"1" المدينة"
طلعت حرب، الميدان والتمثال، بائع الكتب في الزاوية يبيع الكتب والكتاب،الجندي مشغول بدفتر المخالفات لسائقي التاكسي فقط، يكتب نصف الرقم ويكمل الباقي من عنده. والجندي الآخر يبتلع ذيل شهقته مما يراه في السيارات الفارهة.
وحده يعبر الميدان غير عابيء بالمخالفات. ولا الهبات التي يقذفها احدهم للجنود تكفيرا عن الذنوب القادمة.
يمر كل يوم في ظهيرة تعوي، يغمغم بحدة. يرفع صوته احيانا في انكسار.
يقولون إنه يهذي.
يجرجر علم امريكا من طرف والنجوم في الطرف الآخر على الارض ملتاثة، يقولون إنه يهذي فجأة صرخ (جعان ياولاد الكلب.جعاااان ).
نفضت جنوني. اقتربت منه -أعطيته جنيها – ليس للامتنان وقت. اقترب أحدهم مد يده بجنيه آخر، مجنون أيضا.. أشار بيده أنه اكتفى، ابتعد خطوات، نطر الى التمثال. وابتسم في سخرية.
"2"مدينة أخرى
في يوم آخر كان يحمل علم مدينته. لم يسأل أحدا. لم يعطه أحد.افترش قاعدة التمثال. حاول جندي المخالفات إبعاده، تسلق كتفية،وزرع العلم فى جبهة الحجر. قالوا إنه يهذي.
"3" المدينة الأخرى
في اليوم الآخر، صنع من العلم الامريكي قميصا ومن علم مدينته شورتا. لم يعطه أحد. لم يقل أحد إن المدينة تهذي.
شاى مر
أفلتت نسمة من قبضة اغنياء. صفقت جدار الفندق العتيق ربما لتذكره بعلاقة غرام قديمة. وهبطت – تتأسى – على رواد مقهى للمثقفين. والصعاليك أحيانا.
حطه البحر أمامي. أطلق اصواتا عرجاء بما يكفي لتنبيهي. مد ذراعيه جانبا. أخفض اليمنى, ازاح ماسح الأحذية ثنية البنطلون اليسرى, مر على الحذاء, بالأسفنجة المزعومة، ودق جرس علبته الخشبية الذي نزعه من إحدى الدراجات. مر النادل على عجل، ووضع باقي الحساب أسفل كوب الشاي المر. مازال صاحبنا يطلق تحذيراته، اشار باليسرى الى صبي على مقربة، – وأخفضها – تأرجح الصبي على يديه ورجليه في حركة دائرية حتى نهاية المقهى وعاد على نفس الوتيرة فرك صاحبنا يديه. استخف البلاهة في وجهي. مد يده. وشد النقود من أسفل كوب الشاي…. خلعت حذائي. وتأرجحت على يدي وقدمي حتى نهاية المقهى.
مضاف ,ومضاف إليه
الامر إذن يحتاج لجنازة تليق بدموعنا. لا يعنيني الفقيد لذاته، في جنازة كلب السيد يتقافزون. وفي جنازته – إن حضروا – يتنابحون.
في الطريق الى المستشفى كادت تنهرني – لولا يشق عليها –
لأنني لا أملك هاتفا نقالا تحدث به صديقاتها حتى لا تفوتهن فرصة المشاركة في الجنازة. قال الطببيب في مستشفى الكلب وهي تتساند على المشكلة الآن ليست في وفاة زغلول، علينا أن نعجل بفحص كرنبة خوفا من انتقال العدوى اليها. زغلول لم يكن يترك قطة في غنجها، يقذف شباكه، تدللت عليه كثيرا. خمشها بأظافره. هل تحتاج ممارسة الحب أحيانا للشدة ؟ أدماها، وأدمى قلبها.
مات شهيدا. قلت، وأنا أعض على شفتي من الداخل خشية أن تنخرط سخريتي.
قالت بعصبية، لا، من حب فعف فشف.
كانت ستلبي ولعه – لولا تعجله – دائما الرجال متعجلون، لا يستطيعون أن يصبروا على تمنع امرأة.
لم أشأ القول بأنه دفع حياته ثمن تهوره.
الحي أبقى من الميت، قلت لها في خشية، خوفا من ثورتها المعتادة حين أذكرها بأن هناك من البشر من يستحق الرعاية بجانب القطط. تضع ترمومتر علاقتنا بمدى اهتمامي بهم. كان أهلها قد التمنوني عليها قبل سفرهم. ظللت أعودها الى أن تولد بيننا هذا الاحساس الواقف في منطقة ما بين الصداقة والحب. وقفت خيانة صديقها القديم، حاجزا بينها وبين البحر.
عل عجل اندفعت لأنقذ كرنبة، وأهاتف الصديقات. ولكن كالعادة المصائب لا تأتي فرادى، ماتت كرتبة، كيف يعيش العالم من دون الأنثى؟!
مات زغلول. وقتلها. يا لتوحش الذكر الذي لا يجيد لعبة الحب فينهي العالم وينتهي معه.
جنازة لا تليق بالأعزاء. أنا وهي، وصديقتان، فقط حاولت أن أفهمها أن أربعة أيضا كانوا في جنازة موتسارت. هكذا العظماء، كادت تطردني لولا مهابة الموقف تقدمت الجنازة في منطقة ليست بعيدة عن مسكنها. حتى لا تشق علينا الزيارة فيما بعد (كان هذا اقتراحي).
كانت المداولات على أشدها بالا ندفنهما معا. القاتل والقتيل. قالت أحدى الصديقات. لم يقتلها، لقد أحبها مع سبق الاصرار والترصد. وانتهينا الى أن نفصل بينهما بقالب طوب فقط.حتى تستطيع كرنبة أن تستمتع بالعذاب الذي سيحيق بزغلول، قالت الأخرى ربما تسامحه. فلتكن قريبة منه.
حفرت المقبرة. ووضعت الأعزاء، الريحان وأزهار الليمون لكرنبة فقط. وشاهدا من الطوب، الى أن نجهز أخر من الرخام.
قلت. كان زغلول سينتحر حزنا وصمتا. الحمد لله أن ماتا معا. سوف يصالحها في العالم الآخر، كيف يحتمل العالم دون أنثى يحبها.
صفعتني بالنعش. تركتني والصديقات. لم نبتئس لحالها. في الطريق الى بيتها ستصادف كثيرا من الحيوانات.
وحيد الطويلة (قاص من مصر)