منفضة كبرى,
هذي الأرض لحرق الغابات الخرساء
مكب لعظام التابوت
وإن شئت , دريئة من يتقن تصويب القوس
على أرنبة الآبار ,
وزيت الأحجار ,
وعرق الأنهار .
هي الأرض لمن يفلحها بالسيف ,
وألعاب الغولف ,
وأضواء الشيطان .
لها زنار من لهب الحور ,
وحليب من عري الحلمات لتسلية الأموات
– إذا عاشوا –
والأرض سداسية موتي,
ضاحية لبني إسرائيل,
ومدخل أبرهة الفيل.
معلقة من مسك دمي,
تتدلى من تاج أباطرة الفولاذ ,
من القذلات المعقوصة في فود الفرس ,
إلى مفرق أطراس الرومان .
وهذي الأرض ضحية درب التبانات ,
نثار النجمة حين تخر ,
ونصل الرعدة في الأفلاك.
***
ثمة من يلثغ بالحربة
يذبح طلع الطين بإرث الأسلاف ,
يرد بمقصلة النابا لم على بقعة ضوء
ترغب أن تصبح شمسا .
ما يجري تصحيح للأخطاء الكبرى,
وإعادة تفسير المتبجح بكتاب الوعد الصافي.
– ليس بوسع سجين ,
أو ألف شهيد ,
وثلاثين حصارا
أن يبتدعوا للقارئ فهرسة أخرى غير القوة –
وضجيج عال ..
عال في كل الأدغال ,
لكي يتخلى السبع عن الناب ,
أو الأيل عن العطر ,
وأن يتخلى طاووس الحقل عن الحبق المنثور.
والداعي للصلوات على جدران براقي
يتوضأ برياح النحل ,
ويأكل لحم الصورة حيا في بيتي.
فاكتب بالحبر الم طفأ سريالية هذي الدعوات
– في دنيا الأموات –
أو فانشر بعض شظاياك هنا … وهنا … وهناك.
***
تتقصف ظلمات القدم على ريح الفتيان ..
وعلى مسرحها الأخضر,
ثلج وصبابات الكرة النارية ..
أهتف فيها:
يا خارطة السيل انتصبي
في سبحة هذا الصبح
إلى صدر الفرس المحمومة في ظل البحر ,
انتفضي مثل شآبيب سعير الجمر ..
ويا قابض هذا الخشب الملتاع على أقفاص الصدر
اصبر
حتى ترتفع قصيدتك العصماء.
***
محمول تحت سفينة جرحي
يتداعى ذاك الهاتف من شق الباب , ينادي:
يا راقص هذا الفالس
امسح قبلتك المنفية
كي تلهث في الغزلان
وقطعان حمار الوحش ..
في منفى غرغرة العائد.
***
تكبر هذي الغابة بالفيل ,
وقارع أجراس المهد ,
وبوذا,
وإشارات القديسين ..
أتعبني هذا الصمت الثر,
وأضواء مدينتك العمياء.
لم يكن الجد السابق يحرث أرض التبر
فكيف سيحمي قامات القمح ?
… وكم جفت آبار الرمان
على صدر الحي الغربي
من البلد الشرقي ?
وهذي النار;
بعض أصابعك المغموسة بنبيذ الأرض,
خرجت من أثواب الشمس ,
وجاءت لغروب الليل ,
وأقمار الصبح ;
ارتبك رماد الألوان أمام السوط …
فانتبه السيد لعلو العبد كتمثال الأندلس الأبيض !!.
***
غرناطة ;
تلد ملايين البلدان على موسيقى سيارات الجاكوار
إلى الصحراء المسلوبة زيت الأحياء .
غرناطة دون يدين;
ذهبت تحمل خبز صباياها,
وارتفعت حتى وصلت بؤبؤ ليلتها,
فانهار على صفحة شاعرها حبر الأنواء ;
ما زال يسيل
– ويرفض أن يتخثر –
مثل حليب الش اء القادمة من الوحي,
أو نخلة من ولدت تحت حجارتها في المعبد.
***
.. وهوى بالمطرقة على السيدة
(مباركة أنت بين النساء)
فشج رخام الخدين,
وحطم هالتها الخيلاء ..
