظر. هذه هي مادته الأساسية التي سوف تسمح فيما بعد، أي بعد جريان الأحداث، بإثارة وشحذ وجهات نظر متناقضة.
لهذا نطلق على المسرح بفن المفارقة. و(بإمكاننا الذهاب بعيدا ونقول إنه المفارقة ذاتها، فهو نتاج أدبي وفي نفس الوقت، عرض مادي؛ وهو في ذات الوقت، فن خالد قابل لأن يعاد إنتاجه وتجديده دائما وأبدا)، وهو فن آني (لا يمكن إعادة إنتاجه بنفس الطريقة التي تم تصويره فيها من قبل): لأن العرض الذي يقدم اليوم لا يمكن أن يكون أبدا هو نفسه غدا؛ فهو فن على حد قول «انتوان أرتوAntonin Artaud « صنع لأجل عرض ونهاية واحدة. انه فن اليوم، وان عرض الغد، الذي هو نفسه كان عرض البارحة، يُمثل من قبل أشخاص تحولوا إلى شخصيات أخرى وأمام جمهور هو الآخر مختلف؛ لهذا فإن الإخراج الذي عُمل أو أعتمد من قبل مخرج في مسرحية قدمت منذ ثلاثة أعوام لا يستطيع أن يحافظ على بهائه الكامل ونوعيته، لأنه مع الزمن يموت وتتقادم عليه السنون، في حين أن النص نفسه يبقى نظريا ثابتا وغير متغير، إلى الأبد)(5).
إن الحوار في المسرح يبني ويؤسس العناصر الجوهرية للمسرحية. إنه يقترح التوتر الذي يكشف عن اللااتفاق الكلي بين الشخصيتين. وهذا بحد ذاته الصراع البارع والمعلن ما بين وجهتي نظر متعاكستين. لهذا يتوجب على المؤلف أن يعطي لكل واحدة منهما نصيبها من الحقيقة وبالتساوي وإلا فستكون النتيجة ضعيفة. في المسرح، يتوجب علينا اختراق رأيين متعارضين، بنفس الفهم. لهذا على المؤلف أن يكشف عن ولعه بشخصياته، بالدخول معها في مشاركة، ووحدة شعور، مثلما يفعل تشيخوف مع شخصياته. انطلاقا من هذا، إذا وجدت عشرون شخصية في المسرحية، وإذا أعطى المؤلف كل شخصية من الشخصيات العشرين حقها بنفس القوة الاقناعية، سنحصل بلا شك على معجزة شكسبيرية. لأن هذا ما يفعله شكسبير مع شخوصه، انه يحملها الحقيقة التي يريد الكشف عنها بالتساوي وبنفس القوة الدرامية.
مقابل هذا التدرج الوفير من القيم، والمواد المكثفة، نستطيع أن نفهم عمل المخرج أكثر فأكثر. فالمخرج الذي يكفي نفسه بنفسه بوجهة نظر واحدة أو معالجة شخصية معالجة خاصة حتى وان كانت هذه الأخيرة قوية وأساسية، ويتناسى الشخصيات الأخرى، فإنه حتما سيضعف البقية الباقية من الشخصيات والمسرحية كذلك. إذن، على المخرج أن يعتني بجميع التيارات الغامضة بالنص وبالتساوي. هذا بالإضافة إلى أن الممثل سيحاول وبسهولة أثناء العمل أن يفرض تصوره الخاص، سواء كان نظريا أو ما يستحوذ عليه من شعور أو فكرة، وهنا على المخرج أن يعالج الأمر بطريقة مثلى. إن المسرح بطبيعة الحال، يحتوي على مجموعة من العاملين، الذين بمستطاعهم أن يكونوا جميعا نافعين، ولكن يتوجب عليهم أولا وقبل كل شيء، أن يخدموا الهدف، الذي يعمل على إظهار الفهم الذي يتجاوز المفهوم الحقيقي لكل واحد منهم. وعندما يتحقق هذا فقط، يمكن أن نرى دور الديكور، الأزياء، الإنارة … والخ. إن هذه العناصر ستعثر على مكانها الطبيعي عندما يخرج وينتظم كل هذا الذي ولد داخل المجموعة البشرية العاملة. وليس هناك اكثر هدما وتحطيما للعمل المسرحي من الإقحام التشكيلي أو الموسيقي. وهذا ما يحدث غالبا، عندما يفرض على العمل المسرحي، هذا الديكور أو تلك الموسيقى بشكل مبكر، حتى لو تم ذلك بموافقة المخرج نفسه.
وبعد العديد من التمارين التي تقتضي الأسابيع تلو الأسابيع، لم يعد المخرج هو نفسه. أنه يستغني وتتسع آفاق رؤاه نتيجة لعمله مع الآخرين. لهذا ان الفعل الحقيقي والأساس لوضع الشكل شبه النهائي للعمل المسرحي لا يأتي إلا متأخرا، ولا يكون ممكنا إلا في لحظة العرض نفسها. ونعتقد أن كل مخرج من المخرجين قد عاش هذه التجربة، تجربة أن يرى عمله في آخر تمرين من التمارين متماسكا، ولكن بحضور الجمهور يصبح هذا التماسك تألقا وشظايا لمعانه ترتسم على كل الحضور، سواء كانوا في الصالة أو فوق الخشبة. إن العمل الجيد لا يعثر على نفسه إلا في العرض الأول له. وهكذا مع كل عرض يتجدد ويتأسس ويتشكل من جديد، خاصة إذا كان العاملون فيه مخلصين وأوفياء، لأنه بغير ذلك، يمكن أن تكون النتائج معكوسة، لا سيما أن العلاقة الحية مع الجمهور بقدر ما هي عظيمة وشيقة بقدر ما هي خطرة ويمكن أن تؤدي إلى التهلكة والضياع.
وهنا يكمن كل الاختلاف ما بين السينما والمسرح. في السينما كل شيء محفوظ ومنقوش على سطح شريط سينمائي قد صور ذات يوم، الصورة فيه والفعل ثابتان لا يتحركان، في حين أن العرض المسرحي، يأخذ شكله الحقيقي وديناميكيته من الحضور الحي للجمهور ومن العلاقة الجدلية ما بين الصالة والجمهور.
