روبرت أتسون وستيوارت لينغ – كاتبان بريطانيان
ترجمة وتحرير: بدر بن خميس الظفري – مترجم عُماني
لقد كان اكتشاف النفط وإنتاجه العامل الأهم في إحداث التحول الجذري في السياسة والتنمية بعُمان خلال القرن العشرين. ومع ذلك، لم يكتسب النفط الأهمية ذاتها في السياسات البريطانية والهندية البريطانية في عُمان كما كان الحال في إيران والعراق، حيث تأخر الاهتمام العميق به في عُمان. فمنذ اللحظة التي أصبحت فيها البحرية الملكية البريطانية تعتمد على النفط بدلًا من الفحم في عام 1912، باتت مسألة تأمين إمدادات النفط تمثل هاجسًا استراتيجيًا محوريًا يحكم السياسات البريطانية. وحيثما أبدت شركة النفط الأنجلو-فارسية (التي أصبحت لاحقًا شركة “بريتش بتروليوم”) وشركاتها التابعة، أو شركة نفط العراق (التي كانت جزءًا منها)، اهتمامًا باستكشاف النفط في أي منطقة، كان ذلك كفيلًا بجعلها محط اهتمام سياسي لدى السلطات البريطانية. وقد بدأ هذا الاهتمام يظهر في عُمان في عشرينيات القرن الماضي، إلا أنه لم يتحول إلى عمل ميداني ملموس إلا بعد الحرب العالمية الثانية، بقيادة شركة “شل” اعتبارًا من عام 1960. ولم تبدأ الثروة النفطية بالتدفق فعليًا إلا في عام 1967.
ومن الجدير التنويه هنا إلى أن العلاقات العسكرية والسياسية البريطانية مع عُمان قبل عام 1970 كانت شبه استثنائيّة. ومع ذلك، فإن قصة النفط العُماني لا تقتصر على الشركات البريطانية وحدها، وبالتأكيد لم تقتصر على البريطانيين فقط. وفي الوقت ذاته، كانت مسيرة تطور صناعة النفط في عُمان، إلى جانب صناعات النفط في إمارات الساحل المتصالح ودولة قطر، جزءًا أساسيًا من جهود بريطانيا لتأكيد مصالحها في شبه الجزيرة العربية خلال العقود التي أعقبت انهيار السلطة العثمانية بنهاية الحرب العالمية الأولى. وقد قادت شركة نفط العراق هذه الجهود انطلاقًا من مقرها في لندن. وكان لشبكة المعاهدات التي أبرمتها بريطانيا مع إمارات الساحل المتصالح وعُمان في أواخر القرن التاسع عشر دور محوري في منح بريطانيا حقوقًا احتكارية للتحكم بالعلاقات الاقتصادية والسياسية الخارجية لتلك الدول. وقد واصلت الشركات البريطانية قيادة عملية تطوير صناعة النفط في هذه الدول، غير أن هذا الاحتكار بدأ يتعرض لضغوط كبيرة بداية من ثلاثينيات القرن العشرين نتيجة دخول شركات النفط الأمريكية التي كانت قد رسخت وجودها في السعودية.
وفي عُمان، استهلت الحكومة البريطانية خطواتها الاحترازية عبر إبرام اتفاقية في عام 1923 مع السلطان تيمور (وكذلك مع حكام خليجيين آخرين)، مُنحت بموجبها بريطانيا حقوقًا حصرية للتحكم في أنشطة استكشاف النفط ضمن أراضي السلطان. ويعد (ويليام نوكس دارسي) رائد المصالح النفطية البريطانية في منطقة الخليج، إذ تمكن بعد سلسلة من النجاحات والإخفاقات من اكتشاف كميات تجارية من النفط في جنوب إيران عام 1908. وقد جرى استثمار هذا الاكتشاف من خلال شركة النفط الأنجلو-فارسية. وعلى الرغم من وفاة دارسي في عام 1917، فقد احتفظت الشركة باسمه من خلال شركة الاستكشاف التابعة لها، “شركة دارسي للاستكشاف المحدودة”. وبموجب اتفاقية 1923 مع السلطان تيمور، أبرمت الشركة اتفاقًا آخر معه في عام 1925، حصلت بموجبه على ترخيص لاستكشاف النفط في عُمان لمدة عامين مع خيار التمديد لعامين إضافيين. وفي إطار هذا الاتفاق، أرسلت شركة دارسي خلال عامي 1925-1926 فريقًا بقيادة الجيولوجي الأيرلندي (جورج ليز)، الذي سبق له إجراء مسوحات في مناطق أخرى من الجزيرة العربية لصالح الشركة، لتنفيذ أول دراسة جادة لتقييم فرص اكتشاف النفط في عُمان.
