تحت ظلال شجرة اللوز
أعمدة النور في الشارع
المتوشحة بالسواد
تقدم المساء
وتبرز من خلال الضباب
خلف البشر المتعثرين في طريقهم
كالسكارى
كالممسوخين
مقاهي الرصيف توشك أن تكون خالية
حيث فئران الصحراء تلعب تحت الكراسي
والمقاعد
لاعقة النبيذ المسفوح
تحت كؤوس النبيذ المتأرجحة بين الأيدي
كأنها تشارك وجوه الناس المجهولة
الممثلة التي تجلس دائما الى مائدتها
تشرب من دم الشيطان الأحمر
بشفاهها المخملية
ورأسها المرفوع
وتفكر:
السلم يصعد الى الأعلى
من مقعده يقول الرجل العجوز مستسلما:
أخي وجدني
سبعة عشر عاما مرت بعدما أطلقتني أمي حرا الى العالم
لقد كان أخي الذي وجدني
سكرانا حتى الثمالة تحت شجرة لوز
وجر جسدي الضعيف
الى الأسرار
عبر السلالم
التي تؤدي الى أحواض السمك الزجاجية الخاسرة
وفي تلك الساعات التي أحسست فيها بشدة
معنى الدمار
عرفت فيها رائحة شجر اللوز أكثر مما عرفته من
قبل
ولم أحلم أبدا عن أكثر إحمرار من حقول
الخشخاش في كل حياتي
الآن أجلس هنا في الظل وأرى فئرانا تلحس أقدامي
المتعبة
أؤدي صلاة هادئة الى الله
كي يبارك هو أيضا المخلوق الضعيف .
لا أراك
أرصفة وشوارع الملعونين
كم هي مليئة بالوحدة ! وأنا أسير بلا هدف
جاهلا
صارخا
صدى أثره
جسدي يدور دورانا
مثلما في السيرك
او كأنني ملعقة شاي
أدور في الكوب
او انني في داخل العاصفة
التي تدور حول نفسها وتحطم أرجاء المدينة
بارقة ضوء
تمس وجهها
وشعرها يتماوج على وجهها
أنت التي تطيرين بخفة على قدميك
أنت التي تضحكين لي بفم كالليلك
أنت التي تلفين شال الكشمير
على كتفيك الأبيضين الناعمين كالمخمل
أنت التي انتظرتيني عندما كان حذائي وسخا
وشعري مبللا
أنا لا أراك
أتأرجح على أطراف أصابع قدمي
كوردة عباد شمس لا تعرف صبرا
مبكرا في شمس الربيع
أبحث عنك
جاهلا.
عندما أستيقظ في الليل
يتجول الأمل
يمر عبرنا
في الليل أنام
داخل الظلام والظلال
ردائي
بجانب خزانة الملابس
لم يعد يغريني الآن
ولا بالأمس
أفكر بتلك الأيام
عندما كان يلتف حول حزامي
أنت الذي تحرق بشرتي
الا ترى
أن الهلال جديد
وأنني انسانة
أشعر بالتعب
أغلق عيني
أمسح يومي من فوق خدي
أنظر الغبار والنهار
يتعلقان بتشبث
حول قدماي
أجلس هادئة
كطير في قفص
بهدوء أفكر بالحصان
الذي أرهق نفسه
في حقل الزيتون اليوم
هذا الحيوان يبدو عليه التعب
فكأنه يسحب ساقيه الخلفيتين وراءه
بطريقة غريبة
لقد تفحصت مجراه
فوجدت ما يثير العجب
فهذا الحيوان قادر على العناية بنفسه هنا
لكنه في شوارع الإسفلت سيهلك
وعيونه ستجري دموعا
البحر يتنهد
يتنفس بعمق
ويوافقني على هذا
فالأبد ظلال
والهلال لا يزال جديدا.
ترجمة: وليد الكبيسي (شاعر عربي يقيم في ألمانيا)