لقد أثارت العلاقة بين المسرح والسينما دائما تحليلات رائعة وعظيمة، وعندما نلقي نظرة سريعة على هذين الفنين اللذين يكادان أن يكونا نقيضين، نجد أنهما لن يفترقا منذ عام 1895، أي منذ صارت السينما الصامتة سينما ناطقة. منذ ذلك الوقت، ونحن نلاحظ منطقيا سلسلة من الإعدادات التي غالبا ما تتحقق في عجالة والتباس. ولكن ما المقصود بالمسرح والسينما ؟ وهل يمكن لنا أن نتجاهل القيود التقنية المتأصلة في كل واحدة منهما والإفلات من العقبات ؟ وهل يجب أن نعطي الحق إلى لويجي بيراندلو الذي عارض مادية الشخصيات في السينما والوجود البدني للممثلين في المسرح؟ وهل يمكننا المشاركة في النقاشات النظرية والجمالية حول اللقطة/ المشهد والمونتاج/السرد ؟ وهل سنتفق في نهاية المطاف على تحديد ما هو وما ليس هو اعدادا سينمائيا مخلصا للمسرح؟
إن مشكلة الاعداد السينمائي للمسرح، قد طرحت منذ البدايات الأولى اشكالية الإخلاص، والولاء، والجمال، مثلما طرحت أيضا مسألة هل ينبغي على السينما أن تكون في خدمة المسرح، أو العكس، أن يكون المسرح في خدمة السينما ؟ وبالنسبة للبعض، يتوجب على الفن السابع، إذا كان ينهل ويأخذ من المسرح، فعليه أن يعيد انتاج هذا الأخير بكل أمانة وإخلاص. وهناك البعض يختلف مع هذا الرأي، باعتقاده وإيمانه بأنه لا بد من تفجير الفضاء الزمكاني للمسرح، والديكورات، لإعطاء السينما ولادة ابداعية جديدة. إن الحدود بين هذين الفنين، تبدو ضبابية أكثر مما ينبغي، وإن المفارقة لا تنفك عن مساءلتنا، عن الكيفية التي يمكن أن نتصور فيها إعادة إنتاج الكلمة في المسرح أو استنساخها من قبل فن صامت. وقد يكون الاعتراض على أن الصمت في بعض الأحيان اكثر بلاغة من الكلمة ؟
إن السينما بمجرد ما أحست بإمكانية سرد وتقديم قصة، التفتت نحو الموديل المسرحي، والتصوير في الاستديو الذي يوفر لها الظروف المادية الملائمة. ولقد أخذت الكثير من المسرح، وفي أول اتصال وملامسة لها بالمسرح، استطاعت أن تستولي على العديد من العناصر، مثل: لعب الممثل، الديكور، السينوغرافيا، الحوار، والدراماتورجيا، وكيفتها لها بوسائل تعبيرية خاصة. وإن بناء أول صالة للسينما كان ولا يزال بمثابة امتداد لمعمارية المسرح. ومع ذلك، إن إطلاق الصفة (المسرحية) على أسلوب ونمط فيلم من الأفلام، غالبا ما يكون له دلالة سلبية عليه. ولهذا السبب بالذات، أصبحت السينما تدرك في علاقتها مع المسرح، بضرورة تفردها كفن له جمالياته الخاصة، وبين انجذابها للواقع وفخ الذرائع الكاذبة. ولهذا حاولت السينما أن تنفصل عن المسرح من خلال اهتمامها بالعديد من المظاهر والأشكال الأخرى التي نقلتها إلى الشاشة، محاولة هكذا أن تعلن عن اختلافها البسيط والصغير عن المسرح، من خلال السلطة المطلقة للتلفزيون أو ظهور التكنولوجيا الجديدة. ومع ذلك ظل العديد من السينمائيين يشعرون بضرورة المسرح في التعريف بإمكانياتهم الفنية، مثل: مارسيل بانيول، ساشا كيتري، جون رينوار، شارلي شابلن، مانويل دي أوليفيرا، وجاك ريفيت.. والخ.
يمكننا أيضا أن نذكر العديد من التجارب الناجحة في مجال الإعداد السينمائي للمسرح، مثل: جان كوكتو، أولسن ويلز، لورانس أوليفي، وبيتر بروك، ومخرجين وكتاب سيناريو آخرين، سواء كانوا مسرحيين أو سينمائيين قد بذلوا جهودا كبيرة في تعزيز وتقوية فكرة أن الإعداد السينمائي الناجح للمسرح لم يعد بـ (خيانة) وإنما هو نظرة جديدة للمسرح.
علما، ومثلما ذكرنا أعلاه، أن علاقة المسرح بالسينما ليست بجديدة، لا سيما أنها قد بدأت مع الكوميديا الأمريكية التي اعتمدت كأساس على الكلمة والحالة التي تثير الضحك، بعيدا كل البعد عن الصناعة السينمائية. لهذا نجد، أن أغلب الأفلام الكوميدية الكبيرة الفرنسية منها أو الأمريكية مصدرها هو موسيقى- الهال أو مسرح البوليفار: ماكس ليندر، بوست كايتون، لوري وهاردي، شارلي شابلن… هؤلاء جميعا يدينون بنجاحاتهم السينمائية إلى تجاربهم المسرحية، وبمساعدة السينما قد حافظوا وعرضوا تقنيات موسيقى – الهال ومسرح البوليفار. مثلما بإمكاننا أن نلاحظ في الأفلام الكوميدية القديمة حضورا للمسرح بشكل بدائي، ليس على مستوى التمثيل فقط وإنما أيضا على مستوى البناء السردي للحدث. وفي نفس الوقت، لا بد من التذكير، بأن السينما قد أعطت هذه المشاهد والحالات المسرحية الكوميدية نكهة جديدة، إذ حررتها من حدود طبيعة المسرح نفسه التي تفرضها عليه الوحدات الأرسطية الثلاث: وحدة الموضوع، المكان والزمن. وهذا ما يجعلنا أن نقول، بأن هذه الحالات والمواقف الكوميدية البدائية أصبحت بفضل السينما، حالات درامية تعبيرية جديدة وانتشرت بشكل واسع النطاق، ولولا التدخل السينمائي فيها لما وصلت أبدا إلى مرحلة النضج الفني الذي شهدناه. نستنتج مما تقدم أن العلاقة بين السينما والمسرح هي قديمة جدا، وأن من دون هذه الفترة الطويلة من الاتصال والتبلور الذي عزز الخلافات والاكتشافات بين المعسكرين، لن يستطيع لا لورنس أوليفييه، ولا ألسن ويلز، ولا جان كوكتو، ولا بيتر بروك، أن يخلقوا بعض من الهارمونية والانسجام بين هذين (العالمين) المختلفين بشكل كاف، في كيفية اعداد النص المسرحي، وأداء الممثلين، وإخراج النص وتحويله إلى فيلم، وكذلك في اختلاف تأثيرهما على المتفرج.