وثانية , أفرغ باغته في صدر التمثال ,
ودق ببسطار الحقد الأرض ..
لماذا ياجندي ?
أجاب :
نظرت , فلم أحتمل الزهو بوجه السيدة العذراء.
***
غرناطة .. غرناطة;
ساحات نقاط حمراء في ذهب الأذن ,
وراقصة من فولاذ الليل
تسن بمعصمها نجما من قصص الرهبان ,
حكايات الأخبار,
وبيع إماء البلد الآمن ..
ويطيب لها
أن تغسل كحل العينين بإثمد عرس الشهداء ,
فينشق زجاج الأرض عن السحر الغولي ,
وأيقونات من زيت المصلوب.
جاءت حافية في النصف الآخر من مركبها
وأشارت للكأس و للبحر ..
فصفق من في القاعة لفراغ النوم !
وعلى أبراج الحي الثاني;
زركشة زجاج معشوق,
وسنابل من زغب مسروق,
وحلي من لبن مهروق;
هذا بعض طعام الجان ,
وبعض الر يح المرسلة إلى ملك القدس سليمان,
وشموع من وجه الإنسان.
***
ترقص حول سؤال الومض ,
فيلبس حائطها برق الصورة ,
تجذبه بلسان يتواثب في شفتيها ..
قالت: هذا ماس السيف
وأفراس الضيف ,
ولم ا تعرفها خيمات الصعلوك
على القر وفي الصيف ,
فصاح على جلد الأفعى:
كيف ستأخذ ترياقي من جمرات الشهد
ولون الطيف?
***
تفتح نافذة من ورق البلوط,
يضحك طفل من صورة ألف امرأة
بالوادي الأبيض ..
تنزلق يداه على مهل كتاب مقلوب ,
يحكي قصة غابات الناي ,
وشباك أميرة لبلاب مرت بالخاطر
في أندلس الحي .
وتجيء الأعشاش الطائرة المرهونة
للثدي على العشب البري ;
حملت شهوتها لليمونة وشتاء البيت ,
وابتلت مثل الفروة في قاربها الميت .
صفق فيها صل المسك
ورمش من فهقات الزيت ,
لم تأخذ كامل وردته منه
– تعود أن تمضي رغوته فوق الأرصفة
إلى جزر من خوخ مائي
أو أسماك شقراء –
كانت مثل حليب يتهافت فوق الأضلاع ,
لكن سوسنها
يطبخ بسعال الدبابات
وفولاذ الجنزير
وساطور المذبوحين.
***
– ما اسمك ?
لم تلثغ …
– ما سر الأعياد بعينيك?
ظلت صامتة , لم يعرفها,
– فيما يشبه قوسا حجريا –
ولها أسماء الغزلان المعطوبة بسيوف قبيلتها.
– ما اسمك ?
– قارعة الأمسية المرة. غرغرة القتلى ..
وأغار كثيرا من بهجة جارتنا,
أو خضرة مئذنة الموهوبين.
وأكتب بالثلج على ندف القبة ,
آيات تناقض أيامي ..
وأبوح بنار وشتاء ,
لا تملك شفتاي ربيعا !
– ما اسمك أنت ?
بلد الشمس وسهم الليل
وزهر البرج وحرب النارنج
وسطر الخوف وأحلام المسجونين.
***
ورأى من كان يسير على الشارع
في الظلمات يدا
تلتف على كف يتشظى تحت الأحلام.
وتصحو البلدة ذات مساء
تهتف للكرة الأرضية :
يا نائمة في قلب الذئب .. صباح الموت!
فترد بأبخرة الصاروخ فقاعات الصابون المشوي
في فستان الناقة / كأس الكونياك / وألعاب السيرك.
… وسلاما من دادية حرب الأقوام
وعطر الأزلام
وحرق الأفلام …
وما عاد بمقدور الشاعر أن يصرخ.
***
تغريب هذا السمك البري
في ماء ضحل.
أو زبد ممزوج برموش الشمس ..
ليست في عينيه حياة
ليس له في هلع الموج رواق يوقظ قوقعة الطيف.
تغريب مثل العلب الموضوعة لعشاء القط
وفكر المأجورين
وأسمال بنات الليل.