كانت هذه الفترة ذروة التدخل البريطاني في شؤون السلطنة. فقد منحت اتفاقية عام 1923 الوكيل السياسي البريطاني حق النقض (الفيتو) بشأن المناطق التي يُسمح فيها بأعمال الاستكشاف. وقد رافق فريق دارسي خلال جزء من رحلتهم القبطان (إيكليس)، قائد قوات كشافة دولة مسقط، إلى جانب (بيرترام توماس)، الوزير البريطاني للمالية لدى السلطان. وقد سافروا على ظهور الجمال صعودًا على طول ساحل الباطنة، ثم عبروا جبال الحجر حتى وصلوا إلى نقطةٍ تمكنوا منها من إلقاء نظرة على جزء كبير من السهول الداخلية. لكن هذه المناطق كانت بمعظمها خاضعة لسيطرة الإمامة، وبالتالي كانت خارج نطاق نفوذ السلطان. وإلى الشمال والغرب من جبال الحجر، كانت هناك توترات قائمة بين الإمامة وقبائل الظاهرة، وهي قبائل لم تكن تدين بالولاء لا للسلطان ولا للإمام. كما أن قبائل الظاهرة كانت تتلقى لأول مرة منذ عام 1880 اهتمامًا مباشرًا من مبعوثين تابعين للسعوديين سعوا لاستمالتهم.
وقد قوبلت بعثة دارسي باستقبال متباين، إذ قام عيسى بن صالح، شيخ قبيلة الحارثي، بتوجيه تحذير رسمي مكتوب يفيد بأنه لن يكون قادرًا على ضبط رجال قبيلته في حال دخول البعثة إلى أراضيهم. كما لم يكن مسموحًا لفريق دارسي بدخول المناطق الخاضعة لسيطرة الإمامة. وعندما قام ليز وفريقه لاحقًا باستكشاف الساحل الممتد بين مسقط وظفار، نزلوا في الدقم، حيث واجهوا موقفًا من الرفض التام من قبل قبائل البدو في المنطقة. وقد وصف ليز ذلك بقوله: “لم يكن من الممكن وصف استقبالنا بالودي، ولم يبدِ أحد أي أسف عند مغادرتنا”. أما تقريره عن نتائج الاستكشاف فقد جاء، في أفضل الأحوال، متحفظًا. كان السلطان والسلطات البريطانية يأملون في أن يستكمل العمل بناءً على التقرير، غير أن شركة دارسي انتهت إلى تقييم متشائم للفرص النفطية المتاحة هناك، وهو ما أيده رئيس مجلس إدارتها السير (أرنولد ويلسون)، لتترك الاتفاقية على إثر ذلك تنقضي دون تجديد.
شركة نفط العراق وبدايات شركة تنمية نفط عُمان
لم تُسجَّل أي أنشطة جديدة في مجال استكشاف النفط في عُمان لمدة عقد كامل، وهي المدة التي كان السلطان سعيد قد رسّخ خلالها وجوده في مسقط، وأصبح عازمًا على تقليل اعتماده على بريطانيا، وخاصة في الجانب المالي. وفي تلك الأثناء، برزت شركة نفط العراق كأهم لاعب في شرقي الجزيرة العربية. وكانت هذه الشركة وريثة شركة النفط التركية التي أُنشئت عام 1912 لاستكشاف النفط في بلاد ما بين النهرين العثمانية آنذاك (العراق حاليًا). واعتبارًا من عام 1929، توزعت ملكية أسهم شركة نفط العراق بواقع 23.75% لكل من شركة النفط الأنجلو-فارسية، وشركة شل، وشركة النفط الفرنسية، وشركة تطوير الشرق الأدنى، وهي شركة تابعة لما أصبح لاحقًا “إسو” و”موبيل”. كما احتفظ (كالوس غولبنكيان)، الذي كان له دور محوري في تأسيس شركة النفط التركية الأصلية، بحصة تبلغ 5% عبر شركته “بارتكس”. وكان عنصرًا أساسيًا في ترتيبات شركة نفط العراق ما عُرف بـ”اتفاق الخط الأحمر”، الذي تعهد بموجبه الشركاء بعدم السعي للحصول على امتيازات نفطية بشكل فردي في شبه الجزيرة العربية. غير أن شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا)، التي لم تكن طرفًا في شركة نفط العراق، كانت أول من تحدّى هذا الاتفاق حين أبرمت اتفاقية مع ابن سعود في السعودية عام 1934.
ومع اكتشاف النفط بكميات تجارية في البحرين عام 1932، ازدادت حدة المنافسة في البحث عن النفط في الجزيرة العربية. وقد فضلت الحكومة البريطانية استخدام شركة امتيازات النفط المحدودة، وهي شركة تابعة لشركة نفط العراق أُنشئت خصيصًا لتولي مهمة الحصول على الامتيازات خارج العراق، للعمل في الدول الخليجية التي كانت بريطانيا قد وقّعت معها اتفاقيات نفطية حصرية خلال العقود السابقة. ونشطت شركة امتيازات النفط المحدودة في إمارات الساحل المتصالح خلال عامي 1935 و1936، قبل أن توجه اهتمامها نحو عُمان. وكان السلطان حريصًا على البدء في جني بعض العائدات من وراء عمليات استكشاف النفط. كان من الواضح بالفعل أن أفضل الفرص النفطية المحتملة تتركز غرب جبال الحجر، في مناطق الظاهرة وأراضي الإمامة. وفي ظل غياب أي قنوات تواصل بريطانية أو تابعة للشركة مع الإمام أو زعماء القبائل، رأت لندن، بعد تفكير، أن الاتفاق مع السلطان يشكل نقطة الانطلاق الضرورية. كما كان معلومًا أن “بعض أجزاء أراضي السلطان غير آمنة حاليًا للقيام بعمليات الاستكشاف”، لذا قُبلت وساطةُ السلطان وتقييمُه للوضع كشرط للسماح للشركة بدخول تلك المناطق متى رأى أنها آمنة.