إن تطور ظاهرة(المسرح المصور) سواء كانت في أمريكا، أو انجلترا، أو في فرنسا، وإذا كانت معدة عن الأعمال الكلاسيكية مثل مسرحية: هنري الثاني، وهاملت، وماكبث، والخ، أو المأخوذة عن الاعمال المعاصرة، مثل مسرحية: الأفعى لليان هلمان، ومسرحية الآباء الفظيعين، ومسرحية الحبل، والخ … فهي لم تتغير، وإن ما يميز هذا التطور هو إخلاص المخرجين إلى النص المكتوب أكثر فأكثر على خلاف ما كان يفعله أسلافهم الذين حاولوا في اعدادهم السينمائي للأعمال المسرحية أن يخفوا النص الأصلي ويذوبوه في الأثير السينمائي.
ونفس الشيء يكاد أن ينطبق على الأوبرا، إذ لاحظنا أن الطريقة ذاتها قد اتبعت في نقل الأوبرا إلى السينما سواء على المستوى العام أو الخاص: فهناك بعض المخرجين الذين قاموا بتصويرها من فوق خشبة المسرح، والبعض الآخر جعلها فيلما موسيقيا تقريبا، وهناك آخرون أيضا دفعهم إحساسهم بالواقعية السينمائية، إلى تجريدها تماما من إطارها المسرحي الضيق وتصويرها في الطبيعة الأكثر اتساعا. وهناك أيضا أولئك الذين بحثوا عن كيفية إعدادها وتكيفها سينمائيا من غير أن يمسوا طبيعتها المسرحية الموسيقية. بيتر بروك واحد من الذين كانوا ولا زالوا مهتمين بإعداد المسرح للسينما، سواء كان ذلك موسيقيا أو غير موسيقي. وحينما يتحدث عن تجربته الخاصة في هذا المجال، يقول: ( لقد اشتغلت دائما بهذه الطريقة، وعملي كان دائما وأبدا يشبه إلى حد كبير، الفارس الذي يركب حصان المسرح والسينما في آن واحد)(6). أي انه يشتغل في الحقلين دون إلحاق الضرر بواحد من الاثنين، بل يغذي الواحد من خلال الآخر وبالعكس.
* نبذة مختصرة عن حياة بيتر بروك
ولد بيتر بروك في لندن عام 1925. وتعلم في مدرسة كرشام في (ويستمنستر) وفي كلية (ماجدلين) في اكسفورد. ولقد ولد مسرحيا وفنيا سنة 1946، عندما بدأ يقدم للمسرح والسينما أعمالا تلو أعمال، يمكن أن نذكر منها: الكوخ الصغير، بيت الزهور، الزيارة، يرما الرقيقة، الديك المقاتل، مارا-صاد، أوبرا فأوست، كارمن، المها بارتا، مؤتمر العصافير، تيتوس اندرونيك مع لورانس أوليفييه وفيفيان لي، الملك لير مع بول سكوفيلد، حلم ليلة صيف، العاصفة، وأعمالاً أخرى لشكسبير حيث اخرج لهذا المؤلف لوحده ما يقارب العشر مسرحيات. وقد اكتشف السينما بشكل مبكر، فمنذ عام 1944 أعد إلى السينما (رحلة عاطفية)، المأخوذة عن رواية لورنس ستيرن. وفي عام 1944-1945، أنتج وأخرج عدة أفلام قصيرة قبل أن يخرج أول فيلم طويل عام 1953: (أوبرا المتسولين). وفي عام 1960، أخرج فيلم (موديراتو كانتابل)، المأخوذ عن رواية قصيرة لمارجريت دوراس التي اشتغلت مع بيتر بروك وجيرارد جاغرلو في كتابة السيناريو. وفي عام 1961، قدم فيلم من الخيال العلمي (سيد الذباب) المعد عن عمل لوليام كوادوني، و(فيلم مارا-صاد) في عام 1967 الذي أعده عن عرض مسرحية بيتر فايس (مارا-صاد)، وكذلك فيلم (الملك لير) في عام 1971، بالأسود والأبيض، والذي يسلط الضوء فيه على مدى العلاقة التي تربطه بتقاليد المسرح الشكسبيري. وفي عام 1979، ابتعد بيتر بروك عن المسرح ليخرج فيلم (لقاء مع رجال رائعين)، وعلى الرغم من هذا الابتعاد القصير نلاحظ ونشعر من خلال أفلامه حب وتعلق بروك بروح المسرح. وعند وصوله إلى باريس واستقراره في مسرح البوف دي نور، وأسس في عام 1974، مركز البحوث المسرحية، قدم: تيمون الأثيني في عام 1974، ومسرحية (IKS) في عام 1975، ومسرحية (العين في العين) عام ،1978 ومسرحية (العظم)، عام 1978، و(مأساة كارمن)، عام 1983، و(مؤتمر العصافير)، لجلال الدين العطار عام 1985، و(بستان الكرز) عام 1988، (العاصفة)، عام 1990، و(الرجل الذي) عام 1993، و(من هناك) المأخوذة من نصوص كل من: أنتونان آرتو، بريشت، جوردن كريك، مايرهولد، ستانسلافسكي، ومسرحية (البدلة) لكان تيمبا، في عام 1999، و(مأساة هاملت) في عام 2002، الخ … .
