(1)
حين ذابت الشمس في النهر المقدس
التفت الي وقال :
حين تذوي الحروف القديمة على لساني
فإن حروفا جديدة منعشة
تنبثق في القلب
لتتكلم عن العسل
والحب المليء بالجمر
وحين تضيع آثار المسافرين المنهكين
فإن أرضا جديدة تبزغ للتو
لتملأ العين التي اغرورقت بالدموع
لتملأها بنور الفجر.
(2)
كان يوما غامضا
ذلك الذي زرتني فيه
ووسمت بعض لحظاتي بميسم الذهب
وهأنذا حين أفلس من المعنى
أجلس لأذر رماد حياتي
فتبزغ بعض اللحظات الذهبية
تلك التي وسمتها بميسمك
وأنت مسرع
كملاك يقفز من نجمة الى نجمة
(3)
حين رحل الجميع
صوب الجسد
ورنين الجسد
بقينا، أنا وأنت، جالسين
قرب ضفاف الغانج والفرات
نلعب بالمعنى وقصائد الألوان والفراشات
نلعب بحبات الدموع
نلعب برموز الوهم حتى داهمنا المساء
وألقى القبض علينا
بتهمة تسول المعجزات
عند ضفاف الأنهار المقدسة
بتهمة انتظار من لا يجيء أبدا.
(4)
ربما وشيت بنا لحيتك البيضاء
أيها المعلم
فأصحاب البنادق السريعة
والكروش المندلقة
يكرهون اللحى.
ربما وشيت بنا قصائدك الكبرى
لأنهم لا يحبون الشعر
ربما وشيت بنا طفولتي الممزقة
وفراتي الأبكم العظيم
وحروفي: حروف النقطة والهلال
ربما لأنهم يكرهون الهلال.
(5)
وهناك في الظلمة كتبت:
اللذة أكذوبة واللذة خلاص،
الليل شموع والليل عبث،
المعنى لا معنى له
واللامعني مليء بالمعاني العظام.
فارتبكت وقلت:
أيها المعنى . .
يا صاحب الربيع والطفولة
يا صاحب العصفور والغراب
يا صاحب الديك والأفعى
يا صاحب الفجر والموت والرماد
يا صاحب اللصوص والمجانين والأنبياء
لنرجع إلى ضفاف الأنهار المقدسة
دعنا نرجع إلى الماضي.
قلت: هيهات
فالتاء ممتدة كقبر
والهاء أسطورة من لحم ودم.
(6)
ثم قال المعلم بعد صمت عظيم:
ارجع إلى الحروف
والعب معها كطفل
انتظرها كما ينتظر المتسول قطعة الذهب
وامش في أرضها كالحمامة
وراقصها كما يفعل العندليب.
ارجع إلى الحروف
واجعل الشين شمسا وشوقا
والباء بابا،
اجعل الدال دربا
والجيم جوعا
والحاء حاء الحقيقة
واجعل النقطة سري وسرك.
أديب كمال الدين (شاعر من العراق)