وعلى هذا الأساس، تم التوصل في يونيو عام 1937 إلى اتفاق يمنح الشركة خيار امتياز لمدة 75 عامًا في كل من عُمان وظفار (التي كانت تُعد عمليًا إقطاعيةً شخصية للسلطان). وقد أُسندت هذه الامتيازات إلى شركة تنمية نفط (عُمان وظفار)، التابعة لشركة نفط العراق، لتتولى إدارتها في البداية لمدة خمس سنوات. وتزامن ذلك مع توقيع “اتفاقية سياسية” موازية بين الحكومة البريطانية وشركة نفط العراق، وضعت القواعد المنظمة للعمل، وكان على السلطان، على مضض، أن يؤكد اطلاعه عليها وموافقته عليها.
بعد تنفيذ بعض المسوحات الساحلية الأولية انطلاقًا من دبي في شتاء عام 1937-1938، أرسلت بعثة جيولوجية خلال عامي 1938-1939 إلى منطقة الظاهرة (دون التوغل في أراضي الإمامة). وعلى الرغم من محاولات السلطان لتمهيد الطريق أمام البعثة، فإن معظم القبائل ظلت مصممة على منع المستكشفين الأوروبيين من دخول أراضيها. وقد لخّص (ويلفريد ثيسجر) موقف هذه القبائل بعد نحو عقد من الزمن بقوله: “إن اكتشاف النفط… قد أثار طمع وشكوك القبائل المجاورة، وجعلهم أكثر غيرة على حقوقهم، وانخرطوا في دسائس تهدف إلى الحفاظ على مطالبهم الإقليمية أو توسيعها، وهم متفقون حاليًا فقط على سياسة طرد جميع الأوروبيين من أراضيهم”.
وقد تعرضت بعثة عام 1937 لهجوم أثناء محاولتها الوصول إلى عبري، واضطرت إلى تغيير مسارها شمالًا باتجاه البريمي، حيث التقت هناك ببعثة أخرى تابعة لشركة نفط العراق قادمة من أبوظبي. وكانت هناك آمال بإمكانية استئناف العمل بشكل أكثر تنظيمًا خلال عامي 1939 و1940، غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أوقف جميع الأنشطة. وقد مددت خيارات اتفاقية عام 1937 في عام 1944، وفعّلت الامتيازات رسميًا في العام ذاته، إلا أن العمل لم يُستأنف فعليًا حتى عام 1948.
كان السلطان متلهفًا لرؤية أي نشاط فعلي بموجب الاتفاقيات التي أبرمها. ومع ذلك، لم تكن عُمان أولوية بالنسبة لشركة نفط العراق، كما أن السلطات البريطانية استمرت في توجيه الشركة بعيدًا عن المناطق الخارجة عن سيطرة السلطان سعيد، والتي لم يمنح إذنًا صريحًا بالعمل فيها. أما ظفار، فكانت تمثل حالة مختلفة، حيث وافقت شركة نفط العراق على تنفيذ مسح جيولوجي هناك في يناير 1948. وقد تولى هذا المسح جيولوجيان هما (مايك مورتون) و(رينيه ويتزل)، حيث قاما برحلة استكشافية شاقة امتدت لنحو 600 كيلومتر على ظهور الجمال على مدار ستة أسابيع (بعد رحلة أطول وأكثر مشقة عبر حضرموت الشرقية استمرت ثلاثة أشهر). غير أن هذه الرحلة الاستكشافية الرائدة انتهت إلى طريق مسدود. فقد خلص الجيولوجيان إلى أنه “يمكن استبعاد ظفار كحقل نفطي محتمل”. وفي أعقاب ذلك، أنهت شركة نفط العراق امتيازها في ظفار رسميًا عام 1950، لتصبح الشركة المحلية المشغلة هي “تنمية نفط عُمان”.
كان هناك تفاعل بين المصالح الناشئة لشركة تنمية نفط عُمان واستراتيجية السلطان لاستعادة السيطرة على أراضي الإمامة. ففي عام 1947، بدا أن الشركة تتلقى مؤشرات من السلطان سعيد تفيد باستعداده للسماح لها ببدء العمل في المناطق الواقعة غرب جبال الحجر في الظاهرة، أي خارج نطاق سيطرة الإمام. وقد توهم ممثل الشركة (ديك بيرد)، وهو نفسه وكيل سياسي سابق في مسقط، أن السلطان أبلغ الوكيل السياسي الحالي بأنه يمكن للشركة التعامل مباشرة مع القبائل في المنطقة على مسؤوليتها الخاصة. وبالفعل، أبرم (بيرد) اتفاقيات مع عدة قبائل للحصول على تراخيص استكشاف لمدة ثلاث سنوات، مع خيار التمديد لعامين إضافيين.