لقد كان اهتمام بروك منصبا منذ البداية على المسرح والسينما في آن واحد. ولعل هذا أهم ما يميز انشغالاته الدائمة في المجالين، ويفسر اندفاعاته المستمرة في البحث عن كل ما هو جديد. فهو يمقت التكرار، وكل ما هو ثابت غير متحرك، ويبتعد عن كل ما هو مؤكد، ويعتقد أن كل شيء يجب أن يخضع للامتحان والتطبيق لكي يعاد اكتشافه من جديد. لهذا نراه منذ بداية حياته الفنية وهو يرفض هيمنة النظريات والعقائد الجامدة، ويحاول قدر ما يستطيع أن لا يتقيد بأي اتجاه أو مذهب مسرحي سواء كان ذلك مسرحيا، سياسيا أو فيلسوفيا. ولقد وصل به التطرف حدَّ أن يتمرد على ما كتبه هو بنفسه في كتاب «الفضاء الخالي»، إذ يقول في كتاب « الشيطان هو الضجر» الذي قمنا بترجمته وصدر عن دائرة الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة: (لقد ذكرت في أول جملة دونتها في كتابي الفضاء الخالي :» يمكنني أن أتناول أي مكان خال، فأسميه مسرحا عاريا. وكل ما يقتضيه الفعل المسرحي هو أن يمشي شخص عبر تلك الفسحة في حين يراقبه شخص آخر»، إن هذا لم يعد كافيا اليوم، لقد تقادم عليه الزمن، لأننا نحتاج من اجل أن يكتمل الفعل المسرحي ويتفجر، إلى شخص ثالث يراقب عملية المرور والمراقبة التي يشترك بها الشخص الأول والثاني الذي يقوم بفعل المراقبة). انطلاقا، من هذا المنطق المفتوح على التحول والتغير، يمكننا أن نفهم رفض وتمرد بروك المطلق لأي تخطيط أو اعداد مسبق للإخراج والتمثيل وباقي عناصر العرض. انه يعتبر المخرج الذي يأتي إلى التمارين المسرحية مع مخططات جاهزة، مخرجاً ميتا خالياً من الحياة. فهو مع المخرج الذي يعمل على تنظيف حديقة الممثل من الأعشاب الميتة كي لا تقف هذه الأخيرة حجر عثرة في دربه؛ مع المخرج الذي يبحث عن العلاقة المباشرة والواضحة مع الممثل والجمهور؛ مع المخرج الذي يعمل على اكتشاف الفضاء المسرحي، مع الممثل لحظة التمرين، بل وحتى لحظة التقديم نفسها؛ مع المخرج الذي يعمل على تحرير الممثل من كل قيود، ومن كل كليشيهات النظرية الجاهزة. إن مسرح بروك، ليس بمسرح نخبوي، انه يتأسس أولا وقبل كل شيء، على العلاقة الجدلية بين المخرج والممثل والجمهور، على العكس تماما من صاحب نظرية المسرح الفقير «غروتوفسكي» الذي يحبه بروك ويحترمه خير احترام ولكن مع ذلك، هذا لا يمنعه من الاختلاف معه، لأن هذا الأخير يعتمد على النوعية ويقوم مسرحه على أساس العلاقة بين المخرج والممثل فقط متجاوزا المتفرج، ذلك السيد الجليل الذي لولاه لما اكتمل أو يكتمل الحفل ولما تفجر الفعل المسرحي. إن المسرح، إذا ما افتقر إلى الجمهور يصبح مفتقرا لوجوده، فالجمهور هو التحدي وبدونه تبقى الصورة كاذبة. أليس كذلك كما يقول بروك؟
يعود بيتر بروك مع (تراجيديا كارمن) إلى الأوبرا ويقدمها في مسرح البوف دي نورد. ولكن لماذا كارمن ؟ ويجيب بيتر بروك: (إنه العمل الذي بالغ في تضخيمه القرن التاسع عشر، فحاولنا أن نتفحصه ونعريه من ثيابه من أجل اكتشافه. يبدو لنا، إن خلف واجهته الأمامية هناك تيار يمر في الأعصاب، وهذا هو معنى عملنا)(7).
* أوبرا كارمن
تعد أوبرا كارمن للموسيقار الفرنسي جورج بيزيه(8)، الأكثر شعبية بين جميع الأعمال المسرحية الغنائية، والأكثر تسجيلا، وهي أيضا الأكثر تقديما على مسارح العالم أجمع. وقد كتب نص الأوبرا لها كل من (هنري ميهاك(9) ولودوفيتش هيليقي(10) باعتمادهما على قصة كارمن للروائي الفرنسي بروسبير ميرميه.(11) عرضت أوبرا كارمن لأول مرة في أوبرا كوميك بـ باريس في الثالث من آذار/ مارس 1875، لكنها لم تلاق النجاح في وقتها بعد أن شجبها النقاد واعتبروها غير أخلاقية وسطحية تتعارض مع الفضيلة العليا. وقد مات مؤلفها من دون أن يعلم أن عمله سيتحول فيما بعد إلى واحد من أكبر الأعمال الفنية في مجال الأوبرا. وكان أول ظهور لقصة (كارمن) في 1 أكتوبر 1845 في مجلة (العالمين)(12). حيث تنتهي القصة في نموذجها الأول الذي نشر في الفصل الثالث، أي مع موت بطلها (دون جوزيه). ولكن عند إعادة نشرها من قبل (كلمان ليفي)(13) في الأسبوعين الأولين من شهر فبراير 1847، ظهرت القصة بأربعة فصول وليس ثلاثة. وفي عام 1875، حول كل من (هنري مالهاك، ولودفيك هاليفي وجورج بيزيه) قصة (كارمن) إلى عمل درامي غنائي(14).