تغريب مثل الشوك
ولا يترك شامته في القلب,
بل زرنيخا أو بعض زوان الحقل.
تغريب ممتقع الغمازات المحفورة بالقيد
وإزميل الغرباء.
تغريب مثل سراويل القرد الناطح في الأهواء.
***
يقفون ..
– أعني الشعراء القادة –
خلف المايك يلوبون,
وينتحب الذكر على أنثاه
فصفق جمهور الكولاج لغيب يحضر
في الصوت العالي
وأظافر منسم الحرباء ..
وانفتحت صفحات تثاقف كتاب حداثتنا
المغرومين بثوب هواء ..
لم يتبق سوى تصفيق الماء على الماء
وفي الماء إلى الماء.
***
وحش الغيم على مرأى نافذتي يلعب بحوافره ,
فيثير كآبة جدراني,
ويسيل العرق البارد من خزف الحيطان .
أنا في سحجة نومي المتقلب
أخرج منقش الذكرى لسهوب النعناع ,
فتأخذني للكوثر ساريتي .
ألعب بالنرد على ساحلها البض ,
وأشرب نحر السيقان .
وما تلبث أن تطرق بابي أسئلة الخبز ,
وأفراح الجيران .
أقوم لأشرب قهوتي الأخرى;
تدل قها زوجي بعد صلاة العصر ,
وتفرك كفيها قائلة : إن البحر صغير جدا ,
والدرس كبير مثل صراخ الأرملة البكر ..
فأخرج للنافذة ,
أرى وحش الغيم على مرأى من فنجاني,
يلهث نحوي ..
ينكسر الكأس , وينهرق الماء الأسود ..
أصحو, فأرى الغابة حولي.
***
تتلهى, امرأة , بالكأس ومنديل الإغراء , وعود الند
وتترك سكرها الحامض يأخذ منها
أعراف الخيل لترميه بعشق الصحراء ليأتيها
فهدا , يهتك غربال الكهف ,
ويرمي فيها ياقته الأبوية.
منذ الصف الأول قال لها:
هذا الكون له شمس أخرى, تشرق …
قالت :
في أحشاء قميصي ولد يشبه رمح أبيه ..
… وما أن وصلت هرم الكمثرى
حتى كان النمل على كفيها.
***
وانكسر الكأس وظل الماء.
***
ورد المجنونة دموي فوق جنين غراد,
واللحم طري مثل بنفسجة صلاة الفجر,
وبيوت مخيمنا ملأى بالرمان.
قالت : بقليل من فلفل بارود الأطفال ..
سنشعل رأس وحيد القرن ,
وطوطم صحراء الأفران ,
ونرفع قانا مثل البرج ..
جنين غراد;
تكشف زيف العرش
ولمعة قضبان النيشان.
***
الحاكم يعلك رمل المائدة !
هنا قصر أبيه الملك الأول,
وهنا قبر الجد ; موحد دولة شمس العرب
من الإصباح إلى الآصال ,
وهنا شاهد والدة أمير القصر,
الم شرفة بأزرار الورد على الصلصال ..
والحاكم ولد غر , أو ممسوس ,
أو مربوط , مثل كلاب الصيد ,
بكف التمثال الجنرال ..
والحاكم يكره دمنا »الإرهابي«
فنعم العم ونعم الجد ونعم الخال .
***
كانوا في الموت سواسية
كانوا زيت المحرقة الضارية
ولحمة داخوا في البلدان.
هنا يقف الإصبع متهما كرسي الشيخ :
لماذا كان الدفلى ماء للطوفان?
فأين مسدسك النبوي ?
وأين الأبواق الفرسان?
– خمس رصاصات في الصدغ الموسيقي ,
وما كان المختبئ سوى صيد سهل ,
مثل الدف , وموز أريحا, رخوا عسليا –
كانوا تجارا في زي البوليس!
– أعني أخوة يوسف –
تركوا بئر الماء , وقمح الخابية , وسرج الرهوان ..
وانشغلوا بسؤال الإبرة والشيطان
… وما زال الإصبع ينهض بالأسئلة ,
وما زال الطوفان , هنا …
أعني الطوفان!
أعني الطوفان..
المتوكل طه
شاعر من فلسطين رئيس بيت الشعر في رام الله