لكن عند زيارة بيرد لاحقًا لمسقط، أبدى السلطان غضبًا شديدًا من هذه المفاوضات المباشرة، رغم أنه اعترف في نهاية المطاف أنها تمت بناءً على نصيحة الحكومة. ومع ذلك، أصر على أن تعترف القبائل بسلطته، وأن تنسق الشركة أعمالها من خلاله.
وفي فبراير 1949، انطلق بيرد مجددًا إلى البريمي برفقة ممثلين عن السلطان، ليجد الشيوخ في حالة من عدم التعاون، ما أدى إلى تمزيق اتفاقيات العام السابق، نتيجة لموقف السلطان. وتوقف بذلك نهج التفاوض المباشر مع زعماء قبائل الظاهرة، وإن كان قد أُعيد النظر فيه من وقت لآخر من قبل المسؤولين وشركة نفط العراق.
وفي الواقع، كان نفوذ السلطان في الظاهرة محدودًا للغاية في تلك الفترة. كما زادت التوترات في المنطقة اعتبارًا من عام 1949 بفعل المطالبات السعودية والتوغلات المستمرة، وهو ما دفع الحكومة البريطانية إلى حظر دخول الشركة للمناطق المتنازع عليها. ومع ذلك، لم تكن هذه التوجيهات بالبحث عن مناطق بديلة أمرًا غير مرحب به من جانب الشركة. ففي العام ذاته، لفتت رحلة استطلاعية جوية عرضية فوق منطقة فهود، الواقعة في الصحراء على بُعد 100 ميل جنوب غرب عبري، ضمن أراضي قبيلة الدروع البدوية وليس ضمن أراضي قبائل الظاهرة المستقرة، انتباه أحد كبار الجيولوجيين في شركة نفط العراق، واصفًا إياها بأنها “طيَّة جيولوجية محدبة رائعة”. ومنذ ذلك الحين، أصبحت فهود الهدف الرئيس للشركة كموقع للاستكشاف.
الانتقال إلى فهود
مرت خمس سنوات قبل أن يتسنى إجراء دراسة جادة لمنطقة فهود. فقد وافق السلطان لأول مرة في عام 1952 على السماح للشركة باستكشاف شريط من الساحل الجنوبي يمتد حتى مسافة 50 ميلًا إلى الداخل، مع اعتبار الدقم مركزًا لهذا النشاط. وشكلت “قوة ميدان مسقط وعُمان” بتمويل من الشركة لتوفير الحماية لأنشطتها. وبحلول الوقت الذي اكتملت فيه عملية تجنيد وتدريب هذه القوة، وتجهيز معدات الشركة، كان قد حل فبراير 1954 حين تحركت ثلاث سفن إنزال نحو الدقم قادمة من مسقط وعدن. وقد ضمت البعثة إلى جانب (إدوارد هندرسون) ومدير عام شركة نفط العراق، الجيولوجي (مايك مورتون)، الذي شارك سابقًا في المسح الرائد لظفار عام 1948. وقد حظيت البعثة هذه المرة باستقبال أكثر ودية في الدقم مقارنة بما لاقته بعثة ليز عام 1926.
وعلى الرغم من شعور الشركة بالإحباط بسبب القيود التي فرضها السلطان سعيد على أماكن عملهم، فقد تمكنت لأول مرة في عُـمان من تنفيذ أعمال المسح ورسم الخرائط بشكل منهجي، قبل أن تضطر إلى تقليص عملياتها مع بدء موسم الرياح الموسمية في المحيط الهندي في يونيو. وبحلول خريف 1954، أدى التقدم الذي تحقق في كسب دعم قبيلة الدروع، التي تقع فهود ضمن أراضيها، إلى فتح الطريق أمام تحقيق الهدف المنشود للشركة بالانتقال من الدقم عبر جدّة الحراسيس وصولًا إلى فهود. وقد أسهمت وفاة الإمام محمد الخليلي في مايو وانتخاب الإمام غالب خلفًا له في تهيئة الظروف التي مكّنت هذه الخطوة من أن تكون أيضًا منصة لتعزيز السلطان سعيد لسطوته في الداخل بشكل كبير خلال العام التالي. وقد جرت الرحلة الرائدة عبر جدّة الحراسيس في أكتوبر 1954، حيث استقر فريق الشركة في فهود، وشرع في مهمة تقييم الإمكانات الحقيقية للتركيب الجيولوجي هناك.