(يتبع البقية على موقع المجلة بالانترنت)
حيث تناول هؤلاء الثلاثة موضوع القصة بعد أن أعطاهم ورثة الكاتب (ميريميه) الضوء الأخضر في التصرف في النص بحرية. ولقد حاول كل من (مالهايك وهاليفي) أن يحولا النص ويعالجاه بطريقة تتماشى مع ذوق الجمهور المعتاد على أعمالهما، لكن (جورج بيزيه) منعهم من ذلك خوفا على جمال طبيعة العمل ومن ثم إفساده. وقد كان العرض الأول (لأوبرا كارمن) في3 مارس 1875 غير ناجح، ولكنه شيئا فشيئا، وبعد أن تدرب عليه موسيقيون ومغنون جيدون استطاعوا أن يقدموه بشكل جيد وحديث، صار العمل يفرض نفسه على الكثير من المشتغلين في هذا المجال، لدرجة أن بات في كل مرة يقدم فيها تجرى عليه تعديلات وصياغات جديدة ولكنها مع ذلك، لم تستطع في مجملها أن تتجاوز القصة الأصل. إن أوبرا كارمن تحكي قصة الفتاة كارمن التي ارتبط اسم الأوبرا بها، وهي غجرية جميلة ولكنها متعالية وذات مزاج متقلب، لا تهتم بمن يحبها ولكنها تسعى لإيقاع الرجال بحبائل جمالها. وقد توددت إلى رجل من إقليم الباسك شمال إسبانيا هو العريف خوسيه نافارو الذي عشقها لتحوله من شرطي بسيط مطيع إلى شقي خارج على القانون مطلوب رأسه بعد أن ربطته بعصابة من المهربين هي عضوة فيها، ليقوده هذا الحب الجارف أخيرا إلى ساحة الإعدام..وشغلت أوبرا كارمن الكثير من الفنانين بتقديمها على خشبة المسارح وشاشات والتلفزيون برؤى مغايرة. ولقد ساهمت السينما هي أيضا في تقديم هذه الأوبرا الذائعة الصيت، بحيث أنها أنتجت أكثر من ستة عشر فيلما لقصة (كارمن)، منذ عام 1907 حتى يومنا هذا:
* 1907: كارمن، فيلم صامت، للمخرج الانجليزي أرثر جيلبرت,
* 1909: كارمن، فيلم إيكالي صامت للمخرج، جيرولامو سافيو,
* 1911: كارمن، فيلم فرنسي، إخراج جان دورواند، وغاستون دود,
* 1912: كارمن، فيلم انجليزي، للمخرج تيو فرنكل,
* 1915: كارمن، فيلم صامت، لسيسيل، ب دميل، بصوت المغنية جيرالدين فارا,
* 1915: كارمن، فيلم صامت لراؤول والش مع المغنية الأمريكية تيدا بارار,
* 1918: كارمن، فيلم ألماني صامت من إخراج أرنست ليوبيتش,
* 1945: كارمن، فيلم فرنسي من إخراج كريستيان جاك,
* 1948: عشاق كارمن، فيلم من إخراج تشارلز فيدور,
* 1954: كارمن جونز، فيلم أمريكي للمخرج وتو بريمنغر,
* 1983: قصة كارمن، فيلم راقص (الفلامنكو) للمخرج كارلوس ساورا,
* 1983: الاسم كارمن، فرنسي من إخراج جان لوك كودار,
* 1984: كارمن، أوبرا لفرانشيسكوا روزي,
* 1984: تراجيديا كارمن، ثلاثة أفلام ، المخرج بيتر بروك,
* 1985: كارمن عارية، للمخرج ألبرت لوبير,
* 2004: كارمن دس خيليتسا، فيلم من أفريقيا السوداء للمخرج مارك دور نفورد,
اعتمد بيتر بروك في فيلم (تراجيديا كارمن)، الذي أخرجه في عام 1984، على نسخة (جورج بيزيه، وبروسبير ميريميه، ومالهاك، وهاليفي). ولقد قام بإعداده مع كل من : (ماريوس كونستان)، الذي تولى الجانب الموسيقي، و(جان كلود كاريير)، الذي قام بالكتابة الدرامية الجديدة للنص مع بروك، أما السينوغرافيا، فقام بتصميمها (جورج فايكلفيتش)، وإدارة تصوير الفيلم، (سفين فيكفسكي).
إن هذا الفيلم، عبارة عن صورة للعرض الذي قدمه (بيتر بروك) على مسرح (البوف دي نورد) في عام 1981. وقد أخرجه بروك على هيئة ثلاثة نسخ لا يختلف فيها إلا الممثلين فقط، وإن المغنين في العروض الثلاثة التي تعاقبت على مسرح البوف دي نور، قد عوملوا على قدم المساواة مثلما يقول معد النص، جان كلود كاغير: ( إن التوزيعات الثلاثة في العروض الثلاثة التي قدمت، والتي اصبحت فيما بعد ثلاثة أفلام، قد لعبوا من قبل ممثلين وممثلات مختلفين، واعتقد أن هذا يقع لأول مرة بهذه الطريقة. هذا بالإضافة إلى كونه موقف أخلاقي غاية في القوة والروعة من قبل بيتر بروك، أي لم يكن هناك مجال لأن تلعب ممثلة بدلا من أخرى. وحينما نشاهد الأفلام الثلاثة، سندرك جيدا، أن الإضاءة والكوادر السينمائية المستعملة هي نفسها في الأفلام الثلاثة).
* توزيع الأدوار:
بالنسبة للأدوار الأربعة الرئيسية: كارمن، دون جوزيه، إسكاميلو، وميكائيلا.
– في الفيلم الأول: مثلوا من قبل: هيللين دلفو، هوارد هانبز، جاك غاردنر، وأنيس هولت.
– في الفيلم الثاني: مثلوا من قبل: زهاف غال، لورانس دايل، كارل يوهان فيلمان، وفيرونيك ديتشي.
– في الفيلم الثالث: مثلوا من قبل: إيفا سوريو، لورانس دايل، فيرونيك ديتشي، ويوهان رات.
وفي الأفلام الثلاثة، يقوم جان بول دنزيون في تمثيل دور (زوينغا)، وآلن مارترا يقوم بتمثيل دور(ليليلس بستي)، وتايا سودانا بدور (غارسيا).
* تراجيديا كارمن بين الهدم والبناء والولادة
تراجيديا كارمن قبل التصوير
إن ما قام به بيتر بروك في (تراجيديا كارمن) ليس بإعداد بسيط وسهل لقصة ميريميه أو لأوبرا-كوميك، التي كتبها جورج بيزيه، وذلك لأن تحويل العمل الأدبي الذي يحتوي على أسلوب معين وخاص به، إلى عمل آخر مختلف ليس بالأمر السهل أو الهين. إنه حتما سيؤدي في شكله ومضمونه إلى ولادة عمل جديد له مميزاته الخاصة. وفي الواقع، إن تحويل بيتر بروك ومعاونيه الأوبرا إلى المسرح والمسرح إلى السينما، بهذه الطريقة، جعلت من التحويل الأول (النسخة المسرحية)، مثل خطوة أولى تحضيرية لمرحلة الفيلم (النسخة السينمائية)، وهذا ينطبق حتى على توزيع الأدوار:
* ثلاثة ممثلات لدور كارمن.
* ثلاثة ممثلين لدور كارمن.
* ثلاثة ممثلين لدور إسكامليو.
* ممثلتان لدور ميكائلا.
وقد حافظ بيتر بروك على هذه التوزيعات التي استعملها في المسرح في الأفلام الثلاثة التي صورها لـ(تراجيديا كارمن). مثلما اعتمد مع جان كلود كاريير وماريوس كونستان، في كتابة نص (تراجيديا كارمن)، على نماذج كل واحد منها ينتمي إلى نوع مختلف، وهنا يكمن سر العمل المعقد، إن صح التعبير.
* كارمن، قصة لبروسبير ميريميه، نشرة في عام 1845، وتعتمد في كليتها على السرد.
* كارمن، أوبرا-كوميك، لجورج بيزيه، وهنري مالهايك، ولودفيك هاليفي، كتبت في عام 1875، وهي كتابة درامية من حيث النوع.
ويجب الإشارة هنا، إلى إن (كارمن)، جورج بيزيه تعتبر هي الإعداد الأول الذي اعتمد على قصة ميريميه. وقد اعتمدوا بيتر بروك والمتعاونين معه، في هذه المغامرة المسرحية السينمائية، في تحضيراتهم، على نموذجين كخط أساسي، وهذا ما يؤكده جان كلود كاريير، قائلا: هناك أربعة إعدادات، لأنه لا بد من إضافة ميريميه، وبيزيه، ومالهليك، وهاليفي، وماريوس كونستان، وبيتر بروك وأنا. أي ستة معدين لمؤلف أصلي هو ميريميه، لأن كل شيء قد أتى ونبع من قصته. فهو الذي موضع تاريخ الحدث في اسبانيا، عام 1832.
* قصة كارمن
– دون جوزيه، عريف من مدينة أشبيليه.
– تأتي ميكائيلا، حبيبة طفولته من قريتهم، وهي تحمل معها له أخبارا من أمه.
– تأتي غجرية، وترمي زهرة نحو العريف دون جوزيه، وتغني له أغنية الحب.
– تنشب معركة بين الغجرية (كارمن) وميكائيلا، تنتهي بجرح هذه الأخيرة في وجهها,
– يأمر الضابط العريف دون جوزيه بقيادة كارمن إلى السجن.
– في طريقهما إلى السجن، كارمن تغوي دون جوزيه، فيتركها تهرب من السجن.
– دون جوزيه يقضي بعض الوقت في السجن، وعندما يخرج يذهب للالتحاق بكارمن في إحدى الحانات، حيث يجد الضابط هناك، فيقتله ويخفي الجثة.
– في هذه الأثناء، يأتي مصارع ثيران شهير يقع في حب كارمن، ويدعى إسكامليو.
– دون جوزيه يغني لكارمن تعبيرا عن حبه لها، في حفل سري لوحدهم.
– ثم يأتي فجأة، كارسيا، رجل كارمن.
– دون جوزيه، يخرج لقتله، فيقتله.
– كارمن تقرأ في حكايته قدرا تراجيديا.
– ميكائيلا تعبر عن قلقها.
– كارمن تصبح من الآن فصاعدا عشيقة مصارع الثيران إسكامليو.
– دون جوزيه يعود لاقناع كارمن بالرحيل معه.
– كارمن ترفض وتقول له بأنها لم تعد تحبه.
– دون جوزيه يصر.
– كارمن ترفض بشده.
– إسكامليو، مصارع الثيران يقتل أثناء مصارعته لثور في حلبة مصارعة الثيران.
– كارمن ترفض دائما مرافقة دون جوزيه في رحيله.