في ذلك الوقت، كانت الامتيازات الممنوحة لمساهمي شركة نفط العراق قائمة منذ سبعة عشر عامًا، إلا أنه لم يكن من الممكن تنفيذ أعمال استكشاف جادة، فضلًا عن الحفر، بسبب الأوضاع الداخلية المضطربة في المناطق التي كانت تُعدّ الأوفر حظًا من الناحية النفطية. إلا أن الأمور باتت مرشحة للتغير، وإن استغرق الأمر سبع سنوات أخرى قبل اكتشاف النفط بكميات تجارية. وبعد فترة وجيزة من الاندفاع نحو فهود، زار ستيفن جيبسون، المدير العام لشركة نفط العراق، المخيم الذي أنشئ حديثًا لتقييم الإمكانيات بنفسه. وقد أبدى جميع المعنيين حماسًا كبيرًا حيال الآفاق الواعدة. واتخذ قرارًا مبدئيًا بالمضي قدمًا في الحفر، شريطة توافر بعض الشروط الجيولوجية. ولعلها كانت من المرات الأخيرة في تاريخ صناعة النفط التي يتخذ فيها قرار الحفر اعتمادًا فقط على البيانات السطحية دون اللجوء إلى اختبارات زلزالية.
واستغرق الأمر عامًا كاملًا للوصول إلى مرحلة “بدء الحفر” لأول بئر. وخلال عام 1955، بدأت أعمال المسح في مواقع أخرى أيضًا، غير أن التحضيرات استغرقت وقتًا طويلًا، ويرجع ذلك في معظمه إلى صعوبة نقل المعدات الثقيلة إلى هذا الموقع النائي البعيد عن البحر، في ظل استمرار التوتر بين السلطان والإمام والقبائل المستقلة، وانعدام شبكة طرق. وقد تقرر نقل المعدات جوًا من دولة قطر باستخدام طائرة شحن تجريبية من طراز “بلاكبيرن يونيفرسال فريتر”، التي أصبحت لاحقًا طائرة الشحن العسكرية “بيفرلي” التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني.
سياسيًا، واصل السلطان التحرك بحذر خلال عام 1955، مستمرًا في كسب ولاء شيوخ الظاهرة، وهي عملية ساعد فيها استياء القبائل من السياسات الراديكالية العلنية التي انتهجها الإمام الجديد وشقيقه طالب. غير أن التحول الحاسم في موازين القوى داخل عُمان جاء إثر انهيار مفاوضات التحكيم حول البريمي في جنيف بين بريطانيا والسعودية في أكتوبر 1955، وما أعقبه من طرد سريع للوفد السعودي وأنصارهم الرئيسيين من زعماء القبائل المحليين.
وبعد سيطرته على نزوى في ديسمبر 1954، شرع السلطان سعيد في جولته التاريخية التي انطلقت من ظفار مرورًا بداخل عُمان وصولًا إلى ساحل الباطنة ومسقط. وكانت المحطة الأولى لهذه الرحلة عبر الصحراء إلى فهود، حيث تفقد البرج القائم بالفعل استعدادًا لبدء الحفر بعد أسابيع قليلة، قبل أن يواصل طريقه ليقوم بدخول مظفر إلى نزوى.
بدأت أعمال الحفر في فهود في 18 يناير 1956. وقد وُصفت البئر الأولى “فهود-1” بأنها “أتعس وأسوأ بئر استكشافية في تاريخ نفط الشرق الأوسط”. فعلى الرغم من أن الموقع بدا مثاليًا ويحتوي على تكوين نفطي واعد، واجهت البئر مشكلات تقنية طوال عام 1956، قبل أن تصطدم بفالق صخري من الصخور الصلبة للغاية، ما حال دون التوغل العميق في التكوين الجيولوجي الذي ثبت لاحقًا أنه غني بالنفط. وفي مايو 1957، تقرر التخلي عن البئر. ولم تُحفر بئر ثانية “فهود-2” لاستكمال دراسة التكوين بشكل أعمق، على الرغم من اقتراحات قُدمت من الفرق الميدانية للحفر مجددًا على الجانب الآخر من خط الفالق. وتبين فيما بعد أن البئر كانت تبعد فقط 200 متر عن الموقع الذي عُثر فيه لاحقًا على النفط بكميات كبيرة. ولا يزال الأثر المحتمل لاكتشاف نفطي في عام 1957 أحد أبرز “الفرص الضائعة” في التاريخ الحديث لعُمان.
حفرت آبار أخرى في غابة هيماء خلال الفترة من 1958 إلى 1960، لكنها هي الأخرى لم تحقق نتائج ناجحة. وببطء شديد ومؤلم، بدأت البنية الأساسية الضرورية لتنفيذ عمليات أوسع نطاقًا تأخذ شكلها. وبعد انسحاب السعوديين من البريمي، أصبح من الممكن فتح طرق برية تصل من دبي. كما بدأت أعمال إنشاء مرافق مينائية على الساحل بالقرب من مسقط. وأسهم إنشاء طريق يربط مسقط عبر فج سمائل باتجاه إزكي ونزوى في إنهاء الاعتماد على الدقم كنقطة الإنزال الأساسية للشركة من البحر. ومع ذلك، ظلت تلك سنوات من الانقسام الداخلي في عُمان، حتى في مسقط ذاتها.