– دون جوزيه، يفقدها حياتها، فتموت.15
وعندما نقارن القصة التي نشرت في كتيب برنامج المسرحية الذي وزع على الجمهور قبل العرض في مسرح البوف دي نورد، مع أحداث أوبرا-كوميك وقصة ميريميه، نكتشف أن كارمن بيتر بروك تنتمي إلى طبيعة أخرى. علاوة على ذلك، إن العمل الذي قام به بروك ومعاونوه لا يقتصر على تخفيض بسيط لقصة كارمن ولا هو بملخص لكارمن جورج بيزيه، مثلما وصفه بعض النقاد، لأنه لم يكن بالعمل السهل والبسيط الغاية منه الاستهلاك السريع. لهذا، علينا، أولا وقبل كل شيء، أن نقرّ بأن (تراجيديا كارمن) ليست بخلاصة ولا هي مجرد استعارة لموضوع قصة كارمن ميريميه وتقنياتها السردية، بقدر ما هي محاولة لإحياء وتقديم عمل فني حقيقي لميريميه، من خلال فن الإعداد الذي هو هدم وبناء وولادة. وهذا بحد ذاته، ما يجعلنا نعثر على بعض الاختلافات والتشابهات النسبية في هيكلة الأحداث وتسلسلها التاريخي والسردي بين قصة ميريميه وعمل بيتر بروك، خصوصا وأن هذا الأخير، قد قام، في بادئ الأمر، بعمل مسرحية تنتمي إلى الكوميدي ميوزيكال، استنادا إلى أوبرا –كوميك لجورج بيزيه، قبل تحويلها إلى فيلم. وهذا يعني أن عمل بروك أبعد ما يكون عن مجرد إعادة صياغة لقصة، لا سيما أنه قد أعاد هيكلة الأحداث والشخصيات وابتعد كل البعد عن السرد الوصفي للقصة، مما جعل من (تراجيديا كارمن)، تكون أكثر قربا من الأوبرا-كوميك منها إلى قصة ميريميه، ذلك لأن بناءها إلى حد كبير هو نفسه بناء أوبرا-كوميك لجورج بيزيه: أربعة فصول متصلة بالفواصل الموسيقية.
أخذ بروك من القصة بقدر ما أخذ من أوبرا-كوميك، وهذا ما يطالعنا به نص الحكاية الذي نشر في برنامج العرض: (دون جوزيه، عريف من مدينة اشبيلية)، مثلما أخذ بالمقابل، المفاصل الكبيرة لأحداث عمل جورج بزيه: وصول ميكائيلا حبيبة طفولة دون جوزيه، تواطؤ دون جوزيه في هروب كارمن من السجن، وجمع شملهما في الفندق، ومشهد الحكاية التي تقرأ فيه كارمن طالعها المأساوي، وعلاقة كارمن بمصارع الثيران إسكامليو، وموتها في النهاية.
لقد حاول بيتر بروك، بشكل عام، المحافظة على جميع الأحداث، على الرغم، من التغيرات والتعديلات، التي قام بها واغفاله للكثير من التفاصيل التي لم يجدها ضرورية لرؤيته المسرحية/ السينمائية. لأن المهم بالنسبة له، هو أن النموذجين – القصة والأوبرا-كوميك- المرجعين الأصليين اللذين يختلفان في الأسلوب والهيكل يعالجان نفس الموضوع.
ففي أوبرا-كوميك، على سبيل المثال، توجد اثنتا عشرة شخصية: دون جوزيه، إسكامليو، لوغومندور، زينغا، ليلياس باستيا، شخصية الدليل، كارمن، ميكائيلا، فراز كيتا، مسيدي. في حين أن في تراجيديا كارمن توجد سبع شخصيات فقط: كارمن، دون جوزيه، ميكائيلا، إسكامليو، زينغا، كارسيا، وليلياس باستيا.
وهذا يعني، ان بروك قد احتفظ بالشخصيات الرئيسية فقط من أوبرا-كوميك. إن هذا التقليص في العدد انطوى في شكله ومضمونه على تركيز شديد في العلاقات بين الشخصيات. إنها أصبحت، أكثر تجريدا ووضوحا، إن صح التعبير، وصار من اليسير متابعة الحبكة، وإن الحالات والمواقف أصبحت أكثر عجالة وخالية من التمطيط والتمديد اللاطائل من ورائه، مما جعل الشخصيات تبدو أساسية وضرورية وفي قلب الحدث. أي أن بروك قلص الشخصيات من اثنتي عشرة إلى سبع ولكنه، في ذات الوقت، أضاف أحداثا لم تكن موجودة في أوبرا-كوميك، ولكنها موجودة في قصة ميريميه. ولو نأخذ، على سبيل المثال، المشهد الذي يذهب فيه (دون جوزيه) للالتحاق بـ(كارمن) بعد خروجه من السجن، في( تراجيديا كارمن): (إنه يذهب هناك، فيجد أمامه الضابط الذي أمر بإلقائه في السجن، فيقتله). إن هذا الموت أو عملية القتل غير موجودة في أوبرا-كوميك، في حين أن ميريميه يشير إليها في القصة16. وإن مشهد الشجار في أوبرا- كوميك بين دون جوزيه وزينغا، سرعان ما يتوقف بسبب ظهور المهربين على المسرح بعد أن تنادي عليهم كارمن، في حين أن في تراجيديا كارمن، قد تم إزالة دور المهربين من أجل جعل وقوع فعل القتل ممكنا، وهذا مما أضاف بلا شك بعدا دراميا للمأساة أكثر مما هو في عمل جورج بيزيه. إن هذا المثال، يكشف لنا عن الكثافة الدرامية التي تحيط بأبطال تراجيديا كارمن، بحيث نرى في هذه الأخيرة، على سبيل المثال أن شخصية دون جوزيه التي يفترض أن تمثل القانون لكونه رقيبا، تأخذ شيئا فشيئا طابعا إجراميا، لدرجة أن تصبح في نهاية المطاف خارجة عن القانون. وقد منح هذا التغيير لطبيعة دور جوزيه بعدا مأساويا جعلها تبدو وكأنها شخصية شكسبيرية تقترف فعل الموت الواحد بعد الآخر بفعل الاضطرار والتورط. أما التغير الثاني والأساسي على مستوى توزيع الأدوار، هو حذف الجوقة وأدوارها المتعددة والمختلفة. إن الجوقة مثلما تطالعنا به أوبرا- كوميك لجورج بيزيه تمارس عدة وظائف. فهي يمكن أن تكون موجودة للزينة البحتة فقط، من غير أن تتدخل في الفعل أو تحاول التعليق عليه. وهي موجودة من البداية حتى النهاية. ويمكن أن نلاحظ وجودها في بداية العمل من خلال المشهد رقم (2)، ونشاهدها أيضا من خلال جوقة صانعي السجائر في الفصل الأول، مشهد رقم (4)، مثلما تظهر في لحظات أخرى، لكي تمارس وظيفة سردية بتعليقها على الحدث (جوقة صانعي السجائر في الفصل الأول مشهد رقم (8)، وكذلك جوقة مصارعة الثيران، في الفصل الرابع مشهد رقم (26)، والجوقة النهائية في مشهد رقم (27) من الفصل الرابع والأخير. وبغض النظر عن هذه الوظائف، فإن الجوقة في كارمن جورج بيزيه تمثل عدة شرائح اجتماعية ومهنية مختلفة ومتعددة: جوقة الجنود، صانعي السجائر، المهربين والتجار، ومتفرجين على مصارعة الثيران. ومع ذلك فإن بيتر بروك قد حذف الجوقة وأدوارها من تراجيديا كارمن، بهدف إحياء عمل غنائي في شروط مختلفة، وخلق نوع من العلاقة المسرحية التي تستند على تكثيف الفعل، وواقعيته الشعرية، والعلاقة الحميمة في المسرح الحي. إن هذه التغيرات جميعها تصب في رغبة بيتر بروك الحالية بالاشتغال على بعض التفاصيل الصغيرة والمهمة، وتكوين الفعل المتماسك وتقديم أحداث درامية مليئة بالإثارة والتشويق والمتعة الضرورية، وإقامة علاقة مباشرة مع المشاهدين والابتعاد قدر ما يمكن عما هو شامل وعام قادر على زرع الترهل والضجر والغموض في العمل.
نلاحظ، على سبيل المثال، في كارمن جورج بيزيه أن دخول كارمن إلى المسرح يسبقه تحضير من قبل الجوقة التي تقدم وتعلن عن وصولها (الفصل الأول مشهد رقم (4،5)، في حين أنها تدخل في تراجيديا كارمن لبروك بطريقة مباشرة، مثل الجوقة، مثلها في ذلك، مثل اللقطة الأولى من الفيلم، حيث نشاهدها وهي تقوم بالتحضير للقاء دون جوزيه بصديقة طفولته ميكائيلا، نراها قبل وصول هذه الأخيرة، وهي تنخرط في ممارسة طقوس السحر ومراقبة تحركات الذهاب والإياب لدون جوزيه قبل أن يتوارى في الثكنة ووصول ميكائيلا بقليل. إن التغيرات التي أجراها بروك ومعاونيه على تسلسل الأحداث التاريخية سواء الموجودة في أوبرا-كوميك أو قصة ميريميه مختلفة ومتعددة. وهذا ما يؤكده بشكل واضح انعكاس الوقت في لحظتين: في لحظة وصول مصارع الثيران الشهير إسكامليو الذي يقع في حب كارمن، فيتعرض له دون جوزيه محاولا إثارته، فيدخلان في شجار، تفرق بينهما كارمن، فينسحب مصارع الثيران إسكامليو. وهنا يجمع بروك في مشهد واحد، عدة مشاهد من الفصل الثاني والثالث (الفصل الثاني، مشهد 13، 14، وفي الفصل الثالث، مشهد 23، 24). وبهذه الطريقة من الاختصار والتكثيف يتعامل بروك مع العلاقة الثلاثية(كارمن، دون جوزيه، إسكامليو) دفعة واحدة ومن غير انقطاع . إن هذا المثال هو أيضا يشير ويصب في عملية التركيز الذي حاول أن يؤسسها بشكل جمالي في عمله. لا سيما أن هذا التغير يعتبر كبيرا ومؤثرا وله دلالات في ديناميكية تراجيديا كارمن، وخلق مناخا جديدا أعطى للأحداث طبيعة خاصة تختلف عن طبيعة عمل جورج بيزيه وقصة ميريميه، التي لم يهملها، على الرغم من استناده بشكل كبير على أحداث أوبرا- كوميك.
1 – ما هي السينما ، اندري بازان، دار نشر CERF، 1976 فرنسا، صفحة 6.
2 – نفس المصدر السابق، صفحة 12.
3 – Peter Brook, Points de suspension, édition Seuil, Paris,1987,P 270.
4 – ما هي السينما، اندري بازان، صفحة 27.
5 – Anne Ubersfeld, Lire le théâtre, édition sociale, Paris, 1977, P.13.
6 – Le Théâtre des Bouffes du Nord reprend les Fragments de Beckett adaptés par Peter Brook et Marie-Hélène Estienne du 6 au 24 janvier 2015.
7 – La tragédie de Carmen, Petre Brook, paris , Editeur Salabert, 1993.
– جورج بيزيه، مؤلف موسيقي فرنسي ولد في القرن التسع عشر في باريس ،25 أكتوبر 1838، وتوفي في 3 حزيران 1875، وهو مؤلف موسيقي لأشهر أوبرا فرنسية في العالم (اوبرا كارمن).
– ولد – في باريس 21 فبراير 1831، حيث توفي 6 يوليو 1897، وهو كاتب مسرحي وواضع كلمات للاوبريتات، والأوبرا الفرنسية.
– – بروسبير ميريميه، ولد في باريس في 28 سبتمبر1803، وتوفي في مدينة كان الفرنسية في عام 1870 وهو كاتب ومؤرخ وعالم آثار فرنسي.
12 مجلة العالمين، مجلة فرنسيةـ -تأسست في عام 1829 من قبل فرانسيس بلوز ، وتعتبر اليوم أقدم مجلة في أوروبا .
13 – كارمن، بروسبير ميريميه، (الأدب الكلاسيكي)،دار نشر فلاماريون، عام 01/01/1999,
14- جورج بيزيه، لودفيك هاليفي، هنري مالهايك، (كارمن)، باريس، مجلة مقدمة المسرح، عدد خاص بالأوبرا، شهر مارس-ابريل، 1980، عدد 26. 66.
15 – إن هذا النص موجود في كتيب برنامج العرض الذي وزع على المتفرجين قبل العرض، بالإضافة الى الحوارات التي ادلى بها معد العمل جان كلود ماغيير.
16 – جورج بيزيه، لودفيك هاليفي، هنري مالهايك، (كارمن)، باريس، مجلة مقدمة المسرح، عدد خاص بالأوبرا، شهر مارس-ابريل، 1980، عدد 26. 66.
محمد سيف *