ورغم أن موازين القوى لم ترجح مجددًا لصالح الإمامة بعد عام 1955، إلا أن التدخل العسكري البريطاني بات ضروريًا في نزوى والجبل الأخضر في يونيو 1957، ولم يستتب الأمر إلا مع مطلع عام 1959، حين أُخرج المعارضون من حصونهم في أعالي الجبال. ومع ذلك، استمرت الحاجة لمرافقة قوافل الشركة بالحماية العسكرية، إذ تعرضت إحدى المركبات في عام 1959 للتفجير بواسطة لغم.
لقد كانت تلك سنوات مراجعة وتفكير داخل أروقة صناع القرار في شركة نفط العراق. ففي عام 1950، وبسبب استياء السلطان من انسحاب شركة تنمية نفط عُمان من امتياز ظفار، منح السلطان هذا الامتياز لعالم الآثار الأمريكي (وندل فيليبس)، الذي كان يعمل في ظفار دون أي خبرة سابقة في صناعة النفط. وقد استعان فيليبس بشركة “سيتيز سيرفيسز” لتنفيذ أعمال الاستكشاف، والتي آلت لاحقًا إلى شركة “جون ميكوم– بيور أويل”. وفي عام 1957، قام السلطان بشكل أحادي بإعادة ترسيم الحدود بين امتيازي عُمان وظفار، ومنح جزءًا من أراضي شركة تنمية نفط عُمان إلى شركة “فيليبس بتروليوم”. وقد أدى ذلك إلى توتر كبير في العلاقات بين السلطان وشركة تنمية نفط عمان.
وقد قام ممثل الشركة في مسقط، السير (ويليام ليندسي)، وهو قاضٍ سابق في السودان، بمحاولة اتصال مباشر مع فيليبس، الأمر الذي دفع السلطان إلى اعتباره شخصًا غير مرغوب فيه. وقد أنفقت الشركات الأمريكية أكثر من عقد من الزمن وملايين الدولارات في أعمال الحفر شمال صلالة وإلى الشمال الشرقي قرب مرمول، عند الحدود بين الامتيازين. وقد أنتجت الآبار المحفورة في مرمول خلال عامي 1957/1958 نفطًا، لكنه كان ثقيلًا للغاية بحيث لم يكن مجديًا تجاريًا. وفي نهاية المطاف، انسحبت شركة فيليبس في عام 1967، بعد أن أصبحت منشآتها وموظفوها أهدافًا متكررة خلال السنوات الأولى من حرب ظفار.
إعادة هيكلة شركة تنمية نفط عُمان وارتفاع دور شركة شل
أدت الظروف التي واجهها (ليندسي)، وحالة عدم اليقين الميدانية، وارتفاع التكاليف، وفشل الاكتشافات النفطية إلى إثارة تساؤلات جدية داخل شركة نفط العراق حول جدوى استمرار العمل، وهو ما أسفر في نهاية المطاف عن إعادة هيكلة جذرية لشركة تنمية نفط عُمان. وجاء ذلك في وقت كانت فيه أسعار النفط منخفضة، والعرض العالمي من النفط الرخيص وفيرًا، ما دفع العديد من الشركات إلى مراجعة العمليات التي بدت غير مجدية اقتصاديًا. وبحلول نهاية عام 1959، قررت كل من “شركة بريتش بتروليوم”و”الشركة الفرنسية للبترول” و”شركة تطوير الشرق الأدنى” الانسحاب من مشروع شركة نفط العراق في عُمان. وحدها شركة “شل”، التي كانت تمتلك احتياطيات أقل من النفط في الشرق الأوسط، وشركة “بارتكس” قررتا الاستمرار. وتولت شركة شل تشغيل الشركة اعتبارًا من 1 أكتوبر 1960، مع تقليص كبير في حجم العمليات، مكتفية بقاعدة واحدة وبعض المواد في موقع “عفار”.
وقد استغرق الأمر نحو سبع سنوات، تحت إدارة شل وليس شركة نفط العراق، للانتقال من حالة الشك في المستقبل إلى بروز عُمان كمصدر رئيس للنفط في الأسواق العالمية. وفي البداية، لم يسمح السلطان للشركة بإنشاء مكتب استكشاف داخل عُمان، ما اضطر العمليات للاستمرار تحت إدارة من دولة قطر. وكانت النظرة داخل الشركة تقوم على أنه إذا لم تحقق جهود الاستكشاف الجديدة نتائج إيجابية خلال فترة زمنية محددة، فسيتخذ قرار بشأن الاستمرار أو التوقف. وخلال عام 1961، روجعت البيانات السابقة وتوسعت بواسطة فرق من الجيولوجيين المدعومين بمتحدثين بالعربية من البريطانيين. وقد جرى اختيار منطقة “يُبَال”، الواقعة على بُعد 45 كيلومترًا جنوب غرب فهود، باعتبارها أكثر التكوينات الجيولوجية الواعدة، وبدأ الحفر في البئر “يُبَال-1” في مارس 1962. وكانت الظروف قاسية للغاية، حيث وصلت درجات الحرارة في الصيف إلى 58 درجة مئوية.
وعلى الرغم من ذلك، كانت العلاقات مع رجال قبيلة الدروع في المنطقة جيدة بوجه عام. فقد عمل عدد منهم مع الشركة، كما استفادوا من قدرة الشركة على حفر آبار مياه أعمق وأفضل مما يمكنهم إنجازه بأنفسهم. وقد لخّص أحد العاملين في الحفر في يُبَال العلاقة مع السكان المحليين بعد عشرين عامًا بقوله: “الناس حينها كانوا كما هم الآن، ودودين ومهذبين ومعتزين بأنفسهم ويسهل التعامل معهم”. وكان لممثلي الشركة الناطقين بالعربية دور محوري في التنسيق مع شيوخ القبائل لضمان حسن سير علاقات العمل. ويمكن القول إن أوائل ممثلي الشركة، بدءًا بإدوارد هندرسون، ثم ستيوارت وات الذي خلفه في عام 1955، ومن ثم موظفي التنسيق خلال العقد التالي، هم أول البريطانيين، بل أول الأجانب عمومًا، الذين تعاملوا وعملوا مع قبائل الداخل العُماني وشيوخها.
وقد تعرضت بئر “يُبَال-1” لانفجار عنيف بعد عدة أشهر من العمل، ما أدى إلى التخلي عنها. غير أن بئرًا ثانية أظهرت مؤشرات واعدة، كما بدأت أعمال حفر أخرى في “نَطِيح”، ومن ديسمبر 1963 في فهود ذاتها، حيث ساعدت الدراسات الزلزالية في توضيح طبيعة الحقل بشكل أكبر. وقد عثر على النفط على بعد نحو 1500 متر فقط من موقع البئر الجافة التي حفرت قبل سبع سنوات.
وفي حين جرت هذه الأعمال وسط سرية كبيرة، إذ كان السلطان وحده من بين العُمانيين على علم بها، كانت فرق المسح تنفذ أعمالًا واسعة النطاق في معظم أرجاء شمال عُمان. وفي يوليو 1964، نشرت صحيفة “صنداي تايمز” خبرًا مسربًا يفيد بأن شركة شل حققت ما وصفته بـ”اكتشاف نفطي كبير”. وفي نوفمبر من العام نفسه أعلنت شل رسميًا عن اكتشاف النفط بكميات تجارية في فهود ونطيح ويُبَال.
خط الأنابيب إلى ميناء الفحل
شهدت فترة العامين والنصف التالية عملية غير مسبوقة على الإطلاق في عُمان، لتحويل الاكتشافات النفطية إلى حقول منتجة وربطها بالبحر. وبعد استبعاد الدقم كموقع نهائي بسبب اضطراب الأمواج خلال موسم الرياح الموسمية الصيفية، منح السلطان الإذن بإنشاء خط أنابيب بطول 376 كيلومترًا من فهود عبر فج سمائل إلى ميناء الفحل بالقرب من مسقط، الذي اختير ليكون القاعدة الرئيسة للشركة والموقع الذي ستُركّب فيه عوامات الإرساء لتحميل ناقلات النفط. لم تعرف عُمان من قبل مشروعًا بهذا الحجم، ولم يكن له مثيل في أي مجال آخر من مجالات التنمية حينها. وقد تطلب المشروع مواجهة المخاطر وإيجاد حلول محلية للمشكلات الطارئة، وهو ما وصفه أحد المشاركين بأنه “روح الريادة في أفضل صورها”. وقد تحقق ذلك بفضل العمل المشترك بين العُمانيين والأجانب، حيث آتى الصبر ثماره رغم الشكوك الكثيرة التي أحاطت بإمكانية النجاح. وبفضل مزيج من المعلومات المتزايدة والإصرار والحكمة من جانب بعض الأفراد المؤثرين، اكتمل المشروع. وفي 27 يوليو 1967، حمّلت ناقلة النفط “موسبرينس” أول شحنة نفط عُمانية للتصدير، بكمية بلغت 543 ألف برميل متجهة إلى اليابان.
وقد أشرف (فرانسيس هيوز)، الذي عُين مديرًا عامًا للشركة في عام 1966، على المراحل النهائية من المشروع، وظل على تواصل دائم مع السلطان طوال تنفيذه. وكثيرًا ما كان يسافر إلى صلالة لعدة أيام متتالية، يناقش فيها أمورًا تتجاوز القضايا الفنية. وبحسب القنصل البريطاني العام آنذاك، فقد كان السلطان سعيد يثق به ويحبه. وفي منشور صدر بعد أيام من تحميل أول شحنة نفط، قال هيوز: “إنه يوم جدير بالاحتفال لشعب سلطنة مسقط وعُمان، إذ تبدأ اليوم بالنسبة لهم، من جوانب عدة، حقبة النفط. وإنني لأتمنى بإخلاص، أنا وشركة تنمية نفط عُمان، ألا يكون لهذا اليوم ما يبعث على الندم، بل أن يُنظر إليه، في الأشهر والسنوات المقبلة، كبداية لعصر جديد من الازدهار والسعادة في التاريخ الطويل لهذا البلد”.
كانت السنوات الأولى للإنتاج بمثابة فترة انتقالية. فعلى الرغم من تدفق موارد مالية كبيرة إلى عُمان، لم تتغير الحياة اليومية كثيرًا، وتأخر انطلاق التنمية غير النفطية. وكانت هناك حالة من التذمر الشعبي مع تصاعد المعارضة في ظفار خلال الأعوام الأخيرة من حكم السلطان سعيد. وكان السلطان متحفظًا أيضًا في تخفيف القيود المفروضة على تحركات الأجانب العاملين في الشركة، إذ لم يُسمح لهم بالسفر شمالًا على طول ساحل الباطنة، كما اقتصر وجود زوجاتهم في نطاق ضيق حول قاعدتي مطرح ومسقط. وكان (فرانسيس هيوز) يدرك تمامًا حجم الإحباط الذي ولّده هذا الوضع لدى العُمانيين. وقد كتب يقول: “غياب التنمية هو السمة الأبرز للبلاد. فما يفتقر إليه الأمر هو تشجيع التنمية الخاصة بأي شكل من الأشكال. فلا يُسمح ببناء منازل، ولا بشراء سيارات، ولا بسفر المواطنين إلى الخارج إلا للعمل. وتستمر هجرة السكان، وهم قلة أصلًا، إلى الكويت والسعودية ودبي وأبوظبي، رغم الفرص التي يُفترض أن النفط قد وفرها. كما يدفع نقص المؤسسات التعليمية آخرين إلى مغادرة البلاد بطرق غير قانونية”.
أما قصة شركة تنمية نفط عُمان بعد عام 1970، فهي جزء من تاريخ عُمان الحديث، ومن نهضة البلاد في عهد السلطان قابوس. فقد أصبحت الشركة “جزءًا من البنية الاجتماعية والاقتصادية لعُمان”، في علاقة قائمة على “اعتماد متبادل مدروس”، تعكس توقعات شعبية عالية ورغبة أكيدة في أن يكون صوت المواطنين مسموعًا لدى الحكومة الجديدة، بخلاف الحكومة السابقة التي عُدّت بعيدة وغير مبالية.
وشهدت بنية الشركة تغيرًا جذريًا. ففي عام 1967، أعيدت صياغة اتفاقية الامتياز بشكل جذري لتعكس التحولات في العلاقة بين الدول المنتجة وشركات النفط. وبموجب هذه التعديلات، اتفق على تقليص مساحة الامتياز بأكثر من 80 % بحلول عام 1990. وفي الوقت ذاته، عادت شركة النفط الفرنسية كمساهم في الشركة بحصة 10 %، بينما امتلكت “شل” %85 و”بارتكس” %5. وفي عام 1969، ورغم استمرار الأحداث في ظفار، أُعيد إدخال المنطقة ضمن امتياز الشركة بعد تخلي شركة “فيليبس بتروليوم” عن مصالحها هناك.
وبحلول منتصف السبعينيات، أصبح نموذج الامتياز برمته غير مقبول لدى دول منظمة أوبك، ما أدى إلى تبني سياسات التأميم أو المشاركة. وعلى الرغم من أن عُمان لم تكن عضوًا في أوبك، فقد قررت السير في مسار المشاركة. وفي عام 1973، استحوذت الدولة العُمانية على 25 % من أسهم شركة تنمية نفط عُمان، وارتفعت هذه الحصة إلى 60 % في العام التالي. وبعد نهاية أحداث ظفار عام 1975، أصبح بالإمكان أخيرًا بدء العمليات هناك، وابتداءً من عام 1978 بدأ الإنتاج النفطي في مرمول وأمل.
وقد ارتفع الإنتاج بشكل مطّرد بعد أول شحنة في عام 1967، وإن لم يكن الارتفاع لافتًا في البداية. واستمرت شركة شل في فرض رقابة صارمة على عمليات شركة تنمية نفط عُمان بسبب انخفاض أسعار النفط، حتى جاءت طفرة الأسعار عام 1974. وبحلول نهاية السبعينيات، كان يُعتقد أن إنتاج النفط في عُمان سيستقر عند 320 ألف برميل يوميًا ويبقى عند هذا المستوى حتى عام 2000. إلا أن عُمان تجاوزت هذه التوقعات؛ ففي عام 1988 وصل الإنتاج إلى 600 ألف برميل يوميًا، وارتفع بحلول عام 2000 إلى 840 ألف برميل يوميًا. كما شكل التوسع في مشاريع الغاز والصناعات التحويلية نقلة اقتصادية رئيسة. وقد علّق أحد المسؤولين في الشركة آنذاك قائلًا إن تحقيق مثل هذه المستويات من الإنتاج والنمو الاقتصادي كان ليُعتبر ضربًا من الجنون في السابق.
الهوامش
* فصل من كتاب (روابط راسخة لا تتزعزع للأبد) من تأليف روبرت ألستون وستيوارت لاينغ، يتناول تاريخ العلاقات بين بريطانيا وعُمان من عام 1650 إلى 1970. ويستعرض الروابط الدبلوماسية والمعاهدات بين البلدين، مسلطًا الضوء على الأحداث الرئيسة خلال هذه الفترة، وأثر هذه العلاقة على البلدين.